في شمال شرقي جمهورية افريقيا الوسطى تولى الجيش الفرنسي مرات قصف مواقع"القوات المسلحة الوسط افريقية"، وهي حركة تمرد مسلحة وجيدة التجهيز. وأتبع القصف، بواسطة قاذفات ميراج ف1، بعمليات برية مهدت مدرج طائرات. وفي تشاد، غير بعيد من وسط افريقيا، أنذرت الطائرات الحربية الفرنسية، الربيع الماضي، قوة مسلحة كانت تقصد نجامينا، العاصمة، وتنوي الاستيلاء عليها وطرد إدريس ديبي، الرئيس التشادي. ويتوقع ان يتجدد تصدي القوة الفرنسية الجوية لقوات المعارضة المسلحة. وتبدو هذه الحوادث قرينة على انبعاث دور عسكري فرنسي بأفريقيا. وكان هذا الدور قوياً وفاعلاً. ففي 1978 قفز المظليون الفرنسيون على مدينة كولويزي، في جمهورية الكونغو الديموقراطية، ومذذاك شاع ان السياسة الفرنسية في افريقيا لا تتورع عن استعمال القوة المسلحة دفاعاً عن حكام يراعون المصالح الفرنسية ويماشونها. ويرد الديبلوماسيون الفرنسيون على تهمة السياسة الفرنسية بحماية ديبي ونظامه بالقول انهم يحولون دون تحول تشاد الى صومال آخر. وأما جمهورية افريقيا الوسطى فتنخرها مناطق التهريب، على أنواعه، والجماعات المسلحة التي تسوم الاهالي الأمرين، وتعد العدة لبث الاضطراب في جوارها الافريقي وربما أبعد من جوارها. وتردد المنازعات هذه أصداء الحرب الاهلية من دارفور القريبة. ويؤدي الدور الفرنسي هذا، تلقائياً، الى حماية أنظمة فاسدة ومتسلطة، وتقتصر المساعدة العسكرية الفرنسية، على قول قيادة الأركان، على ارسال 200 عسكري مناصفة بين تشادوافريقيا الوسطى، الى قوة من 200 عسكري ترابط في افريقيا الوسطى، وأخرى تعد 1200 عسكري لم تغادر تشاد منذ الحرب الليبية على البلد في ثمانينات القرن الماضي. ولا تتخطى العمليات العسكرية الفرنسية التزاماً سابقاً قضى بمساندة القوات العسكرية، وتدريبها، وتجهيزها في اطار اتفاق بين دولتين. وتتولى القوات الفرنسية، منذ 2003، إنشاء جيش وطني بافريقيا الوسطى، جدير باسمه ومهمته. وتقيد مهمات القوات الفرنسية الميدانية والموضعية نازع القوات الوطنية الى التسلط على المدنيين وابتزازهم. ويأخذ مراقبون فرنسيون على قواتهم العاملة في تشاد إغضاءها عن تجنيد الجيش التشادي بعض الفتيان والشبان قسراً. ومنذ ايلول سبتمبر 2002 تنتشر قوة فرنسية في شاطئ العاج على حد فاصل بين قوات الشمال المتمرد وجيش الجنوب الموالي. ويندد أنصار الرئيس غباغبو بضلوع قوات الفصل ومراقبة الهدنة الفرنسية، في محاولة انقلاب على الرئيس"القانوني والدستوري"على رغم نهاية ولايته من غير انتخاب خلف له. وعلى خلاف انصاره، لم يطلب غباغبو من القوات الفرنسية الرحيل. ويتخوف المراقبون، وبعض العاجيين، دوام هذه الحال الى أجل غير مسمى. فالمصالحة الوطنية المزمعة تراوح محلها. ومجلس الأمن عازم على تجديد مهمة القوات الدولية، وهي تعد 7500 عسكري، والقوات الفرنسية، وتعد 3500 عسكري، سنة اخرى. ويتواطأ الخصوم العاجيون على ارجاء الانتخابات، الرئاسية والنيابية. فالمعارضة يضطرها حل الازمة الى النزول عن ريعها المتأتي من التجارات المحظورة. ويعمد أنصار غباغبو الى الحجر على اللوائح الانتخابية وتجديدها، خلافاً للرغبة الدولية. ويقود حزبي المعارضة القوميين في أبيدجان هنري كونان بيدييه وألاسان الحسن أوتارا، والاثنان يقيمان فعلاً خارج البلاد. وقضى قرار مجلس الأمن الأخير، في أواخر تشرين الأول أكتوبر المنصرم، بنقل معظم صلاحيات رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة، شارل كونان باني. ولكن رئيس الجمهورية، غباغبو، نجح في تعطيل رئاسة الحكومة وشلها. والى تشرين الاول 2007، موعد الانتخابات النيابية المقدرة، والمشكوك في إجرائها، تبلغ أكلاف مرابطة 3500 عسكري فرنسي 30 مليون يورو في الشهر الواحد. ويخشى بعض السياسيين الفرنسيين انزلاقاً فرنسياً في افريقيا على غرار الكارثة الرواندية في 1994 وإبادتها التي اضطرت القوة الفرنسية الى شهودها من غير ان تحرك ساكناً، أو تنتبه فعلاً الى خطورة ما يحدث وفداحته. فالقوات الفرنسية المرابطة في البلدان الافريقية الثلاثة لا تتولى مهمات محددة: فهي تترجح بين حماية الرعايا الفرنسيين والمصالح الفرنسية وبين الاضطلاع بأعمال أمنية ووقائية تؤدي الى حماية أنظمة حاكمة، وحماية المدنيين جراء ذلك. والى اليوم، تنهض فرنسا بهذه المهمات، المعروف والمعلن منها، وغير المعلن، وحدها، من غير سند أو شريك أوروبي. ولا يؤدي المجلس النيابي الفرنسي دوراً في الرقابة على سياسة أخرجها الرئيس من يدي رئيس الحكومة، على ما يلاحظ وزير دفاع سابق اشتراكي هو بول كيليس. عن كريستوف عياد وتوما هوفونغ ، "ليبراسيون" الفرنسية، 14 / 12 / 2006