كنتُ أظنّ ان مجموعة"الكومبارس"التي نشاهدها على الشاشة الصغيرة في بعض البرامج الحوارية تتألف من أناس يهوون الاطلالة التلفزيونية ولو من بعيد، وأن هؤلاء الناس الذين يختلفون في العمر والجنس، يستفيدون من مثل هذه البرامج ليشاهدوا أنفسهم لاحقاً على الشاشة محققين الحلم التلفزيوني الذي يطمح اليه الكثيرون.لكنني علمت أخيراً خلال مشاركتي في احد هذه البرامج ان هؤلاء يتقاضون مبالغ معينة لقاء جلوسهم في الاستوديو وتلبيتهم"أوامر"المخرج... بالتصفيق. إنهم"المصفقون"اذاً أو"الزقيفة"كما يقال في العامية اللبنانية، وهم من المواطنين الذين يؤتى بهم عادة الى المهرجانات السياسية واللقاءات والحفلات ومهمتهم التصفيق والتصفيق فقط. وهؤلاء لا يتقاضون غالباً أي مبلغ مالي، فهم إما ينتمون الى الجماعة الفلانية او الى الزعيم الفلاني أو... لا أدري لماذا تذكرت"المصفقين"عندما شاهدت مجموعة"الكومبارس"هذه داخل الاستوديو. رجال وفتيان ونساء بعضهنّ بالحجاب، يجلسون طوال ساعة أو ساعتين قبالة المذيع وضيوفه، ينظرون اليهم، كل على طريقته، صامتين، منتظرين اشارة المخرج ليصفقوا مرة واثنتين وثلاثاً... وفي أحيان يعاد التصفيق عندما يحصل خلل ما. وجلوسهم بعضهم قرب بعض لا يعني انهم من حيّ واحد أو منطقة واحدة أو انهم اصدقاء ويعرف بعضهم بعضاً. يجلسون وكأنهم التقوا ليؤدّوا وظيفة واحدة، نادراً ما يتحدث واحدهم مع الآخر. حتى لباسهم يتبدل بين شخص وشخص. الرجال الذين يرتدون ربطة عنق قليلون بل نادرون. بعض الفتية ينتعلون احذية رياضية ولا مانع ما دامت أقدامهم لن تظهر. بناطيل"جينز"وقمصان ولا"جاكيتات"في الغالب. هذا ما يؤكد انهم من الطبقة الفقيرة او المتوسطة وهمّهم ان يتقاضوا ما يدفع لهم مقابل هذا الجلوس او التصفيق، الذي لا يتطلب أي جهد. لكن هؤلاء لا يستطيعون ان ينجوا من السأم الذي يتبدى في وجوههم أحياناً وفي تململهم في الاستراحة. فهم قد يقضون نهاراً طويلاً في الاستوديو منتقلين من حلقة الى أخرى، من دون ان يبدّلوا ملابسهم مثلما يفعل المذيع او المذيعة مثلاً. فالمشاهدون لا يلحظون مبدئياً ماذا يرتدي هؤلاء"المصفقون"وقد لا يلحظون وجودهم الا في نظرة خاطفة. فهؤلاء أقل من"كومبارس"ولا دور لهم ولا صوت سوى"التصفيق"الذي يبدأ قوياً ويخفت تدريجاً. عندما سألت عنهم قيل لي ان شركة تتولى جمعهم من مناطق عدة وتدفع لهم مبلغاً معيناً لقاء مشاركتهم في البرامج. والمبلغ كما قال لي أحدهم ضئيل وضئيل جداً. وراح هذا الشاب يشتكي وأخبرني ان المبلغ في السابق كان أفضل لأن"الشركة"لم تكن موجودة وكانت علاقتهم مباشرة مع المنتج. وقال لي ان المحطات العربية والأجنبية كانت تؤمن لهم السندويشات والمرطبات ساعة الغداء لأن نهارهم طويل وقد يمتد الى ساعة متأخرة من الليل. اما اليوم فالأمر بات مختلفاً مع الشركة، لكن حسنتها الوحيدة، كما أفادني، أنها توفر لهم عملاً. عندما حدّقت في"المصفقين"وأنا في الجهة المقابلة، سألت نفسي: ألا يدرس هؤلاء الفتيان والفتيات؟ وأولئك الرجال ألا أعمال اخرى لهم؟ يرتفع صوت المخرج: تصفيق! يرتفع التصفيق للفور، لكنّ المصفقين لا يعلمون لماذا يصفقون أو لمن! المهم انهم يصفقون عندما يصلهم الامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الخطأ.