يقترح تقرير بيكر - هاملتون استراتيجية أميركية جديدة للشرق الأوسط، بدلاً من رؤى الرئيس جورج بوش ذات الخلفية التوراتية، والفكر القيامي Apocalyptic، وبدلاً من استراتيجية المحافظين الجدد التي تبناها البيت الابيض. وأدت الى الفوضى. وتكاد تقضي على نفوذ واشنطن في المنطقة. تعلم واضعو هذه الاستراتيجية من ثلاث تجارب خاضتها إدارة بوش: التجربة الأولى كانت في الحرب على العراق وتفكيكه الى دويلات طائفية متناحرة، ما أدى الى حرب أهلية نشهد فصولها أمام أعيننا. حتى ان العراقيين بدأوا يترحمون على عهد صدام حسين، على ما يقول الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان. التجربة الثانية كانت في تقسيم الشعب الفلسطيني الى معتدلين، بزعامة محمود عباس. ومتطرفين بزعامة حركة"حماس": ندعم الرئيس للوقوف في وجه نصف شعبه. ونعطل العمل السياسي والتطلع الى التحرر لدى النصف الثاني. ولإيجاد شريك فلسطيني يتفاوض مع اسرائيل استُحضرت الديموقراطية أداة لإقصاء المتطرفين. لكنهم فازوا في الانتخابات. بشهادة أميركية - أوروبية. فكانت المكافأة محاصرة المعتدلين والمتطرفين معاً لينقلبوا على حكومتهم. ولأن الحرب"حرب أفكار"، على ما يقول بوش، يصبح الاحتلال والقتل اليومي والتجويع والتشريد مسألة ثانوية: المهم إقصاء"التطرف"بأي ثمن. التجربة الثالثة كانت في الحرب الاسرائيلية على لبنان الذي لا تستقيم ديموقراطيته القديمة إلا بإقصاء نصف شعبه ديموقراطياً، إذا أمكن. وإلا فالحرب الأهلية تلوح في الأفق. وانتقال الحالة العراقية اليه مسألة في غاية البساطة، فالنسيج الاجتماعي للبلدين متشابه في تعدده، وحساسياته، وصراعاته التاريخية المتجددة. استخلصت لجنة بيكر - هاملتون من هذه التجارب ان المخاطر التي تهدد النفوذ الاميركي في المنطقة تحتم العودة الى الواقع. فالحرب على ايران غير ممكنة لأسباب كثيرة، أهمها ان الجيش الاميركي موزع في أرجاء العالم. ووجود 150 ألفاً من جنوده يخوضون معركة خاسرة في العراق يجعلهم في مرمى النار الايرانية. فضلاً عن ان طهران تستطيع تحريك الميليشيات العراقية الموالية لها التي دربتها ودعمتها لسنوات طويلة قبل إطاحة صدام حسين. أما الحرب على سورية، وبواسطة اسرائيلية، فمستبعدة لأن تجربة الأخيرة لا تزال حية. والدولة العبرية تحتاج الى سنوات للتخلص من عواقبها السياسية والعسكرية. والأهم ان الفوضى التي تخلفها الحرب لن تقف عند الحدود السورية. النتيجة المنطقية لهذه المقدمات هي العودة من عالم الايديولوجيا والغيبيات الى أرض الواقع. من هنا كانت التوصية بالتفاوض مع سورية وايران. والعودة الى العمل مع الحلفاء والأصدقاء بدلاً من إقصائهم واستعدائهم. وليؤجل مشروع نشر الديموقراطية. لكن هذه التوصية بالذات لم تلق قبولاً في البيت الابيض حتى الآن. فالسيدة رايس ترى ان الثمن الذي ستدفعه واشنطن الى دمشقوطهران سيكون باهظاً جداً:"التخلي عن لبنان لسورية والسماح لايران بالحصول على السلاح النووي". وأكدت ان بوش لن يتخلى عن أهدافه:"استعدوا سنذهب الى الشرق الأوسط كثيراً". إذا استمر البيت الابيض في هذا الرفض سيتحول الى البحث عن بدائل، طالما ان الحرب على البلدين غير ممكنة: استعدوا لاستقبال أركان الإدارة الاميركية. أمامنا الكثير من الحروب البديلة. والكثير من المآسي.