دورة مفاوضات الدوحة قد تتعثر وتنتهي الى الفشل. وعلى السياسيين والأوساط الاقتصادية والمجتمع المدني أن يدركوا من غير لبس أن فشل المفاوضات التجارية العالمية قد ينقلب تآكلاً في النظام التجاري المتعدد الطرف، وهو عماد الاقتصاد العالمي منذ نحو ستين عاماً. ومضى على اقرار قواعد منظمة التجارة الدولية فوق عشر سنوات، ولا تزال، الى اليوم، غير منصفة، خصوصاً في حق الدول النامية. وعليه، يجب، على وجه السرعة تغييرها. فالدول الفقيرة في حاجة الى بلوغ الأسواق الخارجية، واستجابة دواعي نمو قد يزعزع، من وجه آخر، استقرار الدول هذه. والزراعة هي ثغرة المفاوضات، على رغم ضعف حصتها من التبادل العالمي، ومن العمالة في الدول المتقدمة، لكن لا تحول دون المفاوضة على الخدمات والمنتجات المصنعة وتحسين شروط التجارة. فالإصلاح الزراعي مسألة سياسية عسيرة ولكنه مفيد لنا جميعاً. ويُطلب الى الحكومة بذل مزيد من الجهود في سبيل خفض الدعم والرسوم الجمركية. وتفوق المكتسبات نتائج الجولة السابقة من المحادثات. فخفض الدعم الزراعي الداخلي يمكن أن يفوق ضعفين أو ثلاثة ما سبق وأجمع عليه في جولة الأوروغواي. وليس تقليص دعم الصادرات، وهو أنزل الضرر في مزارعي أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مستحيلاً. لا شك في أن خفض الرسوم الجمركية على المنتجات المصنعة والزراعية يترتب عليه أثر عميق وحقيقي. وللمرة الأولى يقلص دعم صيد الأسماك. وكانت طريقة الصيد تضر بالبيئة، وتسهم في تلف المخزون العالمي من الثروة السمكية. وتتولى المفاوضات قوانين جديدة ترشد المعاملات الجمركية، وتخفف البيروقراطية والفساد. ولكن بروز معضلة تموز يوليو الزراعية حملت الحكومات على عقد الاتفاقات الثنائية. وهذه قليلة الجدوى، وتفرض اعتماد قوانين واجراءات باهظة التكلفة على الشركات. وقد يسعد فشل دورة الدوحة بعض أنصار الحماية. ولكن تجربة ثلاثينات القرن العشرين وپ"الكساد الكبير" أثبتت أن نتائج هذه السياسة قد تكون بالغة الضرر. فالحماية الاقتصادية كانت سبباً في اندلاع الحرب العالمية الثانية، ودعت الحكومات الى اعتماد أنظمة اقتصادية أكثر مؤاتاة لمقاومة الحماية. وهذا أفضى بدوره الى قوانين تجارية قدمت الحق على القوة. والمشكلة، اليوم، هي المحافظة على النظام المتعدد هذا، وتعديله بما يناسب مصالح الدول النامية. وفرصة انقاذ المفاوضات ضيقة. فالكونغرس الأميركي ينظر العام الآتي في مشروعي قانون قد يكون لهما الأثر البالغ في مفاوضات الدوحة. أحدهما يتناول الزراعة، والآخر تجديد سلطة المفاوضة التي يمنحها الكونغرس الى الرئيس في التجارة الخارجية. وفي الأثناء، على المفاوضين بجنيف الخطو خطوات على طريق الاتفاق، فيسمح لهم ذلك حمل الكونغرس على قبول شروطهم. وليست واشنطن وحدها مدعوة الى الاستجابة. فعلى أوروبا واليابان أن يبديا من المرونة ما يمهد الطريق الى حل مقبول، وعلى الهند والصين والبرازيل، أي الدول الأخرى الراجحة، الإسهام في الحل. وتترتب على البطء خسارة قد تكون فادحة. عن باسكال لامي مدير منظمة التجارة العالمية، "ليبيراسيون" الفرنسية ، 16/11/2006