في حياة كل منّا دائرة أقارب ومعارف وأصدقاء، يقومون بدور بطولة أو"كومبارس"تبعًا للظروف والمؤهلات والبيئة التي يعيشون فيها. قد يكون أحدنا"كومبارساً"في مجال عمله وبطلاً مطلقاً في بيته أو بين أصدقائه. لكنّ المؤكد أنّ كلاً منّا يحتاج إلى الشعور بأنّه يقوم بدور بطولة ما في وقت من الأوقات. ويزداد هذا الشعور في فترة مراهقته وشبابه، فهي فترة الطاقة، والقدرة والرغبة في إثبات الذات في عيون الآخرين على شكل إعجاب أو استحسان. لكن حين يتحول جيل بأكمله - أو غالبيته -"كومبارساً", فهذه مشكلة كبيرة. إذ أثمرت جهود سنوات طويلة من العمل السياسي المعتمدة على"الرجل الواحد"ONE MAN SHOW وعقود من الإنجازات الاقتصادية المرتكزة إلى التخدير والتنويم، قلب الطبقات الاجتماعية رأساً على عقب ومزجها، ومن ثم إعادة تقسيمها تبعاً لمقاييس ومعايير سوريالية لا ترتكز إلى قيم العمل، ولا المثابرة، بل"الفهلوة". في الأشهر الأخيرة، بدا واضحاً أن صفة"الكومبارس"أضحت ملازمة لفئات عدة من الشبان والشابات. موجة التظاهرات التي حفلت بها شوارع القاهرة، وعدد من المدن المصرية الكبرى في الأسابيع القليلة الماضية، ألقت الضوء على هذه الظاهرة. فعلى رغم أن حركة مثل"كفاية"، جمعت عدداً كبيراً من الوجوه الشابة من الجنسين، وهو ما اعاد بعث الأمل في الاجيال الجديدة التي اعتقد البعض أنها في غيبوبة سياسية تامة, عكست التظاهرات ازدهاراً غير مسبوق لأدوار الكومبارس ذات الطابع السياسي. فقد شوهدت جحافل شبابية مشاركة في تظاهرات الحزب الوطني الديموقراطي. لكن لسبب ما، بدا انهم"كومبارس"وليسوا من اصحاب ادوار البطولة، لا أولى ولا ثانية ولا حتى"سنّيدة". مقابل وجبات غذائية؟ هذه التظاهرات التي تشتد أواصرها مع اقتراب موعد"انتخابات"الرئاسة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، يتوقع ان تجذب أعداداً متزايدة من الشباب، لا سيما مع قرب انتهاء موسم الامتحانات. إذ إن الفئة التي شاركت في التظاهرات المؤيدة ل"الحكومة"طغت عليها ملامح عدم الانتساب الى جهة دراسية، أو مكان عمل، أو إقامة محددة. حتى أن خبثاء ألمحوا إلى أنه تم جمعهم من أسفل الجسور في مقابل وجبات غذائية، أو مبالغ مالية، أو غير ذلك من المغريات. إلا أن أدوار"الكومبارس"ذات الإطار السياسي تجذب فئة أكثر انحداراً - أو هبوطاً في الهرم الشبابي، فهي في الغالب فئة مغامرة، أو بالأحرى ليس لديها ما تخسره. أضف إلى ذلك أنها نوعية الأدوار الوحيدة التي يمكن أن تعرض عليها، لأسباب موضوعية ومظهرية، هذا على العكس من أدوار"الكومبارس"الفضائية التي فتحت"طاقة القدر"للكثيرين من الشباب والشابات الذين كانت أدوارهم قبل ذلك اقل حتى من الكومبارس. آلاف الشباب يبحثون يومياً عمن يعطيهم هذا الدور. فاما المشاركة في برنامج حواري يقومون فيه بدور الجمهور الغفير الذي جاء يستمع إلى مشكلات الأمة العربية، والحلول المقترحة من الخبراء والمنظّرين والمتخصصين، أو المشاركة في برنامج اجتماعي يقسمهم خلاله المعد الى فريقين: أحدهما مؤيد لظاهرة ما، والثاني مندد بها. ولا يفوت المعدّ أن يزودهم بآليات ومسببات الرفض او القبول، لأنهم عادة يندرجون تحت بند"غير المحددين"أو UNDECIDED في حياتهم بشكل عام. أو يُدعون لأن يدلوا بدلوهم في برنامج فني يستضيف فنانًا أو فنانة من ابطال الفيديو كليب، ويكون الدلو في هذه الحالة معتمداً على الوقوف والتمايل طرباً، كلما قرر المطرب أن يتحف جمهوره بإحدى روائعه، مع تركيز الجهود في التصفيق والتهليل مع نهاية الأغنية، أو كلما تفوه الضيف بحكمة أو كلمات يعتبرها المعد تستدعي التهليل. ليست المهمات"الفضائية"التي يضطلع بها الشبان"الكومبارس"من دون مقابل... بل لها تسعيرة تحددها خبرة المشترك الشاب في لعب دور"الكومبارس"الأجير بحنكة وبراءة لا تكشفان عمالته، والإمعان في"سبك"عملية إخراج المشاعر الفياضة تبعاً للدور المحدد مسبقاً. وفي البرامج الفنية، يحدد عاملا"الجندر"والجرأة في الملابس اجر الكومبارس. فالفتيات الكومبارس يتقاضين أجراً يومياً أعلى من زملائهن من الشبان، خصوصاً اذا كنّ على قدر من الجمال والاستعداد للتحرّر من قدر أكبر من الملابس. المدرسة مسؤولة؟ استاذة الاعلام اللبنانية الدكتورة نهوند القادري تحدّثت في بحث، عن تجربتها حين استضافتها قناة فضائية لتشارك في برنامج حواري يحضره الجمهور. اثناء تجهيز الاستوديو، وجدت شابين جالسين ينتظران المشاركة. سألتهما عن رأيهما في القضية المطروحة. كان جوابهما أنّهما لا يملكان وجهة نظر فيها، وانهما هنا لأنه طُلبت منهما المشاركة. في إطار الحديث، فهمت انهما شاركا في الصباح في برنامج آخر. وحين سألتهما عن محور البرنامج الذي شاركا فيه، سأل احدهما الآخر عن أي شيء تكلمنا؟ كي لا يُظلم الشبان، أو يُتهموا بالتكاسل والتباطؤ أو يُوصموا بانعدام القدرة على القيادة ومحاولة الفوز بأي دور من أدوار البطولة، فإن الحالة"الظاهرة"من ارتضاء دور الكومبارس زرعت فيهم منذ الصغر. فعلى رغم الاحاديث المطولة والتصريحات المسهبة حول اصلاح التعليم، وقرار اضافة"التربية"الى"التعليم"، فإن المنظومة التعليمية قائمة على اساس وأد أيّ بوادر لأدوار بطولة، وانعاش وتشجيع الاتجاه العام نحو"الكومبارس". فالمناهج الدراسية في مصر مثلاً قائمة على الحفظ والبصم واختزان المعلومات بشكل اشبه بالببغاء، واعادة تفريغها عن آخرها على اوراق اجابات الامتحانات، ومن ثم إخلاء المساحة لمخزون العام المقبل وهكذا، إلى أن ينجز الطلاب المهمة بأكملها وهي في المتوسط 16 عاماً، تشجّع ادوار"الكومبارس"والترويج لها. ليس الوضع في البيت المصري افضل بكثير. فحالة التخمة الدراسية والمعلوماتية تسبب نوعاً من التخمة في الوقت والمجهود، وحتى في الحالة النفسية. فالساعات المتبقية من اليوم لا تسمح بالقيام بأي نشاط آخر غير الدرس والتحصيل. وعادة ما يكون الأب والأم مشبعين بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تسمح بأي احاديث اسرية بنّاءة وقادرة على تنمية بذور ادوار البطولة في حال وجودها. والشبان إذا لجأوا الى المراكز التجارية العملاقة البراقة، ذات محلات الملابس الراقية، والمقاهي الانيقة، ودور السينما الفارهة لا يخرجون عن إطار"الكومبارس"أيضاً. فنظراً الى ضيق ذات اليد، يقتصر وجودهم في تلك الاماكن على"الفُرجة"على واجهات المحلات، وقراءة لوحات اعلانات الافلام وشم رائحة القهوة والفطائر المقدمة في المقاهي. وغالب الظن أن المشكلة تكمن في ان شخصية"الكومبارس"بأبعادها، وصفاتها - التي كان يفترض ان تكون موقتة - وثّقت اواصرها في داخلهم. وتحولت في كثيرين منهم الى جزء لا يتجزأ من شخصياتهم. فأدوار البطولة غير متاحة، وإن اتيحت، فلفئة بعينها سمحت لها ظروفها وظروف آبائها أن تتأهل لها. والسؤال المطروح بعد عشر سنوات هو كيف تكون حال مجتمع قوته العاملة من"الكومبارس"؟ وكيف تتمكن هذه القوة الهائلة من"الكومبارس"أن تربي ابناءها وعلى أي اساس؟ وما هي ملامح جيل بأكمله من أبناء الكومبارس؟ سؤال يبدو قبل أوانه بكثير لكنه يستحق التفكير، ولو على سبيل الفانتازيا، لكنها الفانتازيا المُبكية.