تكمن الفضيلة اليتيمة، لفضائيات مثل"روتانا زمان"و"روتانا سينما"، على رغم احتكارها المطلق لسلسلة من أهم الأفلام المصرية والعربية، أنها جعلت جيل الشباب على اتصال بسينما زمان"زمن نجيب الريحاني وفاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وعمر الشريف وسعاد حسني... فراقصة شهيرة مثل تحية كاريوكا، تظهر على الفضائيات الجديدة بصورة مغايرة تماماً عن أيام الأبيض والأسود"بدينة، متثاقلة، وهي عكس الصورة التي ظهرت، كتجل مثالي لروح الرقص، وللإغواء الأنثوي الموارب في أفلامها، التي تعيد"روتانا زمان"عرضها، أو حتى في فقرات الرقص الشرقي البديعة التي تعيد بثها بين وقت وآخر. هذه الصورة القديمة التي أعادت للذاكرة حقيقة ما مثلته يوماً ما هذه الفنانة، وكيف كانت نموذجاً للفتنة، الى درجة دفعت مفكراً من طراز ادوارد سعيد الى ان يكتب نصاً خاصاً عنها في بداية التسعينات من القرن الماضي. ونتذكر هنا غابرييل ماركيز عندما كتب مقالاً عن المغنية"شاكيرا"، ما يجعلنا نفكر أن كل ما يمت للحس الإبداعي هو مسؤولية من مسؤوليات المثقف، وأكثرها أهمية في زمننا الآن هو التلفزيون، لأنه يصور حساسية دقيقة تعكس تنوع الحياة، وتشكل المنبع الأكثر خطراً على معارفه وثقافته، وأهميته الأساسية تكمن في أنه تحول إلى مرجعية ثقافية لملايين المشاهدين، ونحن معنيون بهذه المرجعية، سواء كنا خارج نتاجها أم داخلها. قد نكتشف ذلك ببساطة وفي لحظات عندما نضغط على ذاك الزر الصغير في جهاز التحكم، أمام الشاشة، فيتغير العالم... من محطة تلفزيونية إلى أخرى، من"روتانا زمان"إلى"روتانا كليب"مثلاً، يظهر اختلاف معاني الجمال عبر هذه الصورة: تظهر سامية جمال وهند رستم وتحية كاريوكا ونعيمة عاكف، في لقطات خلابة ومثالية لعلاقة الجسد بالرقص على"روتانا زمان". تغير المحطة، فتبدو هيفاء وهبي ومروى ودانا في"روتانا كليب"عبر فقرات استعراضية لا تمت للرقص والموسيقى بصلة، وربما سيتأكد هذا المتفرج بمقارنة بسيطة بين العالمين، لماذا كانت مفردات الزمن المسمى بالجميل، تنتمي إلى حس الاحتفال بالحياة، وإعادة صوغها عبر لغة حوارية عالية بين الجسد والموسيقى، ولماذا عندما استهلك واحتكر هذا الحس لصالح شركات الإنتاج، فرغ جسد المرأة من معناه الجمالي. وعلى رغم أن تطور الزمن يعني الاختلاف، وهو الطبيعي، ولكن عودة الزمن الجميل عبر"روتانا زمان"الآن، تصور حقيقة التراجع الحسي والجمالي في المجتمعات العربية، وارتدادها نحو الانغلاق والتشدد، والاستهلاك والإسفاف، ليس لأن الصورة التلفزيونية الحديثة، تحمل العري والإباحية أكثر مما حملتها صورة زمان، فمتابعة بسيطة لأفلام الأبيض والأسود تجعلنا نكتشف أن أفلاماً قليلة خلت من الراقصات العاريات ومشاهد الغرام. لكن الفرق يبدو كبيراً في توظيف هذه المشاهد ضمن حسها الإنساني الجمالي، أو تحويلها إلى وجبة فنية سريعة.