"وراء كل أغنية ناجحة فيديو كليب ناجح"، قاعدة واقعية لكنها غير منطقية يتبعها فنانو اليوم لإيصال صوتهم، لا بل صورتهم الى الجمهور العريض راصدين لهذه الغاية موازنات ضخمة تبلغ احياناً مئات ألوف الدولارات، أي ما قد يساوي عشرة أضعاف ثمن الكلمات واللحن. وكل ذلك تحت شعار مجاراة العصر. هذا العصر الذي ولّد قناعة ان الصوت الطربي وحده لم يعد يكفي اذ لا بد من التركيز على الصورة لإنجاح الأغنية، فجمال الصوت وحسن الأداء باتا من الأمور الشكلية وأضحت الصورة هي الأساس. وهكذا فأغاني اليوم لم تعد مسموعة فحسب، إنما أضحت مرئية أيضاً. وعندما يتم طرح ألبوم جديد في الأسواق لا يعلق عند الجمهور الا الأغنية التي صوّرت على طريقة الفيديو كليب فتكون هي الأغنية الأوفر حظاً، لأنه لو صوّرت أية اغنية أخرى من الألبوم نفسه للقيت النتيجة ذاتها. وهكذا شِئنا أم أبينا أضحى الفيديو كليب أساس الأغنية ومن هنا السؤال حول طبيعة الفيديو كليب المنتج اليوم؟ قليلاً ما يحدث عند مشاهدتنا بعض الأغاني العربية المصورة ان تلفت انتباهنا فكرة مميزة تجسّدت بتقنية عالية وجمالية فنية، وذلك لسبب بسيط هو استبدال هذا بقاعدة بدائية ثبت انها الأهم بنظر الكثير من المخرجين هي لغة الجسد واللعب على الغرائز. فغالبية الكليبات المعروضة تستنسخ نفسها: من راقصات يتمايلن وراء المطرب والمطربة الى مطربات تحوّلن الى راقصات فاشلات... وفي جولة سريعة على بعض آخر الأغاني المصورة على طريقة الفيديو كليب نلاحظ استمرارية في النهج نفسه، فهزّ البطون وتحريك الغرائز ما زالا الأساس من دون اغفال بعض الأعمال الجيدة ذات الفكرة المقبولة المتناسبة مع كلمات الأغنية وإيقاعها. راقصة مبتدئة "اللي تمنيتو" آخر أعمال الفنانة نوال الزغبي المصورة، حَوَّل "سيدة الفيديو كليب في العالم العربي" كما يطلقون عليها الى راقصة مبتدئة ومقلّدة، اذ ذكّرنا هذا الفيديو كليب ببعض برامج الهواة حيث يجهد المتبارون في لبس دور أو تقليد بعض الفنانين الناجحين. إذ شكلت الحركات المفتعلة المصطنعة سمة أداء الزغبي. وبغض النظر عن استهلاك فكرة الفيديو كليب المبنية على الرقص، فمن أبسط المسلمات لإنجاح العمل إجادة المؤدي لما يطلب منه، الأمر الغائب في أداء نوال. والواقع ان نوال الزغبي ليست شاكيرا أو بريتني سبيرز وكان حرياً بالمخرج شريف صبري عدم إقحامها في مجال لا تجيده. وهكذا بغياب الفكرة وعدم إلمام الزغبي بأصول الرقص، ظهر فيديو كليب "اللي تمنيتو" صورة مصطنعة لبعض فيديو كليبات المطربات العالميات بحيث يرى الكثيرون انه شكّل خطوة ناقصة في مسيرة من اعتبرت "سيدة" الفيديو كليب في العالم العربي. راقصة بارعة وفي الاطار نفسه، اعتمدت المخرجة ميرنا خياط أبو الياس في الفيديو كليب الذي صورته للفنانة نيللي مقدسي أخيراً على الرقص كفكرة أساسية ولكن من دون الوقوع في التصنع والتقليد الفاشل الذي وقع به كليب "اللي تمنيتو"، إذ أظهرت نيللي براعة لافتة وعفوية محببة في أداء الحركات الراقصة. وقد نجحت خياط في استغلال عامل إجادة مقدسي لفن الرقص فاستثمرته لإنجاح فكرة الفيديو كليب، فأتى العمل ككل خفيفاً مقبولاً على رغم بعض المبالغة في أدائها الراقص نسبة الى إيقاع الأغنية. في المقابل، جاء كليب عاصي الحلاني الأخير للمخرج سعيد الماروق عن أغنية "إن كان عليَّ" بفكرة غريبة قديمة، هي نبش القبور واستحضار مصاصي الدماء تجسيداً لأغنية يفترض ان تعبّر عن الحب والتضحية في سبيل الحبيب. وهكذا وعلى رغم أهمية الانتاج والاخراج الجيد الا ان خروج فكرة الكليب عن موضوع الأغنية افقده قيمته وأظهره كمجرد تسويق لإمكانات المخرج السينمائية على حساب الأغنية ومؤديها بدلاً من ان يكون الكليب في خدمتها. كل ذلك من دون ان يخلو الأمر من الاعتماد على الموضة الرائجة حالياً في عالم الكليبات أي الرقص أينما كان... ولو على القبور. مشهد سينمائي من ناحية اخرى، لاقى كليب باسكال مشعلاني الأخير "انت بتروح" استحساناً عند المشاهدين نظراً للفكرة المبتكرة الجيدة، اذ استطاع المخرج سليم الترك، الذي غالباً ما انتقد لناحية تسليطه الكاميرا على مفاتن جسد المرأة بطريقة مبتذلة، أن يُجسّد في هذا الكليب مشهداً سينمائياً مترابطاً من بداية الكليب حتى نهايته بأسلوب مشوق يحث المشاهد على المتابعة، كل ذلك من دون الدخول في دوامة الرقص والإغراء على رغم تضمين الكليب بعض المشاهد الراقصة التي جاءت منسجمة مع الفكرة المطروحة. ما طرحناه هنا ليس الا عينة بسيطة من جملة واسعة من الكليبات المعروضة على الشاشات الصغيرة والتي لا تبتعد كثيراً عن الاطار المذكور بحيث أضحت واحدة متشابهة. وفي الختام يبقى ان السرّ الحقيقي لنجاح الفيديو كليب ليس عدد الراقصات وكمية الاغراء انما الترابط الوثيق بين الكلمة واللحن والصورة لتشكل معاً وحدة فنية متناسقة.