حققت الجزائر طفرة اقتصادية واعدة، في استثمارات الهاتف الخليوي، بعد أن بلغ عدد المشتركين 13.7 مليون في نهاية 2005، بعد ثلاث سنوات ونصف السنة فقط منذ تخصيص القطاع، واكتساحه من قبل مجمع"أوراسكوم تيليكوم"المصري، وپ"الوطنية الكويتية"اللتين تنافسان الشركة الأم"اتصالات الجزائر"، ما جعل الجزائر تحتل المرتبة الثالثة أفريقياً. وتراهن الجزائر على كسب 20 مليون مشترك في 2008، و22 مليوناً حتى 2010. ولم يكن عدد المشتركين قبل ذلك يتعدى مئتي ألف، إذ كان الحصول على خط خليوي آنذاك أشبه بالحلم لدى عامة الجزائريين، باستثناء رجال الأعمال والأثرياء والمسؤولين. وكان على الجزائري أن يدفع 348 دولاراً للاشتراك، إضافة الى الملفات الإدارية المعقدة، ويعبر طريقاً طويلة عبر مكاتب المسؤولين وأصحاب المعارف، قبل الحصول على خط واحد ينتظر صاحبه شهوراً وسنوات وقد لا يظفر به! كان على الجزائريين أن ينتظروا حتى عام 2001، لتحدث الحكومة "ثورة"في عالم الاتصالات السلكية واللاسلكية، حين قررت فتح سوق الخليوي وكسر الاحتكار، لتدخل المنافسة على التوالي شركتا"أوراسكوم تيليكوم"المصرية وپ"الوطنية الكويتية"، منافستين للشركة الأم"اتصالات الجزائر". وبحسب أرقام وزير البريد والاتصالات بوجمعة هيشور، فإن شركة أوراسكوم تيلكوم التي حصلت على أول رخصة للاستثمار في سوق الخليوي، تمكنت عبر ممثلها التجاري، حتى نهاية 2005، من استقطاب نحو 7.3 ملايين مشترك، لتستحوذ على حصة 53.27 في المئة من السوق الوطنية، بينهم 96.7 في المئة اختاروا خدمة ما قبل الدفع، أو ما يعرف ب"جازي كارت"، في حين أن"الوطنية الكويتية"التي حصلت على الرخصة الثانية في كانون الاول ديسمبر 2003، تمكنت من استقطاب 1.5 مليون مشترك في خدمات"نجمة"، بنسبة تفوق 10.81 في المئة من حصة السوق، فيما لدى شركة اتصالات الجزائر نحو خمسة ملايين مشترك، بحصة تفوق 35 في المئة من السوق. وأثار نجاح استثمارات أوراسكوم في الجزائر اهتمام المراقبين، نظراً لتركيز المجموعة المصرية استثماراتها على السوق الجزائرية، التي مكنتها من تحقيق طفرة نوعية، على رغم حداثة التجربة مقارنة بتواجدها في دول أخرى مثل مصر وباكستان. وأصبحت أوراسكوم تحتل المرتبة الأولى من حيث الاستثمارات الأجنبية في الجزائر خارج قطاع المحروقات، ووسعت استثماراتها إلى مجال الإسمنت، ومشاريع مستقبلية في قطاع السياحة. ومكن دخول أوراسكوم من تحقيق انطلاقة قوية ومنافسة شرسة، جعلت الجزائر تتربع على المرتبة الثالثة أفريقياً خلال ثلاث سنوات ونصف السنة فقط، متقدمة على مصر والمغرب اللتين سبقتاها في تخصيص قطاع الاتصالات. وفي تصريح خاص بپ"الحياة"فسّر المدير العام لشركة أوراسكوم تيلكوم الجزائر حسان قباني نجاح استثماراتها قائلاً:"إنها قصة نجاح تاريخية بالنسبة إلينا. في سنة 2001 حصلنا على الرخصة الثانية، بعد أن دفعت"أوراسكوم"نحو 737 مليون دولار، عندما كان الجميع يشكك بإمكان النجاح، ووصفونا بالمجانين، لأننا دفعنا ذلك المبلغ"، مشيراً إلى ان"نجاحنا مرده الى حجم استثماراتنا، الذي يفوق البليوني دولار، مع احتساب قيمة الرخصة، ولدينا أوسع شبكة خليوي في الجزائر تغطي أكثر من 87 في المئة من السكان، وبإمكانها خدمة ثمانية ملايين مشترك، إضافة إلى نحو 20 ألف كيلومتر من شبكة التحويل الخاصة بنا، ونحن من القلائل الذين استثمروا في كابل مائي للألياف البصرية، يربط الجزائر بفرنسا، وحصلنا مؤخراً على رخصة ثانية لتشغيل الهاتف الثابت في الجزائر". وحول خصوصية السوق الجزائرية، قال قباني:"هناك عوامل عدة أهمها حجم البلد والنقص الذي كان موجوداً في خدمة الهاتف، حيث لم يكن عدد خطوط الخليوي يتجاوز 20 ألف خط عدد سكان الجزائر 30 مليون نسمة، ومليون خط هاتف ثابت فقط. وقد وصلنا إلى مرحلة 35 في المئة من مجموع السكان، بالنسبة لمستخدمي الخليوي. وتدفع مساحة البلد الشاسعة، ونقص خطوط الهاتف الثابت الجزائريين إلى الإقبال على الخليوي". وعن سر تصدر استثمارات أوراسكوم في الجزائر بقية استثماراتها في الدول الأخرى، قال قباني إن"أوراسكوم تتواجد في بلدان مثل مصر والجزائر والعراق وبنغلادش وباكستان، وتغطي منطقة جغرافية تجمع 450 مليون نسمة، ولديها اليوم نحو 26 مليون مشترك، منهم 15 مليوناً في إيطاليا التي دخلتها أوراسكوم. ولدينا طموح لبلوغ 50 مليون مشترك في فترة وجيزة جداً"، لافتاً إلى"أهمية السوق الجزائرية بالنسبة لأوراسكوم، ليس بسبب الكثافة السكانية فقط، فنحن لدينا رخصة في باكستان ذات الكثافة السكانية الأوسع، وفي مصر شبكتنا موجودة منذ عام 1992، لكن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري أعلى بكثير من نظيره الباكستاني، وهو يصرف على الخدمات الهاتفية أكثر من المشترك الباكستاني. يضاف إلى ذلك انفتاح السوق الجزائرية على الاستثمارات الأجنبية، ونقص خطوط الهاتف الثابت، وهي عوامل جعلت من الجزائر أحد أهم أسواق أوراسكوم، وربما الأهم". أما المدير العام للوطنية للاتصالات روني باتوان، فقال ل"الحياة"عن تطور سوق النقال في الجزائر،"إن الاستثمارات في قطاع الاتصالات هي الأهم بعد قطاع المحروقات، والوطنية الكويتية دخلت المنافسة بقوة، باستثمارات قاربت بليون دولار، مع حساب قيمة الرخصة الثانية التي دفعنا للحصول عليها 421 مليون دولار، ونحن نعتبر أن" نجمة"الممثل التجاري للوطنية الكويتية، كانت العامل المحرك للمنافسة الحقيقية، وأثبتت أن هناك فعلاً مكاناً لثلاثة متعاملين في السوق، متى توافرت النوعية والتنوع في الخدمات". وعن الآفاق المستقبلية للشركة قال باتوان:"إن الهدف الرئيس لپ"نجمة"هو تزويد المستهلك الجزائري بهاتف خليوي متعدد الخدمات، وسنعمل خلال العام الحالي على توسيع شبكتنا إلى محاور الطرقات الكبرى وتحسين شبكتنا، ونحن نعول على نوعية الخدمات لمضاعفة عدد المشتركين". وعلى رغم اشتداد المنافسة، يبقى المواطن الجزائري يتوق إلى خفض الأسعار بما يتناسب وقدرته الشرائية، لكن مدير أوراسكوم يرى عكس ذلك، ويقول:"لا يمكن القول إن أسعارنا مرتفعة ولدينا نحو ثمانية ملايين مشترك، وهناك توازن بيننا وبينهم، وكلما ارتفع عددهم، ينخفض السعر، والأسعار في السوق الجزائرية هي الأقل في المنطقة". وتعتزم الحكومة الجزائرية فتح رأسمال شركة اتصالات الجزائر خلال السنة الحالية، بعد أن تقدمت 40 شركة ومؤسسة دولية بطلبات للمشاركة في العملية، معلنة رفضها فتح السوق لمتعامل ثالث في الوقت الراهن، ومعتبرة أن بإمكان المتعاملين الثلاثة تغطية متطلبات السوق حتى العام 2010 على الأقل. وقد يصعب إقناع الجزائريين الذين تعودوا على التشكيك في الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة بشأن الأداء الاقتصادي، بأن بلادهم حققت نمواً مضطرداً فاق 6 في المئة على مدى السنوات الأخيرة، بالنظر لاستمرار تدني مستوى المعيشة. وربما لن يفلح مبلغ 60 بليون دولار الذي خصصه الرئيس بوتفليقة لدعم النمو في مناطق الجنوب والهضاب العليا، في انتزاع اعتراف شعبي، إلى أن يلمسوا آثاره ميدانياً، حتى لو بلغت عائدات الموازنة المخصصة في إطار قانون المالية لسنة 2006 ما يعادل 1667.9 بليون دولار. لكن لا يختلف جزائريان على الإقرار بالتطور الهائل الذي حققته الحكومة منذ فتح المنافسة على خدمات الهاتف الخلوي، الذي أصبح جزءاً من ثقافة الجزائريين على اختلاف مستوياتهم المعيشية.