دمشق - أ ف ب - تسعى الفرقتان النسائيتان الوحيدتان في سورية إلى إظهار الوجه الحضاري لموطنهما، فيما تفتقران الى الدعم والتمويل الكافيين. لكن الفرقتين تختلفان بين المرحبّة بدور للرجل فيها، وبين المصرّة على أن تكون فرقة نسائية خالصة. والفرقتان الموسيقيتان اللتان تضمّان حصراً عازفات هما فرقة «التخت الشرقي النسائي» التي ترفض عازفاتها السبع ومُغنيتها، في شكل قاطع وجود أي رجل فيها، و«أوركسترا ماري» التي كان صاحب فكرة انشائها رجل لا تزال تعزف تحت قيادته حتى الآن. وأسّس العازف والمايسترو العراقي رعد خلف المقيم في سورية، عام 2006 «أوركسترا ماري» التي أصبحت الآن تضم خمسين عازفة من طالبات المعهد العالي للموسيقى وخريجاته، بينهن 18 عازفة اساسية في الأوركسترا السمفونية الوطنية. ولا يخفي المايسترو العراقي اصراره على قيادة الأوركسترا النسائية، ويرد على انتقادات وجهت إليه بهذا الخصوص معتبراً ان «المشروع هو فكرتي وأنا من سيستمر ببنائه». وشهدت فرقة «التخت الشرقي النسائي» مرحلتين في مسيرتها، الأولى كانت بعد تأسيسها عام 2003، عندما كان اسمها «عزة الميلاء» (المغنية الحجازية التي توفيت عام 706 م) وقادها الموسيقي معين نفاع. أما الثانية فهي مرحلة «الانقلاب» على القيادة الذكورية وتحوُّل الفرقة الى نسائية خالصة من بابها الى محرابها عام 2005، بما في ذلك تغيير اسم الفرقة لتصبح «التخت الشرقي النسائي». وتوضح المسؤولة الإدارية عن الفرقة خصاب خالد وعازفة الإيقاع الشرقي فيها، ان انتقال الفرقة الى المرحلة الثانية جاء «لأن المايسترو كان رجلاً، وأكثر تعليق كنا نسمعه هو لماذا القيادة للرجل فيما الفرقة كلها نسائية؟». وتضيف: «وجدنا أنه لا مبرر لأن يقود فرقتنا رجل خصوصاً اننا خريجات وعندنا خبرة». ويبدو تجنب العنصر الذكوري في الفرقة نهجاً صارماً فيها. وخصاب خالد تضرب على الرق الآن في «التخت الشرقي النسائي»، لكن ذلك لم يكن اختصاصها فهي عازفة «هورن». وتروي ان الفرقة لم تجد عازفة ايقاع شرقي في سورية، وكي لا تضطر للاستعانة برجل درست هي عزف الإيقاع الشرقي. وترى خالد انه «يجب ان تكون قيادة اوركسترا ماري نسائية، وأنا ضد ان ينتمي اليها اي عنصر ذكوري». وفي سياق الحديث عن المشروع «الجدي» الذي تحمله هاتان الفرقتان النسائيتان، تؤكد المسؤولة الإدارية عن «التخت الشرقي النسائي» ان اقتصاره على العنصر الأنثوي يأتي من الرغبة في «اثبات الجدارة» لأن هناك «فكرة متداولة بأن دور النساء يأتي في المرتبة الثانية كمؤديات للنوتات، وأنهن غير قادرات على قيادة الفرقة واختيار البرنامج المناسب للحفلات». وفي كل حفلة ل «اوركسترا ماري» يقف رعد خلف أمام 50 عازفة تقريباً. ويقول ضاحكاً انه يحاول ان يكون «جنتلمان مع 50 صبية، مع انه احياناً يكون الرجل لطيفاً مع امرأة واحدة ومع ذلك لا يمشي الحال». وهو يروي انه قرر الا تظهر العازفات مرتديات اللونين الأبيض والأسود، كما هي حالهن في الفرق الكلاسيكية، بل ان «يخرجن الى الحفلات وهن لابسات اجمل ما لديهن من فساتين السهرة». وما يعزز «الحالة الاحتفالية» التي تقوم على اساسها الأوركسترا النسائية، برأي قائدها، توجهها منذ انطلاقها على «تقديم الأعمال الاحتفالية من فالسات ومارشات، اضافة الى صوغ بعض الألحان الشرقية». وحتى مع اختلاف الفرقتين النسائيتين الا ان مشكلاتهما واحدة تقريباً، وتتلخص ب «قلة دعم المؤسسات الثقافية لنا»، كما توضح خصاب خالد. وتشير الى ان ذلك يساهم في «خلل ترويجي، فحفلات التخت الشرقي النسائي في خارج سورية اكثر مما هي من داخلها»، في وقت تحاول هذه الفرقة «إظهار الوجه الحضاري للبلد في العالم»، وتعمل على «نشر الثقافة الموسيقية الإبداعية في زمن لا نسمع فيه الا الشيء المهزلة لحناً وصوتاً وأداء». ويروي قائد «اوركسترا ماري» ان الحفلات التي قدمتها خارج سورية «فاجأت الكثيرين من وجود هذا العدد الكبير من النساء اللواتي يتمتعن بأعلى المستويات الثقافية». لكن الى جانب ذلك فإن الأوركسترا لم تقدم أي حفلة منذ سنة تقريباً، والسبب كما يوضح قائدها هو ان أحداً لم يطرق بابه. ويضيف: «لن اسمح بإهانة الموسيقي السوري، وإذا لم يأتِ التمويل الكافي واللائق لحفلة فنية فلن أقدمها». ولفت الى ان وزارة الثقافة السورية اعتبرت الأوركسترا احدى فرقها، ويعلق بأن ذلك بقي كلاماً «لا يطعم خبزاً».