التنوع البيئي وظروف العيش العصرية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية دفعت بعض الشباب السوري إلى حل مبتكر لأزماته وهو اللجوء إلى المساكنة نوع من الزواج العرفي. وعلى رغم أن هذه الظاهرة غير معلنة على نطاق واسع ومستهجنة في سلم القيم الاجتماعية التقليدية، يعيشها بعض الشباب"في شكل موارب وبنوع من التواطؤ الاجتماعي"وفق ما تقول سعاد التي سبق وأنجزت دراسة عن ظاهرة"المساكنة". وتوضح سعاد أنّ هذه الظاهرة تطاول شباناً وشابات أتوا في الغالب من مدن أخرى إلى دمشق للدراسة أو العمل،"إذ إن العاصمة تحتمل أكثر من غيرها علاقات مختلطة كهذه". وتوصّل الشباب الى ايجاد هذه الحلول الطارئة بعد انتشار إمكان استئجار نزل مشترك في بعض أحياء دمشق الحديثة وفي الضواحي البعيدة التي تستقطب خليطاً غير متجانس من البشر. وتقول سناء 23 عاماً، طالبة:"المساكنة كلمة مثيرة لكن من بعيد. فأنا شخصياً لن أفعل ذلك وإن بارك والداي مثل هذا القرار، لأن المشكلة أشدّ تعقيداً من ذلك: فالأمر يفترض مواجهة حقيقية مع المجتمع، مواجهة قد تدمّر الحبّ أحياناً". وبعد لحظة شرود، تضيف:"سأكتفي ببعض الساعات المسروقة، خصوصاً أنني أعرف أن انتشار المساكنة في العالم المتحضر، لم تخفف من نسبة الطلاق ولم تحل عقدتهم الناتجة من خوف الارتباط". وتختتم بتهكم:"سأنتظر الزواج وسأفرح به كثيراً. وسوف أمشي بكبرياء أمام أهل الحارة لكنني بصراحة لا أضمن ما سيحدث لو عشت في باريس او نيويورك". ويقول عماد 28 عاماً، موظف الذي عاش التجربة سنة واحدة:"انتهت بالفشل. فالأمر يتطلب خدعاً سينمائية لمحاولة التستر على طبيعة العلاقة. إذ يضطر الشاب والفتاة إلى إخفاء هذه الخصوصية في أحاديثهما اليومية، فيلجآن إلى انتحال شخصيات مزيفة، أو تأليف حبكات درامية، كي يتجنبا أسئلة فضولية ومحرجة". ويوضح أنّ المساكنة تتطلّب العيش في الأحياء الحديثة والعمارات المكتظة بالسكان التي تساعد الثنائي في الذوبان بين زحام البشر. ويضيف:"علينا أيضاً اتباع خطط يومية للدخول والخروج تماماً كالأساليب البوليسية مثل تأمين الطريق من العيون المتربصة أو إيجاد الأعذار اللائقة أمام أي ظرف طارئ". أما حول اعلان مثل هذه العلاقة فيجيب:"سوف نتعرض لضغوط اجتماعية كبيرة، خصوصاً إذا كنا نعيش في حي تقليدي حيث قد تصل الضغوط الى ممارسة العنف الجسدي تجاهنا، وأحياناً يسعى المحيط نفسه الى التستر على هذه العلاقة عبر استخدام تسميات أخرى لها لتغطيتها بغطاء شرعي لكن من دون أن يسميها باسمها الصريح". وتروي ميسون 25 عاماً، طالبة أنها حضرت مرة نقاشاً مع مجموعة فتيات أوروبيات مقيمات في دمشق"كن يشفقن على الفتاة السورية لأنها لا تستطيع العيش مع صديقها خارج إطار العلاقة الزوجية. وكن يؤكدن أهمية التجربة، خصوصاً إن كان الشاب والفتاة يفكران بالزواج في المستقبل". وترى زميلتها رحاب أنّ المساكنة تتطلب وجود رجل وامرأة يجمع بينهما الحب والعشق، ولا يكونان في حاجة إلى وصاية المجتمع ليكللا الرغبة التي تحرك قراريهما. وتضيف:"أما الزواج فيهدف في معظم الأحيان إلى أن يكون صفقة رابحة لكلا الطرفين يضبطها عقد يباركه المجتمع، هذا المجتمع الذي يستمر في مرافقة هذه الصفقة والإشراف على آلية سيرها".