مبكراً بدأ نهار المعارضين المتظاهرين لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أمس. منذ ما قبل الحادية عشرة صباحاً كانت الطريق المؤدية إلى ساحة الشهداء وسط بيروت، تشهد إقبالاً ملحوظاً، سيصير كثيفاً ما أن تتجاوز عقارب الساعة الثانية عشرة ظهراً. مبكراً أيضاً، بدأ باعة الأعلام نهارهم. احتلوا بأعلام"حزب الله"وحركة"أمل"وپ"التيار الوطني الحر"وأعلام لبنان جوانب الطرق المؤدية إلى الساحة. لكن المشترين سيكونون ممن صادر عناصر الانضباط أعلامهم الحزبية، واستبدلوها لهم بأعلام لبنان مباشرة من"البيك آب"المتمركز على تقاطع بشارة الخوري. من وسط بيروت صعوداً، تقود الطريق"المحمية"بعناصر الجيش اللبناني وآلياتهم إلى الضاحية الجنوبية. الطريق نفسها تربط بيروت بالبقاع والجبل. على هذه الطريق تحتشد الحافلات والسيارات منذ الصباح، ويصعب إحصاء عددها. حافلات النقل المشترك بدورها تحتشد على هذه الطريق. وعلى معظمها رفعت صور الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله، وبضع صور لطلال ارسلان والوزير السابق سليمان فرنجية والجنرال ميشال عون. الحافلات بمعظمها أتت من البقاع، بحسب ما تدل اللافتات الملصقة على الزجاج الأمامي: تمنين التحتا، الكرك، القرعون، رياق، يحمر، شعث، بعلبك، وأسماء بلدات كثيرة أخرى. على اللافتات أيضاً، كتبت عبارات مثل:"القطاع الثالث: حيدر. شعبة: رياق"، للتعريف بوجهة قدوم المشاركين. من الحافلات تنطلق هتافات كثيرة. معظم الهتافات موجهة ضد الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع ووزير الداخلية بالوكالة سابقاً أحمد فتفت. وعلى رغم تشديد الداعين على ضرورة الالتزام بورقة الضوابط التي وزعوها على المارة والسيارات والتي تشدد على التظاهر السلمي والحضاري. بدا بعض الهاتفين أبعد ما يكون من الآداب العامة، وأطلقوا هتافات قاسية في حق السنيورة وجعجع وفتفت. على هذه الطريق المؤدية إلى الضاحية إذاً، لا يمكن إحصاء أعداد الحافلات المتجهة إلى ساحة التظاهر. السائرون إلى الساحة مشياً أيضاً، يصعب إحصاء عددهم. لكن، الدفعة الأولى من المتظاهرين ستظهر في وقت مبكر متوقفة في المنطقة الممتدة من البربير في انتظار رص صفوفها. لم تستغرق عملية الرص وقتاً طويلاً، وبعدها تحولت الدفعة إلى جمع كبير. "ما بدن يعطونا الثلث. يعطونا أفا قفا ضهورن"، تقول إحدى اللافتات المرفوعة. وتحتها تصدح أصوات النسوة والشابات المحجبات بهتاف:"يا سنيورة نزال. هيدي الكرسي بدا رجال". في المقلب الآخر، مجموعة من الشبان يصرخون ساخرين:"بدنا حكومة نظيفة وبدنا نزرع حشيشة". في محيط مستديرة الطيونة، تشبه الصورة صورة ساحة شتورا في البقاع. الحافلات والسيارات تكاد تدوس بعضها بعضاً. وسط هذه الزحمة يتمركز بائع الشارات الملونة بالأصفر حزب الله والأخضر أمل والبرتقالي تيار وطني حر وصور نصر الله، وتشهد خيمته إقبالاً شديداً. حواجز الجيش تتكثف أيضاً، في هذه المنطقة. ويتمترس العناصر على مداخل الطرق المؤدية إلى المناطق المسيحية. من الطيونة إلى كنيسة مار مخايل، تشهد الطريق التي كانت خط تماس بين المناطق المسيحية والإسلامية خلال الحرب الأهلية، زحمة حافلات ومارة. في الأحياء الممتدة يمين السائر في اتجاه الضاحية الشياح تجول مكبرات الصوت وتدعو الناس إلى المشاركة للمطالبة بشراكة في الوطن. بينما تبدو المناطق على يسار السائر خالية إلا من الأمنيين، الذين لم يسلموا بدورهم من شتائم المتظاهرين، فقوبلوا بهتافات من نوع:"اثنين قهوة وواحد شاي. فتفت أكبر قبضاي"وپ"شاي يا وطن". ومع اقتراب عقارب الساعة من الواحدة ظهراً، تكون الطرق اختنقت بالمتظاهرين. ويستحيل تقدم السيارات والحافلات إلى الأمام. إلا أن سائق سيارة الپ"بيجو"بزجاج أسود ومن دون نمرة، وجد في الرصيف ضالته، فتسلقه بسيارته، وتبعته بقية السيارات والفانات، ما جعل مهمة المتظاهرين سيراً أكثر صعوبة. في تقاطع المشرفية تمتزج المواكب الآتية من البقاع مع تلك الآتية من الضاحية. يتولى عناصر الانضباط تنظيم السير. وتنطلق هتافات:"الله. نصر الله. الضاحية كلها"، وپ"يا نصر الله لا تهتم عندك شيعة بتشرب دم"، وفي أماكن أخرى:"عندك شعب بيشرب دم"وپ"بدنا نقولها عالمكشوف، قوات ما بدنا نشوف". "شيبني السنيورة والله"، يكتب أحد المتظاهرين على ورقة ألصقها على رأسه المغطى بشعر اصطناعي أبيض اللون."لا أخاف الموت لكن تقتلني دمعة السنيورة"، وپ"كما النصر التغيير آت آت"، كتب على لافتات أخرى. في طريق العودة من الضاحية الى ساحة رياض الصلح، رفع عدد من أعلام لبنان على شرفات المنازل. الخطوة تدل على ان أصحاب المنازل من أنصار قوى 14 آذار. الإعلام المثبتة على الشرفات كانت كفيلة بإثارة حفيظة عدد من الشبان المتظاهرين، فوجهوا الشتائم الى رافعيها، وطالبوهم بأن"طلوا عالبرندات"، هاتفين:"هالعقدة بدنا نحلا. وبيروت بدنا نحتلا".