حملت نتائج القمة الروسية - الاميركية في موسكو أمس، دلالات سياسية عدة على رغم انها كانت قصيرة جداً وتم الإعداد لها"لأسباب فنية"بحسب وصف مصدر في الكرملين، ذلك انه اللقاء الاول الذي يجمع بوش بزعيم دولة اجنبية منذ الهزيمة المدوية للجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية. ويعتبر البعض في موسكو ان المصادفة لم تلعب الدور الأساسي في الإعداد للقاء، وهو ما عكسته عبارة موظف كبير في الكرملين وصف السبب المعلن لزيارة بوش الخاطفة الى موسكو، وهو ان طائرة الرئيس الاميركي توقفت في مطار فنوكوفو للتزود بالوقود، بأنه"توقف فني له دلالات سياسية". وزاد ان الطرفين يشعران بوجود"ضرورة ملحة لاجراء اتصال مباشر بينهما". وتعكس الملفات الاساسية التي ناقشها الزعيمان على غداء عمل في قاعة كبار الزوار في المطار، وهي الملف النووي الايراني والوضع في العراق واعلان واشنطن تأييدها انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية،"الضرورات الملحة"على جدول اعمال الجانبين، لان الاوساط الروسية تتحدث منذ ايام عن حاجة الرئيس الاميركي لتحقيق"انتصار"يغطي خيبة الامل بعد انتخابات الكونغرس. ويشكل موقف موسكو المتشدد حيال الملف الايراني عقبة كبرى في وجه مثل هذا"الانتصار"، ما دفع البعض الى الحديث اخيرا عن احتمال التوصل الى"صفقة"تحصل موسكو بموجبها على مصالح اقتصادية مهمة لانجاز مشروع اعادة هيكلة الاقتصاد الروسي في مقابل"مرونة"روسية في الملف الايراني. وزاد من تأثير الاشاعات التي تناقلتها الاوساط الروسية بقوة اخيرا اعلان البيت الابيض تأييد واشنطن انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية بعد سنوات من المحادثات الشاقة في هذا الشأن. وكان للاعلان وقعه الكبير، اذ تزامن مع وجود كبير المفاوضين النوويين الايرانيين علي لاريجاني في موسكو لاجراء محادثات وصفها المسؤولون الروس بأنها"ايجابية وبناءة". وعلى رغم ان مسؤولين روساً تحدثت معهم"الحياة"اجمعوا على نفي صحة الحديث عن احتمال مناقشة"صفقة"بين الطرفين، خصوصا مع استبعاد احتمال ان يصادق الكونغرس الديموقراطي على البروتوكول الخاص بالانضمام الى منظمة التجارة العالمية حتى لو وقعت ادارة بوش هذا البرتوكول، لكن اللافت ان البعض في موسكو يشير الى ان الادارة الاميركية تشعر بالحاجة لعقد"صفقات"مع روسيا بعدما تحولت الى مركز ثقل مهم خلال السنوات الاخيرة، وبرزت مواقفها في مواجهة السياسة الاميركية بقوة عند مناقشة كل ملف اقليمي او دولي، ما دفع كثيرين الى الحديث عن تجمع سحب حرب باردة جديدة تتهم كل من واشنطنوموسكو الاخرى بإشعال فتيلها. وهذا ينطبق على الملف الايراني والتسوية في الشرق الاوسط والعراق وافغانستان وكوريا الشمالية والوضع في البلقان والعلاقات مع دول اميركا اللاتينية، الى آخر اللائحة الطويلة من الملفات الساخنة التي غابت عنها"الحرب على الارهاب"، كما يقول احد الخبراء في شؤون العلاقة الروسية الاميركية، بعدما كانت تشكل العمود الفقري الذي اسس ل"الشراكة الاستراتيجية"التي ارتسمت ملامحها في عامي 2001 و2002، لكنها تلقت ضربة قوية بعدما بدأت واشنطن منذ العام 2003 تنشيط سياستها في الفضاء السوفياتي السابق ومحاولة احتلال مواقع روسيا هناك. وفي المقابل، ردت موسكو بالتحول عن البحث عن صيغ للتكامل مع الغرب وبدأت العمل لانشاء مركز اوراسي قوي وقف بالمرصاد للمصالح الاميركية في المنطقة، وحوّل واشنطن من شريك محتمل لموسكو الى منافس اساسي لها. وعلى رغم ان قمة الامس تعد"بروفة"لجولة المحادثات الروسية - الاميركية المطولة التي سيجريها الزعيمان في هانوي بعد ايام، إلا أن كثيرين في موسكو لا يتوقعون"اختراقا"في العلاقات خلال المرحلة القريبة المقبلة، ويذهب البعض الى ان المطلوب حاليا اجراء مراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين تمهد للاستحقاقات الانتخابية في روسيا والولايات المتحدة في العام 2008، ما يعني ان اللقاءات الحالية ستكون في معظمها بروتوكولية يطغى عليها الخلاف في وجهات النظر بين الطرفين حيال غالبية ملفات الساعة.