فيما يضم حيا «الكوت والنعاثل» وسط مدينة الهفوف في الأحساء مئات المنازل القديمة التي حفظت تراثا معماريا للواحة بشكل عام، بيد أن أهلها الأصليين هجروها إلى أحياء جديدة، وأخرى لم تزل غير معروف ملاكها، وجاءت العمالة التي تعمل في المحال التجارية القريبة منها لتسكنها، وهي لا تأبه بما تخلف من دمار لهذا التراث. في جولة ل«اليوم» ضمن الملف الشهري الخامس عشر «العزاب.. الملف الوطني التائه!»، لوحظ أن هذه المنازل التراثية لا يزال معظمها محتفظا ببنائه من الطين وجذوع النخيل، وهي بتكويناتها المتنوعة أسست لفن العمارة التي بنيت على شاكلتها بقية البيوت، لكن العمالة سكنوها وشوهوا بوابة طينية مزخرفة بيد ساعد أحسائي، وأضحت النوافذ وأقواسها ضحية الأسمنت والتكسير. وفي حي الكوت الذي يحتضن بيت البيعة الشهير هناك عشرات المساكن للعمالة الآسيوية، وهي لا تدري ماذا تعني هذه التراثيات للمحافظة؟ ولا يجد الزائر للحي صعوبة في اكتشاف مدى تماديهم في رمي الأوساخ والمخلفات وسط بيوت مهجورة أيضا، فليس من الطبيعي أن ترى بيتا طينيا على حاله هناك، ولطالما تسببت تلك المخلفات في حرائق خطيرة، وغالبية البيوت تسقف بجذوع النخيل القابل للاشتعال السريع، ويحتاج إطفاؤها إلى تضحية أحيانا، فالأسقف الطينية سريعة السقوط بعد تعرضها للمياه الغزيرة لإطفاء الحريق. وذكر محمد البراهيم أحد سكان حي الكوت أن العمالة الأجنبية سيطرت على الحي في أماكن مخصصة للسعوديين فقط، وهو طابع تاريخي مهم في الأحساء، والمضايقات من قبل العمالة كثيرة، وأصبح مرور الأجنبي أكثر من السعودي. وقال: رغم أن هذه الأحياء القديمة اعتادت سابقا على الوحدة والتآلف بين الجيران، ولم نشعر بأن بيننا أسوار فبعض مستلزماتنا في منزل جارنا وبعض مستلزمات جارنا في منزلنا، أما الآن فقد أصبحنا نخاف من الجيران بسبب السرقات وضبط شاربي الخمور وأصحاب الممارسات السيئة، وأتمنى من أصحاب المنازل عند خروجهم من المنزل أن يؤجروه إلى المواطنين حتى لو كان بمبلغ أقل من المبلغ الذي سوف يدفعه الاجنبي، وإذا كان المبنى غير صالح فيفضل ترميمه، والسعوديون سوف يستأجرونه. من جهته، أكد المواطن عبدالله الحاجي ان نسبة العمالة الأجنبية تشكل 40% من سكان الحي مما جعلنا نتضايق من مرورهم أو وقوفهم أمام فتحة الباب مدة ساعة او اكثر للحديث في الجوال إضافة إلى أن صوت مكائن الخياطة يزعجنا في الليل والنهار وليس لدينا أي سلطة للحديث معهم وسبق وطالبنا الجهات المعنية لمنعهم من السكن في حي العائلات. وقال المواطن توفيق القطان: إن ممرات حي الكوت ضيقة والان أصبح عدد الأجانب العزاب يسكنون في المنزل الواحد اكثر من عدد المنزل الذي يسكن فيه عوائل، كما أننا أصبحنا نخشى على عائلاتنا من الخروج وحدهم في الحي. وقال المواطن عماد البراهيم: إن هناك منازل في حي الكوت يسكنها أكثر من 30 شخصا من العمالة الاجنبية، وهذا يشكل خطرا على الحي، كما انهم يجمعون لوازم عملهم من اصباغ وغيرها في المنزل؛ مما يسبب ازعاجا للجميع، كما أن روائح الطبخ تعلو المكان وقد كان الناس في السابق أبواب منازلهم مفتوحة دون خوف؛ لأن جميع السكان يعرف بعضهم ولا نخشى من الجار، اما الان بدأنا نركب أسواراً في السطوح خوفاً من العمالة الاجنبية. وأوضح المختص صالح بن عبدالله بالخدمة الاجتماعية أن التجمعات السكنية للعمالة الأجنبية لم تأت من العدم بل إن هناك عدة عوامل أدت إلى وجود هذه التجمعات، ومن أهم هذه العوامل: رخص الإيجارات العقارية في منطقة ما، فنلاحظ أن التجمعات السكانية للعمالة الوافدة لا تتواجد في أحياء مرموقة لارتفاع تكلفة العقار فيها، ومن العوامل الأخرى للتجمعات السكانية وجودها وسط مناطق عمل أو طرق تكثر فيها محلات بيع الأدوات الصحية والكهربائية لتلائمهم مع أعمالهم. وزاد: الملاحظ أنه في بعض الأحياء السكنية تكون مختلطة بين عمالة أجنبية وقلة من العائلات السعودية التي تسكن في تلك الأحياء؛ بسبب ضعف الدخل أو لأسباب أخرى، وكمثال على تلك الأحياء التي تكتظ بالعمالة الأجنبية كحي المزروعة وحي الكوت بالهفوف، وحي الحزم بالمبرز. ومن الحلول التي قد تجدي نفعا لمشكلة تكدس العمالة في بعض الأحياء الشعبية هو توفر سكن خاص للعمالة على طرق رئيسية تجارية، فإنه مع وجود برج سكني أو عدة عمائر سكنية للعمالة في عدة طرق متفرقة بعضها عن بعض سيزيد من فرص عمل الجميع (لكل منطقة مجموعة عمالة)، وسيكون أسهل من النواحي الأمنية مراقبة كل ما يدور في المنطقة لسهولة الدخول لتلك المناطق، أما من ناحية إيجارات السكن فيلزم الكفيل بتوفيره للعمال. أما عن أسباب تجمعات العمالة، فيقول الأخصائي الاجتماعي علي احمد أبو خليل: ربما تكون أحد أسباب توافد هذه العمالة وتوسعها هو رفض الكثير من الشباب العمل في المغاسل أو الكافتيريات وغيرها وخاصة بالأجور القليلة، ولربما يرى البعض أن العمل في هذه الأماكن معيب بالنسبة له فيلجأ أصحاب هذه المحلات إلى استقدام العمالة الأجنبية. وتحاول هذه العمالة البحث عن سكن لهم بأجور زهيدة وقريبة من مناطق العمل وغالباً ما تكون في الأحياء الفقيرة، وهناك العديد من الأهالي الذين يخافون على أبنائهم من هذه العمالة وخصوصا من العزاب فيبحثون عن سكن آخر بعيدا عن العمالة الأجنبية مما يتيح لهذه العمالة التوسع أكثر في ذلك الحي. ولحل مشكلة تجمع العمالة أشار خليل إلى أنه يجب تشجيع الشباب على العمل في هذه الأماكن بحيث نقلل من استقدام العمالة الوافدة، وإنشاء وحدات سكنية للعمال بأسعار زهيدة. في حين اتفقت رئيس اللجنة النسائية التطوعية بدرية الموسى أن السبب يرجع لعدم تنظيم أعداد العمالة الأجنبية وعزوف الشباب السعودي عن الأعمال والمهن الحرفية البسيطة مثل البناء والنجارة والحدادة وارتفاع أسعار الإيجارات؛ مما يؤدي إلى التكدس في أحياء رخيصة وفي غرف مشتركة للتعاون في دفع الإيجار. أما عن الحلول المفترض مراعاتها في مثل تلك الأحياء، فأشارت الموسى إلى أهمية توفير عمارة سكنية مخصصة للعمالة العازبة في كل منطقة سكنية بحيث تمنع اختلاطهم ببقية إسكان العائلات وتوفير سكن خاص بالعمالة داخل المنشآت التابعة لها مثل بعض المستشفيات التي تخصص إسكانا لموظفيها العزاب في سطح أو قبو المنشأة. وذكر سامي الحويل عضو المجلس البلدي السابق والمختص العقاري أنه بالرغم من احتياج الوطن للعمالة على جميع الأصعدة لأنها الشريك في بناء الوطن والنهضة وهي من تبني وتصلح فلا يوجد من يستطيع أن يستغني عن العمالة، إلا أنها سلاح ذو حدين، فمع إيجابياتها إلا أن هناك سلبيات كثيرة لها ومشاكل أمنية، اقتصادية، أخلاقية، فهناك انعكاس سلبي على المجتمع كالتأثير على مستوى المعيشة لبعض الأسر التي قد تتأثر بهذه العمالة عن طريق مباشر أو غير مباشر. وتابع: على سبيل المثال متى ما أعطيت العمالة الفرصة في حق السكن في أحياء العائلات كانت هي المنافس الأول لهذه العائلات التي ترغب في أن تقطن هذه الأحياء فتكون عائقا لها، ومن الآثار السلبية التي تنعكس على الأسرة أنها لا تجد الحرية المطلقة في التنقلات بينها وبين بعضها، ولا تجد الأمان لأطفالها بين هذه العمالة، إضافة لترويج الممنوعات من المخدرات بين شباب هذه العائلات، وانعكاس بعض العادات غير الأخلاقية وغير الإسلامية على هذه العائلات. ويضيف الحويل: من المقترحات التي قدمت للجهات المعنية لهذه العمالة أن تكون هناك مجمعات سكنية تقوم عليها جهات استثمارية تخصص للعمالة في مناطق مختلفة بالمحافظة، بحيث تخدم جميع المناطق وتكون مهيأة التهيئة الكاملة للعمالة، بحيث تكون بها جميع الخدمات من ملاعب ومطاعم ومساجد وجميع ما يحتاج له العامل، وهذا سينعكس عليه بالإيجاب في أدائه العملي وأيضا في أخلاقياته العامة، وهذا سيساعد الدولة في أمور عدة منها تقليل الإجرام الذي ينتج من هذه العمالة، والتقليل من الهروب؛ لأنه لن يجد العامل له مأوى يختبئ فيه غير هذه الكنبات النظامية، وتوفير السكن للعائلات ذات الدخل المحدود بإجراءات مناسبة، كما أنها تعتبر عائدا جيدا للدولة في استثمار هذه المواقع في بناء المجمعات. على الصعيد ذاته، يؤكد عبدالله المهيني أن ظاهرة انتشار العمالة بين الاحياء السكنية من الظواهر الخطيرة على المجتمع وهي تضايق الأهالي في الحي فضلا عن سياراتهم التي تتكدس في كل شبر من الحي ويتجولون في الطرقات وفي كل وقت دون رقابة، فهم مصدر قلق لأطفالنا وعائلاتنا. وأشار المواطن محمد الزويدي إلى أن منظر هذه العمالة بانتشارهم حول منازلنا وفي الطرقات مظهر غير حضاري، وأهالي الحي يشكون منها ويواجهون مشاكل متعددة ولكنهم ما زالوا يتواجدون بشكل لافت مسببين قلقا لأهالي الحي، وأصبحنا لا نرى الا العمالة السائبة في كل مكان، وأصبح بعض الأهالي ينفر من الحي وقد يهجره سكانه بسبب تفشي ظاهرة انتشار العمالة السائبة. في سياق غير بعيد، أبان الباحث الاجتماعي فؤاد المشيخص أن مشكلات العمالة الوافدة في بلدنا تنبع من اختلاف العادات والتقاليد وخصوصية مجتمعنا المحافظ، فعملية دمج العمالة اجتماعيا عملية صعبة لدى بعض الجنسيات مما ينتج عنه تجمع هذه العمالة في أحياء محددة، وينتج عن ذلك كثير من المشكلات الأمنية والاقتصادية والأخلاقية والبيئية، ومن اخطر الأضرار هي الأضرار الاجتماعية وذلك بسبب التباين الكبير في العادات والتقاليد، فالعمالة تنشر ثقافات وسلوكيات بعيدة كل البعد عن عاداتنا وقيمنا، وينتج عنها كثير من الجرائم والمخالفات القانونية، وفي بعض الأحيان يكونون أرضا خصبة للممارسات السلبية، وتتميز الأحياء التي يقطنونها بعدم توفر النظافة وغياب الصحة والسلامة. وزاد: من الجيد أن يكون هناك دمج بين العمالة الوافدة ومجتمعنا بما يحافظ على عاداتنا وتقاليدنا ويجعلهم يتأثرون بنا ونقلل تأثرنا بما هو سلبي وبعيد عن عاداتنا، وهذا يتطلب وضع قوانين رادعة لكل التجاوزات الاجتماعية والأخلاقية، وأيضا تحميل صاحب العمل بتوفير سكن ملائم ومناسب لهم، فمع تزايد أعداد العمالة الوافدة نحتاج إلى مشاريع ومدينة عمالية متكاملة تضم كافة المرافق التي يحتاج إليها العمال والموظفون وزوارهم وتطبق فيها المعايير الخاصة بالعمال وتحقق احترام وإنسانية العامل. ولفت المشيخص إلى أن الارتقاء بمستوى سكن العمالة مطلب، فإننا نجدهم يتكدسون في أحياء قديمة ومساكن آيلة للسقوط وبأعداد كبيرة جدا في كل مبنى وهذه المباني غير صحية وغير آمنة، وفي الغالب يتم استغلالها من قبل المخالفين للإقامة، ويفترض أن يكون لسكن العمال مواصفات مثل ألا تقل المساحة المخصصة للفرد الواحد داخل الغرفة المشتركة عن أربعة أمتار من المساحة الخالية، وعدم إيواء أكثر من أربعة عمال داخل الغرفة الواحدة، وألا تستخدم المداخل أو الممرات أو أسطح المباني أو السراديب كغرف لإيواء العمال، وأن تكون الغرفة جيدة التهوية وتوفير سرير مزود بالفراش والأغطية المناسبة لكل عامل ويحظر استخدام الأسرة ذات الطابقين أو أكثر. وقال: إن فئة العمال تعتبر من الفئات المهمة في المجتمع، ويكفي أن هؤلاء العمال يسهمون بأيديهم في بناء الدولة ومرافقها، وبالتالي من حقهم علينا أن نوفر لهم أسباب العيش الكريم، علما أن الجهات المعنية في الدولة لم تقصر في هذا المجال، بل هناك تعليمات واضحة من قبل وزارات الداخلية والعمل والبلديات حول الاشتراطات المتوجب توفرها في مساكن العمال والتي تضمن لهم بيئة سكن ملائمة. وعن الحلول من وجهة نظره لهذه المشكلة، قال المواطن عبدالرحمن الرشيدي: إنها تبدأ بالمواطن نفسه ووعيه لهذه الفئة وأضرارها، ثم توعية الجهات المسؤولة عن استقدامهم والحد منهم؛ لأن وجودهم يسبب عائقاً كبيراً لتطور البلد ونموه فربما نجهل أن بلادنا فيها أعداد كبيرة جداً ومخيفة وهذا بلا شك سيقف سداً منيعاً ضد الجهود المبذولة في هذا المجال، وعلى الأمانة والجهات المسؤولة أن تقدم حلولا عاجلة لحل هذه الأزمة قبل أن تتفاقم أكثر وأكثر، من ذلك إصدار نظام عقوبات لمن يقوم بإسكان عمالته داخل الأحياء وتكون صارمة جداً حتى نأمن من هذه الظاهرة التي بدأت وما زالت تنتشر داخل المجتمع، مطالباً الجهات المعنية ببناء مجمعات سكنية تبنى في مناطق معينة تكون معروفة؛ مما يسهل على الجهات الأمنية تفتيش هذه المجمعات بين حين وآخر. وتحدث فيصل العجيان الأخصائي الاجتماعي عن أبعاد الغربة على العامل البعيد عن وطنه، مشيرا إلى أن الانعكاسات متعددة منها اقتصادية ونفسية اجتماعية وأحيانا تأخذ شكلا ايجابيا، فثقافة الغربة تعني الحنين للوطن والأهل والأصدقاء والعادات والتقاليد، وبهذا القدر كانت هناك الكثير من الإبداعات الشعرية ومدارس كمدرسة شعراء المهجر وفيها زخم عاطفي كبير من الروح والحب والوفاء فهو نتاج مبدع وشعور جميل، لكن له شكله السلبي والمتمثل في عدم قدرة الفرد على التكيف والانسجام مع المحيط الجديد وعدم الثقة في الناس وعدم تقبل الطباع وعدم استطعام الأكل والخوف من الناس ما يدفع لتكوين مجتمع مهجر مستنسخ من المجتمع الأصلي ويحوي العادات والألعاب ومحلات ومطاعم تقدم نفس الوجبات، وهو ما يشير لميل التجمعات للتعبير عن ذاتها كمخلوقات ذات طابع خاص تتميز بالثقافة والأشياء والموضوعات الخاصة. ويعتقد العالم فروم أن الاغتراب نوع من الخبرة التي فيها يرى الشخص غريبا عن ذاته، فيشعر بأنه لا يمكنه التحكم في أفعاله بل تسوقه أفعاله وينساق وراءها مما يجعله بعيد الاتصال عن ذاته وبعيد الاتصال بأي فرد في المحيط. وأضاف العجيان: إن وعي الفرد بالصراع القائم بين ذاته والبيئة المحيطة به، والمحبطة له بصورة تتجسد في الشعور بعدم الانتماء والسخط والعدوانية، وما يصاحب ذلك من سلوك بفقدان المعنى واللا مبالاة ومركزية الذات والانعزال الاجتماعي وما يصاحبه من اعراض نفسية إكلينيكية كالاكتئاب والإحباط وهذا ما قد يفسر ارتفاع حالات الانتحار بين العمالة الوافدة. وأفاد: الشخص المغترب يجهل تماماً ذاته الواقعية، وان الفرد يشعر بتباعد بين ذاته الواقعية وبين الصورة المثالية التي يحددها الفرد لذاته داخل ذهنه، فالاغتراب هو شعور الفرد بالعزلة والضياع والوحدة، وعدم الانتماء، وفقدان الثقة، والإحساس بالقلق والعدوان، ورفض القيم والمعايير الاجتماعية، والاغتراب عن الحياة الأسرية والمعاناة من الضغوط النفسية ويختلف من حيث الشدة من شخص لآخر فقد تكون درجة الاغتراب مرتفعة أو درجة سوية والتي يمكن الكشف عن شدتها إكلينيكيا، كما يأخذ الاغتراب أشكالا منها: الاغتراب عن الذات وهو انتقال الصراع بين الذات والآخر من المسرح الخارجي إلى النفس الإنسانية. وأضاف: هو اضطراب في العلاقة التي تهدف إلى التوفيق بين مطالب الفرد وحاجاته ورغباته من ناحية وبين الواقع وأبعاده من ناحية اخرى، وهو نوع الخبرة التي يجد فيها المرء نفسه كغريب فالشخص المغترب هو شخص فقد اتصاله بنفسه وبالآخرين، وهي خبرة تنشأ نتيجة للمواقف التي يعيشها الفرد مع نفسه ومع الآخرين ولا تتصف بالتواصل والرضا، ومن ثم يصاحبها الكثير من الأعراض التي تتمثل في العزلة والانعزال والتمرد والرفض والانسحاب والخضوع، أي أن الاغتراب عن الذات هو شعور الفرد أن ذاته ليست واقعية، او تحويل طاقات الفرد وشعوره بعيداً عن ذاته الواقع. ويشرح العجيان نفسية المغترب بقوله: يبحث المغترب عن حلول لتقليل الشعور بالغربة كأن يأكل الأطعمة الشعبية المشهورة في بلده وتكون وقت الغربة ذات طابع كبير من الأهمية، وربما تختزل عادة الطعام أكبر قدر من الشعور بالغربة كأن يجلب خبزا وأجبانا من بلده، بالإضافة إلى تشكيل تجمعات اجتماعية، وأندية رياضية أو اجتماعية، طبعا تلعب التقنية والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي دورا في التقليل من معاناة التواصل مع الأهل والشعور بالغربة، لكن الحالة النفسية للمغترب قد تدعوه للعزلة حتى عن برامج التواصل وهو ما قد يعتبر مؤشراً للاكتئاب. ويرى المواطن ماهر البوحنية أنه من أسباب تكون التجمعات السكنية للعمالة أولاً هجر سكان الحي الأصليين القدامى إلى أحياء أكثر حداثة وتطورا؛ بحثاً عن الخدمات البلدية والتعليمية والصحية والاجتماعية والأمنية. ثانياً ظاهرة انتشار العمالة السائبة، وهو ما أحدث بمرور الوقت خللا في التركيبة السكانية وأصبحت الأحياء على سبيل المثال لا الحصر حي (الكوت والنعاثل والصالحية بالهفوف) وغيرها حاضنة للعديد من الأسر محدودة الدخل والعمالة. وأكد أن من الحلول ضرورة توافر اشتراطات خاصة بمجمعات سكن العمال، من بينها توافر البنية التحتية المناسبة وكافة الخدمات والمرافق الصحية والترفيهية والتجارية مع توزيع المجمعات على كافة أنحاء الدولة وعدم اقتصارها على منطقة بعينها مع ربطها بشبكة طرق ومواصلات جيدة. وأشار المواطن عيسى الدخيل إلى أن سكن العمالة الوافدة (العزاب) بالأحياء السكنية له آثار اقتصادية سلبية، فالحي الذي تكثر فيه العمالة تجده يؤثر على انخفاض أسعار إيجارات البيوت والشقق المجاورة؛ بسبب عدم رغبة الباحث عن عقار بالسكن قريبا من هذه العمالة. ويؤكد عبدالرحمن الحميدي أن وجود العمالة الوافدة بين الأحياء السكنية خطر جداً، وله عواقب وخيمة كانتشار القضايا الأخلاقية وغيرها من القضايا لا قدر الله، مضيفاً إن هذه العمالة لها عادات وتقاليد وثقافات مختلفة تختلف عن ثقافتنا الاجتماعية وتقاليدنا، مطالباً الجهات ذات العلاقة بتضافر الجهود وتأسيس مجمعات خاصة صناعية (كامبوند)، تحوي هذه العمالة، وبالعادة نجدهم يمارسون ألعابهم الرياضية داخل الأحياء السكنية. وطالب بإنشاء مجمعات سكنية متكاملة تتوافر بها المستوصفات الصحية والبنوك والمنشآت الرياضية وعدد من الفعاليات المختلفة التي تلائم رغباتهم وميولهم وإقامة المسابقات الرياضية والثقافية بالتعاون مع توعية الجاليات بالمحافظة، وبهذه الحالة يعالج هذا الخطر الذي يهدد استقرار المجتمع، ويصبح من السهل على الجهات المعنية كوزارة العمل ووزارة الداخلية وغيرها من الجهات معرفة أماكن العمالة الوافدة لديهم وتسهل متابعتهم ومعرفة تحركاتهم. ولفت محمد المطوع إلى أن المواطن الأعزب ترفضه العادات والتقاليد أن يجاور عائلات بالسكن، فكيف من يختلف عنا بالعادات والتقاليد والأعراف والقيم الاجتماعية؟، ووجود العمالة الوافدة بين الأحياء خطر يهدد استقرار المجتمع وأمنه. ويشاطره الرأي أحمد الحسن، ويقول: عادة ما تزيد الحوادث في أماكن سكن العمالة وتتفاقم المشاكل الأمنية التي تتسبب فيها العمالة؛ نظراً لوقوع مساكنهم ضمن النطاق العمراني للأحياء التي تقطنها العائلات ويزداد قلق الأهالي مع امتهان هذه العمالة تحويل مقارهم السكنية إلى ممارسات غير محمودة، بل تمتد المخالفات إلى تسجيل حالات اعتداء وتعرض للعائلات، وسرقات للمنازل والسيارات. من جانبه، أوضح الدكتور خليل بن إبراهيم الحويجي الأستاذ المشارك بقسم التربية وعلم النفس رئيس نادي الأحساء لذوي الاحتياجات الخاصة أن هذه العمالة الوافدة من مختلف الفئات لهم حقوق (ترفيهية، وصحية، أمنية، دينية) وعليهم واجبات. وهؤلاء المهنيون يمضون أوقاتا طويلة في هذه الأعمال الشاقة وتترتب عليها ضغوط مهنية وصحية واجتماعية، كل هذه العوامل تؤثر تأثيراً واضحاً وبيناً على الجوانب النفسية المختلفة، وجزء من معالجة أساليب الضغوط النفسية: الترفيه وهو جانب مهم لأداء الأدوار المنوطة بهم. وأردف: يجب توفير المرافق الترفيهية التي تتناسب مع هذه الفئة وترتبط بالعادات والتقاليد والثقافة السعودية، ويجب تكثيف البرامج الدينية الموجهة لهذه الفئات، كل حسب لغته وبطريقة متوافقة مع المستويين التعليمي والنفسي، حيث إنها تساعد على التوافق النفسي والصحي، ويجب توفير أندية بالخدمات المرتبطة بها من صالات رياضية وكافتيريات ومكتبة ثقافية دينية بجميع اللغات ومركز تعليم للغة العربية والدين، وتكثيف المحاضرات الليلية الثقافية التي تتوافق مع لغاتهم. وقال: إن عدم توافر ما ذكر سابقاً يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات سلوكية نفسية، ويؤثر ذلك على أداء هؤلاء الأفراد وتحولهم الى سلوك عدواني تجاه الفرد والمجتمع؛ مما يؤثر على المجتمع ويساعد في نشر السلوك غير السوي. وذكر الكاتب والناشط الاجتماعي عباس المعيوف أن ظاهرة وجود سكن عزاب أو عمال أجانب بالقرب من مسافة قريبة من سكن العائلات السعوديين أصبحت مقلقة جداً، وهذا يعني تهيئة مناخ يساعد على الانحراف انطلاقا من الثقافة المغايرة التي تحملها الجنسيات من عدة دول آسيوية وأفريقية، يدين بعضها بديانات غير إسلامية. وزاد: من الضروري وضع آلية لمخاطبة الشركات والمؤسسات بالتنسيق مع وزارة الداخلية ووزارة العمل بتهيئة بيئة للعمالة الوافدة بعيدة عن سكن العائلات ووضع قوانين صارمة وغرامات لكل من يخالف هذه الآلية، مبينا أن وجود هذه العمالة في الأحياء القديمة في مدن وقرى الأحساء يفتح مجالا آمنا لكل المنحرفين والمجرمين والإرهابيين للاختباء فيها، كما تصبح مرتعاً للجرائم الأخلاقية، وبالتالي الحل يكمن في إبعاد هؤلاء ومتابعة المسؤولين لهم بوضعهم في أماكن تكون تحت المراقبة المستمرة، وللأسف كثير من الفارين من يد العدالة لربما تكون هذه البيئة ملاذا لهم والتستر عليهم. وعتب على العائلات التي ترضى بذلك ولا تطالب الجهات المعنية بالتدخل لمنع تمدد هذه الظاهرة التي تفشت في الاحياء القديمة مثل النعاثل والصالحية والكوت والمزروعة وغيرها. وأكد أن سعر الإيجار الزهيد يدفعهم للتواجد بكثافة مساحة بيت لا يتجاوز 200 متر يقطنه أكثر من 20 عاملا، مشددا على أن الوضع خطير ومقلق جداً ويدعونا لدراسة الموضوع بجدية قبل استفحال الظاهرة مما يصعب بعد ذلك معالجتها. فوضى الحي وعشوائية المكان تستقطب العمالة لقطة علوية لمساكن العمالة في الأحساء أحد الأزقة التي تقطنها العمالة الوافدة في الهفوف بيئة سكن العمالة لا تراعي العوامل الإنسانية والنفسية