وأخيراً، كسرت الموسيقيات السوريات احتكار الرجال للفرق الموسيقية، بتشكيلهن أول فرقتين موسيقيتين نسائيتين في دمشق. الأولى"أوركسترا ماري للموسيقى الأوروبية الكلاسيكية"، والثانية"التخت الشرقي النسائي". وأطربت أوركسترا ماري الأسبوع الماضي، الجمهور السوري الذي غصّت به صالة مسرح الدراما في دار الأوبرا في دمشق، حيث كانت انطلاقتها ضمن فعاليات مؤسسة زرياب للتكوين الفني. وكان عزف هذه الفرقة المؤلفة من ثمان وأربعين عازفة لافتاً، كونهنّ أحسنّ اللعب على جميع الآلات الموسيقية الوترية الكلاسيكية الكمان، الفيولان، الفيولونسيل، الكونترباص وآلات الإيقاع وبعض آلات النفخ النحاسية. وتعتبر هذه الفرقة بحجمها الضخم الأولى من نوعها في الشرق الأوسط. وسيتم توسيعها لاحقاً، لتضم الكورال الذي سيقوم بتأدية بعض المقاطع من أوبرات عالمية. أما فرقة"التخت النسائي الشرقي"التي احتفلت بانطلاقتها قبل حفلة أوركسترا زرياب بأيام قليلة على خشبة المسرح نفسه، فتصدّت لتشكيلها عازفة الناي وفاء سفر ابنة عازف الناي الراحل عبد السلام سفر. ويتألف هذا التخت إضافة إلى وفاء سفر من خمس عازفات، إثنتان منهنّ يتميّزن بضرباتهن على الإيقاع الفريدة من نوعها في سورية. ولدت الفكرة مع بداية العام الحالي، بمبادرة من مدير مؤسسة زرياب العازف والمؤلف الموسيقي رعد خلف الذي وضع نصب عينيه تشكيل فرقة سيمفونية نسائية، يصل عدد عازفاتها إلى ثمانين. وتطمح الفرقة إلى تقديم المقطوعات الموسيقية الصغيرة ذات التقنية العالية من أعمال الفالس والمرش والرقصات الحيوية والمتتالية لمؤلفين موسيقيين عالميين. كما ستقدّم الفرقة ضمن خطّتها المستقبلية القريبة التنفيذ، بعض الأعمال الموسيقية العربية، وذلك بعد توزيعها لتتناسب مع روح الفرقة. وقبل هاتين الفرقتين كان وجود المرأة ومشاركتها في الفرق الموسيقية محدوداً جداً على صعيد الفرق الموسيقية العربية. وإن ظهر عدد قليل جداً من العازفات، منهن المطربة زكية حمدان التي كانت تحتضن عودها وتعزف عليه أثناء غنائها على المسارح، والمطربة مها الجابري التي كانت تغني أحياناً بمرافقة عودها. أما على صعيد فرق الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية، فقد كان الوضع أفضل بقليل، إذ شارك بعض أساتذة المعهد العربي للموسيقى في دمشق معهد صلحي الوادي حالياً في فرق موسيقى الحجرة منذ سبعينات القرن المنصرم. وتطور الوضع قليلاً منذ عام 1993، بعد أحداث المعهد العالي للموسيقى وتشكيل الفرقة الوطنية السمفونية، التي شاركت فيها بعض الخبيرات الروسيات اللواتي كن يدرسن في المعهد، وبعض مدرسات المعهد العالي للموسيقى وطالباته. لكن هذه المشاركة ظلت محدودة جداً قياساً الى عدد الفرق التي شاركن فيها. * كاتب ومؤرّخ موسيقي.