لم يكن التصنيف الإسباني الذي أخرج الجامعات السعودية من قائمة أفضل (200) جامعة عالمية، هو الوحيد الذي تخطى جامعاتنا، في وقت كشفت التصنيفات العالمية أن جامعاتنا لديها تفوق ملحوظ على نظيرتها العربية من ناحية، والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط من ناحية أخرى، ولكن هل بات الطموح ينحصر في البيئة المحدودة النطاق أم أنه يجب المقارنة بالواقع العالمي، خاصة أن الدعم المقدم للتعليم العالي والذي يقدر بالمليارات يجب أن ينعكس على واقع التصنيف. وإذا كانت جامعة الملك سعود احتلت في التصنيف الإسباني المرتبة الأولى سعوديا، وال 288 عالميا، فهل تكتفي الجامعة بذات الترتيب، أم أن نادي ال 20 الكبار أو ال 150 الكبار يجب أن تدخل إليه أي من جامعاتنا، خاصة أن كل الجامعات باتت تحرص على واقع البحث العلمي الذي يعد من أبرز متطلبات التصنيف. لكن المؤلم أن تظل بعض الجامعات السعودية بعيدة جدا عن السرب ليس في واقع حال البعد عن أندية الكبار إن صح التعبير، بل عن التصنيف العالمي، فجامعة أم القرى على سبيل المثال خرجت بعيدا عن قائمة الألف في التصنيف الإسباني، وهي جامعة عريقة ومعروفة ولديها من الدعم ما يكفي، فما الذي يحول دون أن تنال الجامعة نصيبها من التصنيف، وما المعوقات التي أبعدتها عن واقع العالمية، وأليس من أمل في تغيير الاتجاه والوصول إلى مقارعة الجامعات العالمية بما ينعكس على واقع الخريجين والمجتمع. أين التنافس يعرف الكثير من الأكاديميين السر وراء بقاء الجامعات السعودية خارج التصنيف العالمي، ويرى بعضهم أن هناك العديد من الإشكاليات التي يجب المصارحة والجهر بها وصولا إلى مكانة أرفع بالنسبة للجامعات التي دخلت الإطار العالمي، وبالنسبة لمن تخلفت عن السرب. ففي البداية يشير البعض إلى أن الجامعات السعودية لن تدخل من ضمن 150 جامعة عالمية ما لم يكن هناك تنافس بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات على النشر العلمي المنشور في المجلات العالمية المرموقة، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالجامعات نفسها وبالمعايير التي يعتمد عليها التصنيف. وقال الدكتور عبدالله المباركي عميد تطوير التعليم الجامعي -جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن هناك مجموعة من الأسباب يمكن أن تحمل في طياتها إجابة على هذا التساؤل المهم، وهو ابتعاد الجامعات السعودية عن قائمة 150 جامعة، وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين: أسباب ذات علاقة بالجامعات السعودية من حيث مدى اهتمامها بالمعايير والمؤشرات المعتمدة في التصنيفات العالمية من ناحية ومستوى أدائها في ضوء متطلبات التصنيفات العالمية في التعليم والتعلم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. وأضاف: وهناك أسباب يراها البعض أنها ذات صلة بطبيعة المنهجية التي تتبناها التصنيفات العالمية كونها تعتمد معايير لا تأخذ في الاعتبار الطبيعة الفردية للجامعات وخصوصيتها، نظرا لأن الجامعات تختلف عن بعضها البعض في تميزها، والمعايير المستخدمة تشمل تصنيفات لا تظهر مواطن القوة وانفراد بعضها بالتميز في مجالات غالبا لا تشملها معايير التصنيف. وأشار إلى أنه منذ ما يمكن تسميته «طفرة الجودة» التي بدأت في عام 2006 وما تلاها من اهتمام كبير بضمان الجودة في التعليم العالي على مستوى العالم وخاصة في الدول العربية والنامية بصفة عامة، بدأت الجامعات السعودية تتسابق لضمان الجودة في تعليمها والعمل على تأهيل الجامعات للاعتماد المؤسسي والبرامجي. وحدات للجودة ويبين المباركي، أن الملاحظ للجهود المبذولة يجد أن الجامعات بادرت بإنشاء وحدات للجودة ونشر ثقافتها ولم يتزامن معها بنفس المستوى الاستثمار في تطوير الجانبين المؤسسي والأكاديمي وتحسين مخرجات التعلم خاصة أن الجودة هي في الواقع نتاج للتطوير والتحسين المستمر لجميع الجوانب المؤسسية والتعليمية والبحثية. وحول السبب في أن معظم الجامعات السعودية لم تحصل على الاعتماد الأكاديمي بين المباركي، أن مخرجات الجامعات لا تزال تعاني ضعف القدرة على المنافسة في سوق العمل بسبب تواضع مستوى المدخلات من التعليم العام وبسبب سيطرة طرق التعليم التقليدية التي لا تلبي متطلبات أجيال العصر المعلوماتي والثورة التكنولوجية. وأفاد أن البحث العلمي لا يزال في حاجة ماسة إلى المزيد من الإنفاق وتشجيع أعضاء هيئة التدريس على الإسهام الفاعل في البحث والنشر العلمي وتحويل بعض الجامعات من شاملة إلى بحثية أو تعليمية، كما لا تزال مواقع الجامعات على الإنترنت غير مواءمة للمعايير التي تعتمدها التصنيفات العالمية للجامعات. معايير التصنيف أما الأسباب التي تتعلق بالمعايير التي يعتمد عليها في التصنيف العالمي للجامعات، فيقول الدكتور عبدالله المباركي تشير بعض الدراسات المنصفة أن هذه المعايير وضعت في ضوء طبيعة جامعات معينة وتعكس تقييم لمؤشرات الأداء على أساس محلي ووطني، وبالتالي فإن التصنيف العالمي للجامعات وبخاصة في الثلاثة التصنيفات العالمية المشهورة (شانغهاي، كيو إس، وتصنيف التايمز للتعليم العالي) لا تأخذ في الاعتبار مؤشرات تتضمن خاصية الجامعات وأهمية اختلافها ومواطن القوة فيها، ناهيك عن طبيعة التقييم ومصادره وطرق تحليله، لذا فإن كثيرا من الجامعات في العالم سوف تتأثر بغياب معايير تتعلق بحصول منسوبيها على جائزة نوبل، أو جوائز عالمية في التخصصات العلمية، أوخريجيها (Alumni) ذوو التأثير والمكانة على المستويين المحلي والعالمي، أو باحثيها الأكثر اقتباسا منهم في البحوث العلمية (Most Cited) (علما بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة التي يعتمد عليها في جمع البيانات الخاصة بالمؤشرات في التصنيفات العالمية). مراحل صعبة ويعتقد الدكتور فرحان بن حسين الجعيدي الأستاذ المشارك لتطبيقات الاستشعار عن بعد في الأراضي الجافة بقسم الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، أن السبب في عدم تواجد الجامعات السعودية من ضمن التصنيف 150 جامعة، أنه لا تزال هناك مراحل عديدة وصعبة أمام الجامعات السعودية للمنافسة في هذه التصنيفات والقفز إلى المراكز المتقدمة فيها وخاصة في 150 جامعة الأولى في تصنيف شانغهاي، في الوقت الذي ساعدت التصنيفات العالمية في خلق منافسة عالمية بين الجامعات في النشر العلمي وجودة العملية التدريسية. مضيفا أن هذه المراحل التي نشير إليها هنا هي تحديات لن نستطيع تجاوزها إلا بتعديل اللائحة المنظمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس بحيث يتنافس أعضاء هيئة التدريس على النشر العلمي وجودته في المجلات العلمية العالمية المرموقة مثل «النيتشر والساينس» للحصول على الجوائز العلمية بدلا من المنافسة على المناصب الإدارية. وأوضح إن أهمية عضو هيئة التدريس المتميز لابد أن يحظى بعلاقة تعاقدية تعتمد على ما يقدمه للجامعة والمجتمع وإسهاماته في البحث العلمي المتميز. محل جدل ويقول الدكتور محمد بن عبد الله آل عبداللطيف أستاذ أكاديمي بجامعة الملك سعود: إن هذه التصنيفات الخاصة للجامعات العالمية محل جدل كبير على مستوى العالم، فكثير من الدول لا تعيرها أهمية كبيرة لأنها لا تقدم ولا تؤخر في المستوى الحقيقي للتعليم. مشيرا إلى أن هناك صعوبة في مقارنة جامعات في دول مختلفة ثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، حيث لا يمكن علميا بناء معايير تصنيف موضوعية عابرة للثقافات، والمجتمعات، والدول. مضيفا أنه ومن الظلم تصنيف جامعات في دول متقدمة وجامعات في دول نامية وفق التصنيف ذاته. مؤكدا أنه ينطبق على النشر العلمي فهو ليس متاحا لباحثين من مختلف الدول بالدرجة ذاتها، والعارفون بأمور العلم يعرفون أن ليست المعايير العلمية وحدها تتحكم في النشر العلمي، وكما يقال بالعامية، الحال من بعضها فالجامعات العريقة الكبيرة تستغني بمعاييرها الداخلية، وصرامتها الأكاديمية عن أي معايير خارجية. وقال الدكتور محمد: إن أكبر 150 جامعة في العالم هي جامعات ضخمة تعمل بميزانيات تعادل ميزانيات دول صغيرة في العالم الثالث، وهي تمول نفسها من مصادر مختلفة كالأوقاف، والاستثمار الاقتصادي، والرسوم العالية التي تتقاضاها، فبعض الجامعات تحتاج التصنيفات للترويج الأكاديمي، وللحصول على الدعم المادي والبحثي. وأوضح إلا أن التصنيفات الخاصة بالجامعات تعتمد على إحصائيات كمية رقمية لا كيفية مثل: عدد الطلاب، والخريجين، وطلاب الدراسات العليا، ونسب الأساتذة للطلاب، ونسب الاقتباسات من الأبحاث، وعدد الطلاب الوافدين من الخارج، أو الباحثين الخارجيين في الجامعة وغيرها، وهذه معايير تحتاج لدعم بحثي كيفي للتأكد من موضوعيتها و علميتها، غير أنها مكلفة ولذا لا تقدم شركات عليها، فشركات التصنيف في نهاية الأمر شركات تجارية فهناك على حد قوله: جامعات وطنية توسعت في الدراسات العليا دون أي تحفظ أو تحقق من مستوى البرامج التي تقدمها، وهذا يمنحها تصنيفا أعلى من تلك المحافظة التي تحرص على المستوى، والأولى تتقدم الثانية في التصنيف لو أخذنا عدد خريجي الدراسات العليا كمعيار تصنيف. ويشير الدكتور محمد إلى أنه يجب التركيز على تحسين جودة التعليم الصفي أولا، ولإعادة الاعتبار للعمل في القاعات، وهذا كفيل برفع مستوى البحث والنشر، مضيفا أن التعليم هو الرسالة الأولى للجامعات، و التعليم الصفي والبحث الأكاديمي يدعمان بعضهما في جدلية تعليمية تعتمد على آليات ومعايير أكاديمية معينة، فالحرص يجب أن يكون على الأداء الحقيقي أولا، وإذا انعكس ذلك على تصنيف ما فبها ونعمة، أما الركض وراء التصنيفات في حد ذاتها فأمر لا يخدم الجامعات. 3 جامعات سعودية ضمن ال 1000 عالميا دخلت 3 جامعات سعودية ضمن قائمة الألف جامعة الأقوى على مستوى العالم في 2014، وفقا للتصنيف الإسباني للجامعات (University Web Ranking) الذي صدر أمس. وتصدرت القائمة جامعة الملك سعود في المرتبة الأولى سعوديا، و288 عالميا، تبعتها جامعة الملك عبدالعزيز في المرتبة الثانية سعوديا و667 عالميا، وجاءت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المرتبة الثالثة سعوديا و845 عالميا. وفيما يتعلق بالترتيب سعوديا خارج قائمة الألف حلت جامعة أم القرى رابعا، تلتها جامعة الملك فيصل في المرتبة الخامسة. أما سادسا فجاءت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تبعتها جامعة الفيصل في المرتبة السابعة، وثامنا حلت الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، أما تاسعا فجاءت جامعة طيبة، وعاشرا جامعة الملك خالد، فيما حلت جامعة الطائف في المرتبة الحادية عشرة متقدمة على جامعة نجران في المرتبة الثانية عشرة. وعربيا، تصدرت القائمة جامعة الملك سعود في المرتبة الأولى، وتبعتها جامعة القاهرة في المرتبة الثانية، أما جامعة الملك عبدالعزيز فحلت ثالثا، ورابعا جاءت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وفي المرتبة الخامسة، حلت الجامعة الأمريكية في بيروت، أما المرتبة السادسة فاحتلتها جامعة الإمارات العربية المتحدة، وتلتها كل من جامعة عين شمس وجامعة النجاح الوطنية في المرتبتين السابعة والثامنة، أما المرتبة التاسعة فكانت من نصيب جامعة الإسكندرية، وعاشرا جاءت جامعة المنصورة. وفي المؤشرات الفرعية للترتيب حققت جامعة الملك سعود رقما مميزا بحلولها في المرتبة 16 عالميا في مؤشر الانفتاح، فيما حققت جامعة الملك عبدالعزيز المرتبة 82 عالميا في مؤشر الحضور، وحققت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المرتبة 184 في مؤشر الانفتاح. ويعتمد التصنيف الإسباني الذي يعد من بين أكبر التصنيفات الأكاديمية حول العالم على عدد من المعايير الفرعية تتعلق بالانفتاحية والحضور والتأثير والامتياز، وبدأ التصنيف عام 2004، ويصدر بشكل نصف سنوي.