لا تَخْتَزل فرقةُ «وجوه» الموسيقية السورية مَشْروعها ضمن مسمى «التخت الشرقي»، فعزفٌ يَتجاوزُ مدة الساعة للتراث الموسيقي العربي – الشرقي مع مساحةٍ للهارموني وللتوزيعِ الموسيقي يفرضها البيانو كآلة غربية مرافقة لبعض الحفلات، يُبدل طبيعة المُتكئ (الإرث الموسيقي الجاهز)، ويزيد على الحالة الموسيقية العربية حرَفيةً مفقودةً، بعيداً من الاستحضار النمطي للنوتات القديمة (المتوافرة عبر القرصنة على شبكة الإنترنت)، أو المعادة كتابةً بجهد الموسيقيين، هو تطويرٌ للموسيقى على حدٍ متساوٍ مع تكنيك العزفِ. «الطرّبُ من خلال التقنية واللعبِ على مخزونِ المقامِ، هو نوعٌ من الكتابةِ الجديدةِ له وللجملة الموسيقية، وهذا ما نسعى إليه»، يقول عازفُ العود وأحد مؤسسي الفرقة كنان إدناوي (26 سنة). الارتجال أو التفريد (أحد أهم جوانب موسيقى الشرق) في شكله غير المطروق هو هاجس «وجوه»، تضاف إليه تأديةُ العازفين لمقطوعَاتهم الموسيقيةِ التأليفيةِ الخاصة. فراس شهرستان (قانون)، محمد نامق (تشيللو)، وائل القاق (إيقاع)، أعضاء أساسيون إلى جانب إدناوي في الفرقة. وتشكلت لاحقاً من المشروع ثنائية لآلتي العود والقانون، قدمت نفسها ضمن حفلات الفرقة الموسيقية الشرقية، وفي حفلات أخرى مستقلة. أعضاءُ «وجوه» التي تأسست عام 2005 تركوا مساحة صوتيةً لمغنّية الصولو ليندا بيطار في أحيان كثيرة، إضافة إلى حضورِ آلاتٍ غربيةٍ مثل (تشيللو، كونترباص)، لكنهم بنوا القاعدةَ الأساسية على نتاج تَقدمِهم التقني السريع في العزف مذ كانوا طلاباً في المعهد العالي للموسيقى في دمشق. الصُحبة في تقديم الموسيقى آنذاك، عبر جلسات صداقة في قسم الآلات الشرقية، تطورت اليوم لتصبح هوية فرقة «للموسيقى الآلية دون غناء»، كما يضيف إدناوي. أما الأغنية الشرقية فتقرن وتتنوع وظروف انتقال «وجوه» إلى المدن السورية (قدود حلبية، موشحات، أغاني الملحن السوري محمد عبدالكريم، وصولاً إلى فيروز)، وتحظى الموشحات بتركيز استثنائي لاحتوائها على فكر موسيقي، يضاف إليها التراث عموماً، ثُمَّ الموسيقى التلحينيةِ العراقية (جميل ومنير بشير) والتركية (تشينوشن، جميل بيك الطنبوري)، والأرمينية، والعربية المعاصرة (الرحابنة، مرسيل خليفة، شربل روحانا). إدناوي الذي حاز المركز الأول في مسابقة العود الدولية في بيروت 2009، يرى أن افتقاد سورية مشاريع فرق موسيقية خالصة في جانب التراث الشرقي، وتسيد الغناء، أتاح ل «وجوه» اكتساب خبرات احترافية (قوالب موسيقية، مؤلفات دول الشرق)، مع خيار صعب في انتقاء مغنٍّ مرافق لقلة الجادين في المجال: «علينا ألا نتجاوز الغناء، فهو جانب من موسيقى الشرق». ما ألفه إدناوي ك «لونغا نهاوند، البحر» أو القطع الموسيقية الأخرى لأعضاء الفرقة، لم يصل بعد إلى درجة إفراد حفلة لذلك، إنما توضع المؤلفات في البرنامج العام، ببنائها المقامي الإيقاعي الشرقي، وقوالبها التقليدية (سماعي، لونغا ...) أو ما هو مبتكر خارج ذلك. صعوبات روتينية بتنا نحفظها عن المشاريع الثقافية الشابة عربياً، لا تؤرق «وجوه» أو إدناوي، على رغم أن لها مكاناً ما للظهور في فوضى التنظيم أو الإعلان عن الحفلات، أما الهم الأكبر بعيداً من التمويل الذاتي للمشروع، فهو الجانب التأليفي، إذ يوافق إدناوي على كون ذلك الطريقة الوحيدة للخروج بفرقته «من حيز تكرار الموروث، من دون صوت خاص، أو فكر موسيقي ناضج». ولا ينشغل العازف الذي سبق ورافق أوركسترا قطر الفلهارمونية بقيادة المايسترو الأميركي لورين مازيل، بصيت «وجوه» لأنها حققت «في حفلات سورية والخارج إقناعاً يحسب لها من ناحية الأداء المتقن» على حد قوله. ويتابع: «الانتقادات لنا وجهت على مستوى الخصوصية والتأليف، إلا أن انشغال كل من أعضاء الفرقة بمشروعٍ آخر له، يجعل السفر هو المتحكم بالوقت، ونحاول كسر تلك الطبيعة». «وجوه» مشروع جاد بين الفرق السورية الشابة، تحاول بذل جهدٍ يدوم ويؤثر على الموسيقى العربيةِ المعاصرةِ والتأليفِ فيها، ولا يُمكن القول عن المحاولةِ أنها خجولةٌ، بقدرِ ما هي حاصلة وحاضرة على مسارحٍ محليةٍ وعالميةٍ لا بأس بها.