يحاول السياسي الكيني فارح معلم جمع شيئين متعارضين. فهو يسعى إلى أن يصبح رئيساً لبلاده، وهو احتمال بعيد، إضافة إلى تأييده قوة"المحاكم الإسلامية"الصاعدة في مسقط رأسه في الصومال. وهو يجسد أزمة الانتماء التي يعانيها آلاف الصوماليين الذين وجدوا أنفسهم في كينيا، بينما بعض أفراد عائلاتهم يعيش عبر الحدود التي رسمها المستعمرون البريطانيون في ستينات القرن الماضي. ويقول معلم، وهو نائب سابق في البرلمان الكيني:"أطمح إلى الرئاسة الكينية... لكنني مستعد لتقديم خدماتي للمحاكم الإسلامية في الصومال، لأنني أحب نجاحها، ويحزنني أن تفشل". ويؤكد أن"في إمكان المواطن الكيني من أصل صومالي أن يوفّق بين جنسيته الكينية وأصوله الصومالية". وقبل أكثر من قرن، كان الصوماليون الرُحل يتنقلون بين دول القرن الأفريقي، خصوصاً كينيا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي، بحثاً عن الغذاء والماء. ونتيجة لذلك، تفرقت عائلات كثيرة في المنطقة، فأصبح معتاداً أن تجد عائلة واحدة يعيش أفرادها بين عدد من هذه الدول. وقبل أن يقسم الاحتلال"الصومال الكبير"الذي كان يضم الشمال الخاضع للبريطانيين والجنوب القابع تحت سلطة الإيطالييين، كان شمال شرقي كينيا بغالبيته الصومالية جزءاً من الصومال. وعلى رغم أن استفتاء أجرته سلطات الاحتلال في 1961 أكد رغبة سكان المنطقة في الانضمام إلى الصومال، فإن الاستعمار البريطاني رفض نتائج الاستفتاء وأصر على ضم المنطقة إلى كينيا التي استقلت في العام نفسه. وأشعلت هذه الخطوة فتيل حرب عصابات ضد الجيش الكيني في المنطقة خمدت بعد ثلاثة أعوام. وشكت السلطات الكينية مراراً لمقديشو، واتهمتها بالوقوف وراء المسلحين المعارضين لها. وعندما سطع نجم"المحاكم الإسلامية"في الصومال أخيراً، بدأت الخلافات القديمة تطفو على السطح مجدداً. ففي البداية، لم يكن الصوماليون في كينيا يعيرون أي اهتمام يذكر للتطورات الجديدة في الصومال. لكن مع تزايد نفوذ الجماعة الإسلامية، زاد اهتمامهم بها. ويقول محمد علي حاج، وهو محاضر سابق في جامعة كينياتا:"من مصلحتنا، نحن الكينيين من أصول صومالية، أن يعم الاستقرار في الصومال، لأن هناك أكثر من قاسم مشترك يجمعنا. ولا يستغني بعضنا عن بعض، لأن قسماً من عائلاتنا يعيش في الصومال". وكانت الحكومة الكينية اتهمت أخيراً السياسيين في شمال شرقي البلاد بتعبئة شباب الإقليم لمصلحة"المحاكم"، وهو ما ينفيه في شدة معلم الأمين العام لثالث أكبر حزب معارض في كينيا"فورد بيبول"منتدى استعادة الديموقراطية - بيبول، مؤكداً أن الحكومة ليست لديها"أي أدلة تثبت صحة ادعائها". ويؤكد أشخاص تحدثوا إلى"الحياة"، وفضلوا عدم نشر أسمائهم نظراً إلى حساسية الموضوع، أن أعداداً متزايدة من الكينيين والإثيوبيين ذوي الأصول الصومالية، إضافة إلى لاجئين صوماليين في كينيا، غادروا إلى الصومال للانخراط في صفوف ميليشيات"المحاكم"، إذ رأى الإثيوبيون من أصول صومالية في صعود الإسلاميين فرصة"لتحرير إقليم أوغادين"ذي الغالبية الصومالية. ويقول حاج:"أؤيد فكرة ذهاب الكينيين من أصول صومالية إلى الصومال للإسهام في إعادة إعمار البلاد وفي مجال التعليم. لكنني ضد أن يقاتلوا إلى جانب المحاكم". ويضيف:"المحاكم تحتاج إلى وقت تنظم فيه أوراقها، قبل أن تشرع في شن حرب على أي دولة. عليهم أن يركزوا على المشاريع التنموية". ويرى مراقبون أن"المحاكم"جمعت في فترة زمنية قصيرة متعاطفين كثيرين في أوساط"صوماليي كينيا"، بسبب"نجاحاتها المتلاحقة"في الصومال. ويقول الصحافي محمد عبدالله:"إذا صمدت المحاكم في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بها، فسيكون في استطاعتها تجنيد الشبان الكينيين من أصول صومالية لأنهم مهمشون، ولديهم شعور بأنهم ينجذبون إلى الصومال أكثر من انتمائهم إلى كينيا. إلا أنهم في الوقت الحاضر متخوفون من الفوضى في الصومال. إنهم يراقبون الوضع عن كثب".