سألت مسؤولين مصريين يرون الرئيس محمود عباس بانتظام هل يشعرون بأنه قد يستقيل اذا سقطت الهدنة الجديدة، وفشلت جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعاد العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين؟ وهم استبعدوا ذلك، وقالوا انهم رأوا منه تصميماً على الاستمرار. كنتُ قرأت أخباراً في صحف غربية خلاصتها ان الأخ محمد دحلان في طريقه لخلافة أبو مازن. غير ان المسؤولين المصريين استبعدوا ذلك كثيراً في الوقت الحاضر. وقالوا ان الأمر سيبقى ضمن القيادة التاريخية لفتح مثل أبو العلاء أو نصر يوسف، مع ان مروان برغوثي ربما كان الأفضل للإمساك بالدفة. المسؤولون أصروا على ان كل هذا غير مطروح الآن فأبو مازن هو الرئيس والخروج من الاختناق الحالي يجب ان يكون على يديه. وهم رأوا ان مهمته الحالية تشمل بعد اعلان الهدنة: - ضمان الالتزام بالهدنة من جميع الفصائل. - تشكيل حكومة وحدة وطنية. - الافراج عن العسكري الاسرائيلي الأسير في عملية تبادل أسرى. - تحسين قدرات الأجهزة الأمنية بإعادة تجهيزها. أبو مازن وحده لا يستطيع ان يفعل شيئاً من هذا، والمسؤولون المصريون يقولون ان من الضروري استئناف العلاقات الأميركية والاسرائيلية مع الفلسطينيين، والسماح للسلطة بوضع برنامج لتدريب الاجهزة الأمنية وتسليحها والافراج عن الأموال الفلسطينية المجمدة. ويبدو ان خطاب ايهود أولمرت الاثنين يسير في هذا الاتجاه. وأبو مازن لا بد من ان يكون قادراً على انجاز المطلوب اذا لم يترك وحده. وقال لي مسؤول له علاقة بالوضع ان من مصلحة ادارة بوش مساعدة أبو مازن، فهي فشلت في كل سياسة لها في المنطقة من العراق الى لبنان وفلسطين ودارفور وكل مكان آخر، والوضع الوحيد الممكن تحريكه بسرعة هو القضية الفلسطينية. واذا ساعد الاسرائيليون والأميركيون أبو مازن فقد يتوافر مناخ جديد يمكن خلاله التفاوض عبر قناة خلفية. المسؤولون المصريون تحدثوا أيضاً عن واجب المجتمع الدولي ودوره، ففي رأيهم أخطأ المجتمع الدولي بدفع الرئيس الفلسطيني نحو انتخابات قبل ان يثبّت أقدامه، وعندما انتخبت حماس بطريقة شرعية لم يعترف المجتمع الدولي بها، وحاصر الشعب الفلسطيني وعاقبه على خياره. وقد بات واجباً على هذا المجتمع ان يعوّض عن أخطائه، وتحديداً في ثلاثة مجالات أساسية هي: أولاً، دعم الاستقرار ومنع الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين. ثانياً، مساعدة السلطة الفلسطينية في اعادة بناء البنية التحتية، وتقديم مساعدات انسانية واقتصادية لها. ثالثاً، العمل على عقد مؤتمر دولي تكون مرجعيته قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن. وفي النهاية لا بد من وضع جدول زمني لقيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، واذا كان هناك مستوطنات يصعب اخلاؤها يعوض الفلسطينيون عنها بأراضٍ في مناطق أخرى، كما نصّ اتفاق باراك - أبو عمار السنة ألفين. كنتُ شاهداً على آخر"رتوشة"لهذا الاتفاق، عندما وصل كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات الى دافوس من طابا حيث أجريت آخر مفاوضات مع ممثلي حكومة باراك، وعرض علينا الدكتور عريقات خرائط تضمنت ممراً من حائط المبكى الى القدس الغربية عبر الحي الأرمني، وقال ان الاتفاق اكتمل، ولم يبق سوى التوقيع مع الحكومة التي ستفرزها الانتخابات الاسرائيلية للكنيست بعد أيام. الا ان الانتخابات جاءت بآرييل شارون الى الحكم وسقطت العملية السلمية. الفرص الضائعة تفوق الحصر، والهدنة فرصة أخرى، ستضيع إن لم تلتزم الفصائل كلها بوقف العنف لحرمان اسرائيل من أي أعذار. وكان أبو مازن قال لايهود أولمرت في اتصال هاتفي انه حصل على موافقة جميع الفصائل على الهدنة، وعاد اليه أولمرت بعد قليل ليعلن موافقة اسرائيل على سحب قواتها من غزة. الا ان صواريخ القسام أطلقت عبر الحدود قبل بدء الهدنة بقليل في السادسة صباحاً من يوم الأحد، ثم انتهكت بعد بدئها، غير انها عادت فصمدت ولعل الرئيس محمود عباس يبدي حزماً، بل قسوة، ازاء المخالفين. وفي حين رأى كثيرون ان الهدنة جاءت فجأة، فإن آخرين قالوا ان إعلانها مرتبط بوصول الرئيس بوش الى عمان اليوم الأربعاء، ورغبة حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية استقباله بخطوة ايجابية هو في حاجة اليها أكثر من أولمرت وأبو مازن، مع فشل كل حرب له أو مشروع في الشرق الأوسط. ويبقى ان نرى ان كان الرئيس الأميركي سيستغل الوضع الجديد بين اسرائيل والفلسطينيين لدفع الطرفين باتجاه مفاوضات سلام جديدة. مثل هذه المفاوضات يعتمد على صمود الهدنة، الا ان الادارة الأميركية واسرائيل والسلطة الفلسطينية لا تريد وضعاً مع الهدنة ثم التفاوض، أو من دونهما، يزيد قوة حماس، وبما ان المفاوضات مع اسرائيل من مهمات الرئيس والسلطة لا الحكومة الفلسطينية سواء كانت حماسية او ائتلافية، فإن الفرقاء فيها سيحرصون على ان يكون الرئيس هو المستفيد من أي تقدم في المفاوضات، لذلك سمعت ان الادارة الأميركية ستحاول مساعدة أبو مازن على كل صعيد ممكن في الأسابيع والأشهر المقبلة لربط أي رفع للمعاناة عن الفلسطينيين باداء الرئيس والسلطة. طبعاً لا أتوقع ان تقف حماس جانباً اذا شعرت بأنها تستبعد وان دورها يتراجع، فهي أيضاً حريصة على شعبيتها في الشارع، وقد أعلنت انها قبلت التنازل عن حقها الديموقراطي في قيادة الحكومة لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، وهدد الأخ خالد مشعل بانتفاضة ثالثة اذا لم يرفع الحصار بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وحماس اليوم لا تزال تتمتع بأعلى شعبية بين الفلسطينيين، وقد زادت نسبة تأييدها منذ شكلت حكومتها، ما يعني ان المواطن الفلسطيني لا يحملها مسؤولية ما يتعرض له من معاناة. هي عملية عضّ أصابع بين الفلسطينيين، ومع أميركا واسرائيل، وكل الاحتمالات واردة.