أثار تقويم صادر عن إحدى الجامعات العالمية في شنغهاي الصينية جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع السعودي وأعضاء هيئة التدريس وطلاب الجامعات السعودية على وجه الخصوص، بعد أن أشار إلى أن الجامعات السعودية احتلت المرتبة 1998 من أصل 2000 جامعة تم تقويمها على مستوى العالم. ووصلت النقاشات التي دارت بين المهتمين بالتعليم إلى قبة مجلس الشورى السعودي الذي تباينت آراء أعضائه بتباين آراء المجتمع نفسه، إذ أكد عدد منهم أن الجامعات السعودية لا تزال تحظى بمكانة متميزة على مستوى الشرق الأوسط، بغض النظر عن التصنيفات التي تنشر بين الفينة والأخرى ولا تعتمد على معايير دقيقة وواضحة، فيما أشار آخرون إلى أنه على رغم عدم دقة الإحصاءات لا تزال الجامعات السعودية تعاني ضعفاً ملحوظاً في مخرجاتها. وأوضح عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله بخاري أن هناك جامعات سعودية احتلت المرتبة 25 ضمن أفضل الجامعات في الشرق الأوسط، فيما أشار الدكتور راشد الكثيري عضو المجلس إلى أن ما ذكره بعض الأعضاء حول الجامعات السعودية، لم يكن من الملائم استعراضه في الشكل الذي ظهر به في وسائل الإعلام. وارتفعت وتيرة الحديث عن الجامعات السعودية بعد حديث إعلامي لوكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية أكد فيه أن وزارته ليست المسؤولة الوحيدة عن تخلف الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية، مشيراً إلى أن وزارات المالية والاقتصاد والتخطيط ووزارة الخدمة المدنية، مسؤولة أيضاً عن عدم دخول الجامعات ضمن التصنيف الدولي. وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري الذي يوصف بأنه قليل التحدث إلى وسائل الإعلام سارع هو الآخر إلى رفض التقويم الذي وضع الجامعات السعودية في ذيل القائمة، مؤكداً أنه لم يكن علمياً، وقال في تصريح لوسائل الإعلام:"إن معايير هذا التصنيف كانت على أساس توضيح الفروق بين الجامعات من حيث كمية المواد المنشورة في مواقع هذه الجامعات على شبكة الانترنت وعدد المواقع التي تؤدي إلى مواقع تلك الجامعات"، مؤكداً عدم وجود جهة رسمية في العالم متفق عليها لتقويم الجامعات أو تصنيفها. وعلى رغم اتفاق الأكاديميين في الجامعات السعودية على أن الدراسة التي أثارت موجة من"الغضب"لم تكن دقيقة في الشكل الكافي، إلا أنها رمت حجراً في بركة التعليم العالي وواقع الجامعات السعودية التي تعاني الكثير من الصعوبات الأكاديمية، وحصر دورها في التدريس، من دون استكمال مهماتها الأخرى. ويؤكد مدير وحدة التقويم الأكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور محمد إسماعيل عبد السلام أن هناك نقاط ضعف ونقاط قوة في هذه الجامعات، موضحاً أن من نقاط القوة مواكبة الجامعات متطلبات الاعتماد العالمية. ويشير إلى أن كلية الهندسة تواكب برامجها الهندسية متطلبات هيئة الاعتماد الأكاديمي الأميركية، إضافة الى أن كلية طب الأسنان في الجامعة نفسها حصلت على الاعتماد الأكاديمي الأوروبي. ويلفت في الوقت نفسه إلى أن الجامعة تعاني نقصاً في بعض البرامج العلمية، المهيئة للطلاب للانخراط في سوق العمل بعد التخرج بواسطة برامج الحاسب الآلي وبرامج الاتصالات، إلى جانب ضعف الجانب المختص بالأندية الاجتماعية والعلمية. وتقول الأستاذة في الجامعة نفسها، الدكتورة رقية كشغري:"بالفعل نحن غير راضين تماماً عن مستوى التعليم العالي في جامعاتنا السعودية"، مشيرة إلى أن التصنيف الذي"وضع جامعتنا في مراكز متدنية واقعي، ويعكس الواقع التعليمي لدينا". وسألت كشغري:"لماذا غضب البعض من التقرير ونحن متأكدون أنه قريب جداً من واقعنا؟". وتقول:"إذا أردنا أن نصنف أنفسنا ضمن جامعات العالم كافة فهذا المكان هو منزلتنا بكل شفافية وصدقية ووضوح، فلماذا نهرب منه". وتؤكد"أنه من المفترض عدم الهروب من الواقع، بل لا بد لنا من العمل على تطوير هذا التعليم والارتقاء به حتى ننافس جامعات العالم الأخرى". من جانبه يؤكد وكيل عمادة البحث العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الملك الشلهوب أن الجامعات السعودية تعاني نقصاً في مخصصات البحث العلمي، ولا تتجاوز مكافأة الباحث الرئيس 320 دولاراً شهرياً، الأمر الذي لا يغري الأساتذة بإكمال بحوثهم ودراساتهم العلمية، مضيفاً أن ضعف البحث العلمي في السعودية الذي أشارت إليه الدراسة الصينية، يرجع إلى عدم وجود سياسات واضحة للبحث العلمي لدى الجامعات السعودية، بالإضافة إلى رمزية الاعتمادات المالية المخصصة للبحث، وانعدام التواصل والتفاعل بين الجامعات وقطاعات الإنتاج في ما يتعلق بالتخطيط وتطوير البحث العلمي. الطلاب بدورهم لم يختلفوا كثيراً عن أساتذتهم في موضوع التقويم، فبينما يلقي البعض اللائمة على الجامعات وعلى مناهجها في عدم حصولهم على وظائف، يؤكد آخرون أن الجامعات السعودية حققت إنجازات مناسبة لعمرها الحديث نسبياً، مقارنة بالجامعات العالمية الأخرى. ويؤكد حمود الحربي الذي يدرس في كلية الصيدلة في جامعة الملك سعود ان التقويم لم يكن ظالماً للجامعات السعودية،"خصوصاً لمن عاشوا في بيئتها، فحتى الأساتذة يشتكون من أنظمتها التي لم تشهد تطويراً منذ عقود، فضلاً عن مناهجها التي تجاوزها الزمن"، ويرى الحربي أن البيئة الجامعية لا تساعد على الإبداع والابتكار وباتت معزولة عن المجتمع وحاجاته"فليس هناك تحفيز للطلاب لحضهم على الاشتغال في البحوث والإنتاج العلمي، حتى أن المتفوقين منهم لا يحصلون على الدعم والتكريم الذي يستحقونه". لكن ميسون محمد التي تدرس في جامعة الملك عبد العزيز ترفض هذا التقويم، وتعتبره مجحفاً في حق الجامعات السعودية التي حققت إنجازات علمية ملحوظة خلال العشر سنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن الجامعات السعودية تحظى بنسبة كبيرة من أساتذة تلقوا تعليمهم في أرقى الجامعات الأميركية والأوروبية، إلى جانب جودة المباني وتوافر بنى تحتية لمعظم الجامعات في السعودية تضاهي مثيلاتها في مختلف دول العالم، وتقول ميسون:"أعتقد أن المشكلة تعود إلى عدم وجود تفاعل بين الأستاذ والطالب بسبب بعض الأنظمة المعقدة"، وما عدا ذلك فالجامعات في نظرها لا تستحق الهجوم الذي يشنه عليها أساتذة سابقون وشخصيات اجتماعية مرموقة. وبحسب إحصاءات نشرت أخيراً، سجل التعليم العالي في السعودية نمواً بنسبة 125 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ بلغ عدد الجامعات 18 جامعة حكومية، وبلغت نسبة النمو في الكليات الجامعية الأهلية 325 في المئة، تتوزع على 38 مدينة، سجل فيها خلال عام واحد أكثر من 207 الآف طالب.