بعد صدمة التصنيف العالمي للجامعات السعودية حين أتى بها في ذيل القائمة نهاية عام 2006 م، مثيراً سخط الرأي العام، إضافة إلى المخرجات التي تعاني من ضعف التأهيل وزيادة أعداد العاطلين، كل ذلك لاقى صدى إعلامياً كبيراً تمثل في «الانتقاد اللاذع» لإدارات الجامعات، كما لم تسلم وزارة التعليم العالي من النقد وكثرت الأصوات التي تطالب بمحاسبة المسؤولين، وامتد النقاش أيضاً تحت قبة مجلس الشورى بطلب محاسبة الوزارة والجامعات مقارنة بحجم الصرف الكبير عليها والإمكانات التي تتوفر لها قياساً إلى جامعات دول حققت مراكز متقدمة لا تحظى بالدعم الذي تلقاه مؤسسات التعليم العالي في المملكة، كل ذلك أوقع مسؤولي الجامعات في حيرة، وبدأوا البحث عن مخرج لأزمتهم وإسكات الأصوات المنتقدة لهم، ولم يكن أمام البعض من مسؤولي الجامعات إلا التقليل من قيمة التصنيف والتشكيك في معاييره ووصمه بالاعتماد على التطبيقات الإلكترونية بعيداً عن التقييم العلمي للبرامج والأقسام العلمية، ومنهم من طلع في الصحف ليطلب مهلة تمكن الجامعة من استيفاء متطلبات الجهات التي تقوم بالتصنيف وكثرت الوعود بتحقيق مراكز متقدمة. مئات الملايين صرفت على تحسين مواقع إليكترونية دون أن نستثمر جزءاً منها في البحث وتنمية المهارات ركود وتكدس وغياب رؤية ومرت الجامعات بحالة ركود خلال العقد الماضي نتيجة عدة عوامل أبرزها الأزمة المالية واستسلامها للضغوط المجتمعية بقبول أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات تفيض عن استيعابها وقدراتها؛ ونتيجة لذلك تردت مخرجاتها، وكانت المساعي التي بذلتها بعض الجامعات لتحسين مراكزها في التصنيف مثار اعتراض عدد من منسوبي الجامعات والمهتمين بالتعليم العالي، فمنهم من يرى أن يتم التدرج في السعي لتحقيق مراكز متقدمة بخطوات موضوعية تعود بالنفع على الطالب والأستاذ، وآخرون يرون فيها هدراً مالياً كبيراً كان الأولى به البحث العلمي وتطوير المناهج وتحسين مخرجات الجامعات. د.أسعد ابو رزيزة هدر جهد ووقت ويرى عميد البحث العلمي وأمين الكراسي العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية "أ.د. فهد بن عبدالعزيز العسكر" أنّ المعالجة الخاطئة التي أقدمت عليها الجامعات لتحسين مراكزها أدت إلى هدر جهد ووقت وإمكانات الجامعات دون فائدة، مشيراً إلى أن استعجال الجامعات في تحقيق نتائج خلال سنوات معدودة بينما تتطلب مثل هذه المعايير عشرات السنين لتحقيقها، خاصة في جانب البحث العلمي، مستشهداً بجامعات أوروبا وأمريكا التي لها مئات السنين بمراكزها البحثية وميزانياتها ومواردها التي تعادل ميزانيات دول لم تحقق الريادة في التصنيفات العالمية سواء شنقهاي أو غيرها؛ إلاّ نتيجة عمل متواصل وأبحاث ودراسات استمرت عشرات السنين ونحن نريد أن نقفز خلال سنتين أو ثلاث سنوات، مطالباً بأن لا يكون التصنيف العالمي غاية لجامعاتنا. أ.د. فهد العسكر إعادة دراسة الخطط بينما يدعو عضو مجلس الشورى "د.خليل بن إيراهيم البراهيم" جامعاتنا إلى إعادة دراسة خططها وبرامجها التعليمية والبحثية والاهتمام بالأستاذ والطالب محوري العملية التعليمية والبحثية ومواكبة التطور العلمي السريع، مشيراً إلى أنّ معظم الجامعات المتقدمة تعنى بالتصنيف ليس لذاته، بل لكونه حكم من جهة خارجية يحدد مستواها التعليمي والبحثي ويحفزها على الارتقاء بعملياتها للوصول إلى مستوى متقدم. من جهته يأخذ مدير جامعة اليمامة السابق وعضو اللجنة الدولية للاعتماد الأكاديمي "د.أحمد العيسى" على الجامعات انسياقها وراء التصنيف وصرف مبالغ كبيرة رغبة في تحسين المراكز، رغم أنّ التصنيف من مؤسسات إعلامية وليست أكاديمية، مؤكداً على أنّ التصنيفات لا تعكس الجودة فيما يتعلق بالمقررات والمناهج وطرق التقويم وهي الأهم. «الاعتمادات الأكاديمية» الوسيلة الوحيدة لضمان جودة الأقسام العلمية هدر ميزانيات وعلى الجانب الآخر يقلل "د.أسعد أبو رزيزة" الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز من أهمية ماتقوم به بعض جامعات المملكة من تسابق محموم لإحراز مراكز متقدمة في التصنيف، ويراها جهود مهدرة تصرف ميزانيات ضخمة على جوانب ليست بذات القدر من الأهمية قياساً إلى غيرها، مشيراً إلى أن موقع الجامعة الإلكتروني الذي يحتل حيزاً كبيراً من درجات التصنيف، ويأخذ عليهم اقتناء أحدث الأجهزة والمعدات التي تبقى حبيسة المستودعات ولا توظف في خدمة البحث العلمي، مؤكداً على عدم جدوى شهادات الآيزو التي نلهث وراءها، فهو يراها ليست معياراً لقياس الأداء، نافياً جدوى نفع المواقع المتقدمة في التصنيف العالمي، موضحاً أنّ ماقامت به الجامعات لا يتجاوز شراء الأجهزة والبرامج، وربما وصل الأمر إلى التعاقد معهم على التشغيل والصيانة، وإنفاق مئات الملايين، حتى خرجت مواقع جامعاتنا كالدمية، جميلة بلا حراك، مستغرباً مفاخرة البعض بتحقيق انجازات في أشهر والقفز من المؤخرة في فترة قصيرة، موضحاً أنّ كل ذلك تم ونحن في مكاتبنا لم نبذل أي جهد، متسائلاً لماذا لا ندعم الأبحاث العلمية بهذه السرعة ونصلح البيروقراطية العتيقة التي تقف حجر عثرة وتتطلب سنوات لدعم دراسة أو بحث تتلف خلالها الفكرة، ويفتر معها الحماس؟. د.أحمد العيسى عدم المبالغة ويؤكد "د.حمد بن إبراهيم العمران" عميد الجودة وتطوير المهارات ومستشار مدير جامعة المجمعة على حرص بعض الجامعات في المملكة على تحقيق مراكز متقدمه في هذه التصنيفات العالمية، وهذا أمر طبيعي، مشيراً إلى أنّ معظم الجامعات في العالم تتابع نتائج هذه التصنيفات لتتعرف على ما حققته من تقدم أو تراجع خلال مسيرتها في ذلك العام، وذلك ليس بمشكلة، ولكن المشكلة كما يراها "د.العمران" تكمن في صحة ما يشاع أحياناً في بعض وسائل الإعلام من محاولة بعض الجامعات تحقيق نتائج عالية في معايير التصنيفات بإظهار نتائج لا تعتمد على عمليات حقيقية، مطالباً بعدم المبالغة في الاهتمام بتحقيق مراكز متقدمة في هذه التصنيفات، وأن يتم التركيز على العمليات التعليمية التي تتم في جامعاتنا، وعلى مخرجات تعليمنا، فتحقيق مستوى عال من الجودة فيها سيؤدي بلاشك لتحقيق مراكز متقدمة في هذه التصنيفات دون أن تكون هدفاً مباشراً نسعى لتحقيقه. د.حمد العمران تحسين صورة الجامعات ويرى "د.أحمد العيسى" أنّ الاعتمادات الأكاديمية هي الوسيلة الوحيدة التي نطمئن لها في ضمان الجودة بالأقسام الأكاديمية، مطالباً الجامعات بالنظر لآلياتها الداخلية التي تتبعها كل جامعة لضمان الجودة قبل أن تتجه للمؤسسات الخارجية لتقييم برامجها، بمعنى أن يكون لكل جامعة نظام داخلي للجودة الأكاديمية يستطيع أن يتابع الممارسات الأكاديمية أولاً بأول ويستطيع أن يقيم ويوجه لتلافي الأخطاء، مشيراً إلى أنّ عدم حدوث ذلك يقلل من جدوى الاعتمادات الخارجية، مبدياً خشيته أن يكون توجه الجامعات للاعتمادات الأكاديمية لأغراض إعلامية وليست أكاديمية، مستشهداً بجامعة أعلنت عن إنجاز تاريخي بحصولها على اعتماد أكاديمي من إحدى المؤسسات الأكاديمية رغم اعتماد هذه الجهة لأكثر من 500 برنامج مشابه على مستوى العالم فأين الإنجاز التاريخي؟، وهذا إطار دعائي إعلامي يدفع للتشكيك في جدية التطوير موضحاً أن سوق العمل سيحدد من قام بالتطوير. ويشاركه الرأي "د.سعد الزهراني" الأمين المساعد للهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي، مؤكداً على أنّ الهيئة طلبت من جميع مؤسسات التعليم الحكومية والأهلية تطبيق نظام التقويم الذاتي الأولي لمعرفة الوضع القائم لديها. أ.د.عبدالرحمن اليوبي الاعتمادات الأكاديمية وبعد أن هدأت حمى التصنيف أخذت الجامعات تنحى نحو تحقيق الاعتمادات الأكاديمية، وبدأت حمى المنافسة بين الجامعات لإحراز أكبر قدر من الاعتمادات الأكاديمية، وكانت المبادرة للمجلس الأعلى للتعليم العالي منطلقاً في مراجعة وضع مؤسسات التعليم مافوق الثانوي ووضع آليات لتحقيق الاعتماد الأكاديمي من خلال إنشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي التي يرى أمينها المساعد "د.سعد الزهراني" أنها تهدف إلى نشر ثقافة الجودة بين مؤسسات التعليم العالي الأهلي والتعليم العالي بشكل عام، وأثنى "د.العمران" على خطوة وزارة التعليم العالي بتبنيها وكيل مختص بمسائل الجودة والاعتماد الأكاديمي لكل عميد في كلية أو عمادة مساندة، ويرى مجال الاعتماد الأكاديمي رحلة طويلة تتطلب جهودا كبيرة، ويصعب فيه تحقيق نتائج لا تعتمد على واقع حقيقي. عالمية التعليم من جهته يرى "د.العسكر" أنّ الاعتمادات الأكاديمية تصب في عالمية التعليم ليصبح الطالب مهيأ لمعايير السوق العالمي وليس السوق المحلي، وعن إمكانية التلاعب في الحصول على الاعتماد الأكاديمي نفى "د.العسكر" إمكانية حدوث ذلك مؤكداً أنّ الجهات التي تمنح هذه الاعتمادات لها اشتراطات ومعايير لا تتهاون فيها، مستشهداً بتجربة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال الفترة الماضية حين أتى (50) خبيراً ومحكماً خارجياً من جهات عالمية يرافقهم وفد من الهيئة الوطنية لضمان الجودة والاعتماد لعمل التقويم المؤسسي والتقويم البرامجي لدراسة مايقدم داخل الجامعة والتعرف على سوق العمل ومدى مواءمة المخرجات لسوق العمل والالتقاء بالطلاب والأساتذة وبعدها تخرج دراسة متكاملة تبين مواطن الضعف والقوة وتحدد المتطلبات التي تؤهل الجهة لنيل الاعتماد الأكاديمي، ويبارك "د.الخليل" تنافس الجامعات على نيل الاعتمادات الاكديمية، موضحاً أنّ حصول أي جامعة على اعتماد اكاديمي سوف يساهم في تحقيق مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية . التخلص من الانتساب يستعرض "أ.د.عبدالرحمن اليوبي" وكيل جامعة الملك عبدالعزيز للشؤون التعليمية إنجازاتهم في الاعمتاد الأكاديمي مؤكداً أنهم من أوائل الجامعات في هذا الجانب بتحقيق سبعة وثلاثين اعتماداً من هيئات علمية دولية، مشيراً إلى خطة الجامعة الإستراتيجية التي تنص على الحصول على ستين اعتماداً بنهاية عام 2015 م مما يمكنهم الحصول على الاعتماد الأكاديمي لكل التخصصات، فيما حظيت كلية الاقتصاد والإدارة بمداخيل مالية عالية تأتيها من الطلاب المنتسبين وقررت التخلص من الانتساب في أقسام الكلية رغبة منها في تحقيق معايير الجودة للفوز بالاعتمادات الأكاديمية الدولية. د.خليل البراهيم ضعف المخرجات ويعترف "د.أسعد ابورزيزه" بضعف مخرجات كل الجامعات من الناحية الأكاديمية، مؤكداً على أنّ كفاءة الخريج لا تؤهله للمنافسة في سوق العمل، موضحاً أنّ سوق العمل كبير ويمكن له أن يستوعب معظم الخريجين خاصة في القطاع الخاص، ويرى أنّ السعودة ليست حلاً مستشهداً بتجربة سعودة المدرسين بل يراها في تأهيل الكوادر السعودية وخريجي الجامعات ليأخذوا مواقعهم بجدارة، وينافسوا في السوق على الوظائف، ويحمل "د.فهد العسكر" التعليم العام مسؤولية ضعف المخرجات الجامعية، موضحاً أنّ لجوء الجامعات للسنة التحضيرية هو محاولة متأخرة لتأهيل الطالب للالتحاق بالجامعة، مؤكداً أنّ السنة التحضيرية استراتيجياً وعلى المدى البعيد هدر للموارد وليست جيدة؛ لأنها تؤكد على ضعف التعليم العام ووجود خلل فيه. مطالباً بإعادة النظر في التعليم العام وإصلاحه ويرى أنّ التعليم العام الجيد والإرشاد الأكاديمي يوجه الطالب للتخصص الذي يتناسب مع قدراته من أول فصل دراسي لدراسة التخصص دون الحاجة للسنة التحضيرية. من ناحيته يؤكد "د.الزهراني" على أن الاعتمادات الأكاديمية والتي عادة تطبق بعد تخريج أول دفعة من الجامعة ستكشف مدى جودة المخرجات، وبالتالي مستقبلاً لن يكون هنالك مكان لأي مؤسسة تعليمية لا تحظى ببرامجها بالجودة، مؤكداً على أن مستقبل التعليم العالي للأفضل في ظل العمل المؤسساتي الذي يهدف إلى تحقيق الجودة مؤسساتياً وأكاديمياً. عوائق أمام تقدم الجامعات! * عدم وجود مناخ أكاديمي محفز بآليات وإمكانات يضمن استدامة التطوير. * البيروقراطية الحكومية وعدم استقلالية الجامعات بوجود نظام حالي مقيد يحد حرية القرار. * غياب التطوير لأنظمة التعليم العالي. * تدني المستوى العلمي للكادر التدريسي؛ نتيجة ضعف متابعة التطورات العلمية والمعرفية، وغياب المعايير التي تحتم التطوير الذاتي. * تأخرالمناهج الجامعية في الغالب عن مثيلاتها في البلدان المتقدمة، وضعف مستوى التأليف في جامعاتنا، وافتقاد غالب الجامعات للمجلات العلمية المرموقة. * التدريس النمطي القائم على التلقين لا التجريب، والنظري لا العملي؛ لأسباب كثيرة منها مايعود لأعضاء هيئة التدريس وضعف التجهيزات وتقادمها، وتدني مستوى المختبرات، ونقص المساعدين الأكفاء. * انخفاض الرواتب وهجرة الكفاءات إلى القطاع الخاص. * عدم القدرة على استقطاب الخبرات الأجنبية ومنافسة جامعات الدول المجاورة للجامعات السعودية في استقطابهم لضعف الرواتب. * ضخامة أعداد الطلاب قياساً بمستوى الإمكانات المتاحة، وضعف غالب الطلاب في اللغة الإنجليزية.