أغرق بعض قادة المعارضة اللبنانية وبعض منظّريها أنفسهم بالاستنتاجات التي تعزو اقتراب الأكثرية والحكومة في لبنان من الهزيمة الى الهزائم التي أصيب بها المشروع الأميركي في المنطقة، وإلى فشل مشروع المحافظين الجدد في العراق والكارثة التي انتهت إليها خطتهم في فلسطين وإخفاق هؤلاء في إخماد مقاومة الشعب الفلسطيني. قبل اندفاعة التحرك الأخير للمعارضة من اجل إسقاط الأكثرية في لبنان، دعت من باب الشماتة، قادة الاكثرية الى ان يتعظوا من التعثر الأميركي في افغانستان، وفي العراق وفي فلسطين... وفي جنوبلبنان بفعل فشل العدوان الإسرائيلي لضرب"حزب الله"والمقاومة ونزع سلاح الحزب بالحرب المدمرة التي خاضتها تل أبيب على لبنان. ابتهج قادة في المعارضة بهزيمة الجمهوريين، وإدارة الرئيس جورج بوش امام الديموقراطيين في انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، ومن ثم بتقرير لجنة بيكر - هاملتون عن الاستراتيجية الجديدة في العراق والمنطقة، ولا سيما دعوته في بعض خلاصاته الإدارة الى فتح الحوار مع دمشق وطهران. نسي بعض هؤلاء المعارضين ان هذا الابتهاج يقود الى تصنيفهم، أو تصنيف بعضهم على الأقل، بأنهم يحشرون انفسهم في موقع المراهنة على فريق ضد آخر، في السياسة الأميركية في المنطقة، وهو موقع يتعدى المراهنة على هدف واحد هو إفشال الهجمة الأميركية على المنطقة. هذا فضلاً عن ان هؤلاء المعارضين يتناسون انهم قد يحصدون الخيبة من ان تلك التعديلات في السياسة الأميركية نتيجة إخفاقاتها، لن تأتي بنتائج معاكسة. فالديموقراطيون لن يكونوا افضل من الجمهوريين في الموقف من اسرائيل، ومن مطالب لبنان منها، وإذا كانوا يتمايزون عن الجمهوريين في حال الانتخابات وعن الإدارة في حال تقرير بيكر - هاملتون فلأن الخيار الآخر لدى المؤسسة الأميركية هو إنقاذ الدور الأميركي المرتكز اساساً على مصالح اسرائيل كقاعدة متقدمة لواشنطن، وعلى الحاجة الى السيطرة على منابع النفط وخطوط إمداده. ان الاستناد الى إخفاقات بوش في المنطقة، والتي قادته إليها اخطاؤه التي لا تحصى، من أجل تحقيق التغيير الذي تبرر قوى المعارضة اللبنانية سعيها إليه، بالقول إن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة هي حكومة السفير الأميركي جيفري فيلتمان وأنها الحكومة التي تحظى بدعم إدارة بوش ومشروع الشرق الأوسط الكبير، هو استناد واه، لأن نقيض هذه الحال يعني انه لو كانت حكومة السنيورة، افتراضاً من"جماعة"الحزب الديموقراطي في الولاياتالمتحدة، لما وجب السعي الى إسقاطها وإحداث التغيير في لبنان. ولو كانت من"جماعة"تقرير بيكر - هاملتون، لما كان وجب القيام بالاعتصام المفتوح في وسط بيروت منذ الأول من الشهر الجاري من اجل قيام حكومة وحدة وطنية بديلاً منها... ان الحجة التي يقدمها جهابذة المعارضة اللبنانية في ربط هجومهم من اجل تغيير السلطة في لبنان، بموازين القوى الدولية، على الشكل الذي يقدمونه، هي ضدهم. لقد أثبت النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الذين زاروا المنطقة بعد التغييرات التي فرضتها سياسة بوش ومحافظوه الجدد الذين بدأوا يتساقطون من الإدارة منذ سنتين، أنهم ليسوا أقل التصاقاً بالسياسة الإسرائيلية في المنطقة. وإذا كان أحد مصادر انتقادهم لسياسة بوش في العراق هو عدم تعاونه مع سائر دول المنطقة والعالم، فإنهم بدوا متقاربين مع موقفه من لبنان وسياسة سورية منه، لأن سياسة الإدارة تستند الى أوسع تعاون وتوافق دولي عبر قرارات الأممالمتحدة وعبر التنسيق المتواصل مع أوروبا وروسيا والصين. لم تكن نظرية الدعوة الى التغيير في لبنان من قبل المعارضين لتستقيم، لولا ان هؤلاء افتعلوا واصطنعوا وضخّموا واخترعوا تلك الاتهامات للسنيورة وقادة الأكثرية بالتبعية لإدارة بوش، من اجل إقناع انفسهم بتلك النظرية، التي تتنكر لحقيقة مواقف الآخرين وتحل الأوهام وضروب الخيال في توصيفها مكان ادنى ذرة من الواقعية. إنه تنكر لخلافات السنيورة، ومعه العديد من قادة الأكثرية، مع الإدارة الأميركية حول سياستها في العراق وفي فلسطين وحتى تجاه دور سورية في عملية السلام وحقوقها في الجولان المحتل... وتجاه"حزب الله"في لبنان. إن حاجة الدولتين اللتين استفادتا من أخطاء الإدارة الأميركية، الى امتلاك المزيد من الأوراق الإقليمية ومنها لبنان، في مواجهة ضغوط واشنطن، هي التي تفسر ذلك الهجوم على لبنان، حتى لو كانت حججه لا تستقيم امام اللبنانيين.