أقفل نهار لبنان أمس على تجديد الانقسام السياسي العمودي بين المعارضة والأكثرية مع كل تلاوينه المناطقية والمذهبية والسياسية، بالتزامن مع بدء نشاطات إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال النائب جبران تويني، والتي تحل غداً الثلثاء. وحشدت المعارضة مئات الآلاف في وسط بيروت في اليوم العاشر لاعتصامها المفتوح من اجل إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأنتقد قادتها في شدة الأخير، ومن أبرزهم زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون الذي هدد بالتمدد نحو السراي الحكومي، ملوحاً بأن المعارضة ستعلن في أيام معدودة حكومة انتقالية تدعو الى انتخابات نيابية مبكرة. وكان للأكثرية وقوى 14 آذار مناسبتان شهدتا دفاعاً قوياً عن السنيورة، الأولى في مهرجان شهد حشداً لافتاً في مدينة طرابلس الشمالية تحدث خلاله بالهاتف زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري مؤكداً ان رئيس الجمهورية"اميل لحود هو الذي سيسقط وليس فؤاد السنيورة"، والثانية المؤتمر الذي دعت إليه جريدة"النهار"وضم قيادات سياسية وحشداً من رجال الفكر والإعلام والفن والثقافة، لإطلاق جائزة جبران تويني الصحافية، ولبدء ندوة بعنوان"صحافة تحت الحصار"يشارك فيها نخبة من الإعلاميين اللبنانيين والعرب والأجانب. راجع ص8 و9 ومع ان بعض الخطب النارية في مهرجاني وسط بيروتوطرابلس، لم يخل من الإشارة الى الحوار، ومن إشارات التزام السلم الأهلي، فإن التعبئة السياسية هي التي غلبت عليها، ما عكس استمرار انسداد أفق المخارج السياسية. وقالت مصادر رسمية ل"الحياة"ان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، سيزور بيروت خلال اليومين المقبلين، يرافقه مصطفى اسماعيل مستشار الرئيس السوداني الذي كان زار دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، بعدما أجرى جولة اتصالات مع سائر القيادات السياسية والرسمية في بيروت من اجل استكشاف اسس الحل، وانتهى الى وضع ورقة تتضمن جملة اقتراحات للمخرج من المأزق السياسي الذي يعيشه لبنان. وربطت المصادر المطلعة تحرك اسماعيل وموسى وعودتهما الى بيروت، بإمكان حصول مستجدات من خلال اتصالاتهما وتحركاتهما الخارجية. لكنها لم تشر الى ان لدى المسؤولين اللبنانيين أي معطيات جدية تسمح بتوقع إحداث اختراق في جمود الحلول السياسية التي بدت بعيدة بالاستماع الى خطباء الجانبين. فالمعارضة هاجمت الحكومة لاحتمائها بالوصاية الأميركية، والأكثرية هاجمت ايران وسورية والوصاية الإقليمية. وفي سياق الاهتمام الخارجي بالأزمة اللبنانية المفتوحة على الاحتمالات كافة، وجه البابا بنديكت السادس عشر في عظة الأحد دعوة الى لبنان كي يبتعد عن الأزمة السياسية، ودعا المجتمع الدولي الى المساعدة في إيجاد حلول سياسية وعاجلة في"هذه اللحظة الحرجة". وقال البابا:"اطلب من اللبنانيين وقياداتهم السياسية ألا يضمروا إلا خير البلاد". ودعا الى"جهود متواصلة ودؤوبة". وفي برلين، قالت المستشارة الألمانية انغيلا مركل، في مؤتمر صحافي مع الرئيس حسني مبارك الذي يزور المانيا، ان نتائج زيارة وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير لدمشق قبل أيام لا تسمح لها بالاعتقاد بأن سورية تتخذ حالياً"خطوات بناءة"إزاء لبنان. وأضافت:"هذا أمر مؤسف، وكنا سنسعد لو أن الحكومة السورية تعترف بلبنان ديبلوماسيا لتؤكد حسن نياتها، وهذا أمر سهل". وقالت مركل التي تتولى بلادها الرئاسة المقبلة للاتحاد الاوروبي ان"المطلوب الآن من سورية بعد الخطوات والعروض التي قدِّمت إليها أن تقرن أقوالها بالافعال، وإلا سيكون علينا بكل أسف الاستنتاج أن الدور السوري ليس بناء كما نتمنى أن يكون". وذكرت أنها اتفقت ومبارك"على دعم سيادة لبنان واستقلاله، وعلى تقديم كامل الدعم لحكومة السنيورة الذي اختير لممارسة نهج اقتصادي وسياسي يقود إلى النجاح". واعتبرت أن"ما يجري حالياً في لبنان يقلقنا جداً. ونحن متفقان على دعم الحكومة باعتبارها الطرف الشرعي". دعوة السنيورة وتعليقاً على يوم التظاهرات التي شهدتها بيروتوطرابلس وبقية المناطق اللبنانية أدلى السنيورة بتصريح جاء فيه:"عبّر المتظاهرون في كل من بيروتوطرابلس وبقية المناطق عن آرائهم بحرية كل بطريقته وحسب قناعته. ان ذلك يدعونا الى التمسك بالنظام الديموقراطي اللبناني الذي يحفظ لكل الأطراف حرية التعبير عن الرأي على نحو يحترم حرية الآخرين. وإنني في هذه المناسبة أدعو المعتصمين الى ان يعودوا الى المؤسسات الدستورية لبحث القضايا الخلافية والتوصل الى حلول حقيقية لما فيه مصلحة كل المواطنين ومصلحة الوطن الذي يضمنا جميعاً ومن شأن ذلك ان يعيدنا كلنا الى العمل والبناء والنهوض الاقتصادي ومعالجة المشكلات الاجتماعية والإصلاح". وتوجه السنيورة"بالتحية للقوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي لقيامهم بواجبهم الوطني خير قيام وللجهد الكبير الذي بذلوه في صيانة حق الناس في التعبير الديموقراطي السلمي وفي حماية الممتلكات الرسمية والخاصة". وكانت حشود جمهور أحزاب وقوى المعارضة أمت ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء وخصوصاً من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية تلبية لنداء الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله، فيما حاول"التيار الوطني الحر"تعويض تواضع الحشد الذي أمنه عند بداية الاعتصام المفتوح في الأول من الجاري. فغصّ وسط بيروت بجمهور الحزب وحركة"أمل"وامتد نحو الشوارع المؤدية الى ساحة رياض الصلح وسط اجراءات امنية مشددة اتخذها الجيش وقوى الأمن الداخلي حول السراي الحكومي الذي يبعد مداخلها بضعة امتار عن المعتصمين، الذين رفعوا اللافتات ضد الحكومة والسنيورة وهتفوا ضد زعماء الأكثرية. وكان أبرز المتحدثين نائب الأمين العام ل"حزب الله"الشيخ نعيم قاسم الذي خاطب قادة الأكثرية قائلاً:"لن ينفعكم لا دعم أميركا ولا الدول الغربية ولا بعض الدول العربية... أنتم تريدون الاستئثار ونحن نريد المشاركة وتريدون اخذ السلطة ونحن نقول ان السلطة للناس". وأضاف:"لم يعد هناك مكان لأميركا في لبنان... والبعض في العالم العربي يريد مخاطبة العالم العربي من أجل إثارة السنّة على المقاومة وهم غفلوا ان ساحات العالم العربي للمقاومة". واتهم رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع بالغياب عن التحركات"لإبراز القيادات السنّية وتضليل الشارع السني ونحن سنحتضن السنّة في قلوبنا". ودعا السنيورة"ومن معه الى ترك الذين تعودوا على الحرب الأهلية والقتل"، وانتقد رد رئيس الحكومة على خطاب نصر الله واصفاً إياه بأنه"هزلي"... ودعاه الى الاستقالة"رغبة منك في وحدة لبنان ورفض الوصاية وعندها نستأذن شعبنا العظيم فنمد اليد إليك...". وفي حين لم يحدد قاسم الخطوات التصعيدية المقبلة للمعارضة، قال للحكومة:"إذا كنتم تعتقدون ان طول المدة في الاعتصام يزعجنا فلا. سنبقى شهراً واثنين و10 أشهر الى ان تقتنعوا أنكم لا تستطيعون الاستمرار". وتحدث في المهرجان عبر الإرسال المباشر من منزله في منطقة الرابية الى ساحة رياض الصلح العماد عون، فهاجم"فلول الإقطاع السياسي والمذهبية المتعصبة والمال السياسي". أضاف:"يرفضون إعطاءكم الثلث الضامن في الحكومة لكن غداً ستكون لكم كل السلطة وأنتم تعطون الثلث الضامن لمن له هواجس". واتهم الأكثرية بأنها"سرقت الأكثرية... وهذه آخر مناسبة كبرى تجتمع فيها لأن المناسبة الثانية اذا اجتمعنا فإن الساحات لن تتسع للناس والشريط الشائك والناس سيتمددون في شكل طبيعي وكل الأشياء غير المشروعة تصبح مشروعة عندما يرتكب الحاكم جريمة تلو الأخرى". وكان تحدث النائب علي حسن خليل ممثلاً حركة"أمل"فأكد"تحركنا ليس حركة انقلابية ولن نقوم بها والانقلابي هو من يتجاهل أصواتكم بأننا نريد المشاركة في الوطن". وأضاف:"لم نختر الشارع بل أتينا إليه بعد ان سدت كل السبل". وقال:"يحاولون دفعنا الى خيارات أخرى ولدينا خيارات اخرى لكن لن تكون إلا الضامن للسلم الأهلي وللحفاظ على الدستور وروح لبنان وديموقراطيته وسنطور موقفنا وأسلوبنا تحت سقف القانون". وشدد على"انفتاحنا على الحوار وعلى التعاطي الإيجابي مع مبادرة بكركي". وإذ لفت انفراد حسن خليل في الإشارة الى مبادرة بكركي، وامتناعه عن الهجوم على بعض الدول العربية، فإنه اتفق مع الشيخ قاسم على عدم الإعلان عن خطوات تصعيدية، خلافاً للعماد عون. وفي مهرجان طرابلس الذي دعا إليه تيار"المستقبل"رفع شعار"بدنا نعيش"وتميز بردود الخطباء من نواب طرابلس والشمال على الاتهامات التي وجهها السيد حسن نصرالله الخميس الماضي. وقال وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت ان الأكثر هدوءاً منهم تحدث فكان"أشبه بنيرون". وقال:"إنهم يتحدثون عن انهم سيسامحون. يجب ان يطلبوا السماح من الشعب اللبناني". وخاطب جمهور المعارضة قائلاً:"مكانكم معنا ولا تغرقوا بوعود النصر الآتي". وقال الحريري في كلمة عبر الهاتف:"لبنان أقوى من أن يسقط في أي فتنة أو بالتهويل والوعيد... يريدون لبنان على صورة ريف دمشق وملحقاً بطهران ونقول لهم ان رفيق الحريري لم يدفع دمه ثمناً لسقوط لبنان... ولا تحدثونا عن الشرف وأنتم تدافعون عن قتلة رفيق الحريري". وفي مؤتمر ندوة"النهار"والاتحاد العالمي للصحف في ذكرى جبران تويني، وقف الحضور بالآلاف تصفيقاً حين ذكر خطباء اسم السنيورة. وقالت كريمة جبران، نايلة، ان ما يجري"انقلاب على ثورة الأرز لإعادة لبنان الى عهد الوصاية والمحاور الخارجية ولمنع قيام المحكمة الدولية". وتحدث النائب غسان تويني عن"حق الوطن في تقرير مصيره من دون أي شكل من أشكال التسلط الخارجي". أما السنيورة فخاطب المؤتمرين عبر البث المباشر من السراي، فيما كان اعتصام المعارضة قائماً قربها. فأشار الى استشهاد تويني وسائر الشهداء واعتبر ان"نظامنا السياسي الديموقراطي قادر على مواجهة التحديات وبينها استيعاب المعارضات وتداول السلطة". وحذر من"الانزلاق مرة أخرى في اتجاه الوصاية والاستتباع او الفوضى الأمنية والسياسية". وقال:"لا نريد ان يكون لبنان ساحة لحروب الآخرين وآن الأوان لكل الجهات الإقليمية والدولية التي تستخدم الاغتيال وسيلة للإخضاع ان تدرك إصرار اللبنانيين على الحرية".