عندما يتحدث بعض الفلاسفة المعاصرين عن تفكيك الميتافيزيقا الغربية فهم يقصدون، من بين ما يقصدونه،"مادة"فلسفية تراكمت عبر التاريخ انطلقت من اليونان ل"تكتمل"عند هيغل. ربما لا يحق لنا نحن أن نتحدث عن المعنى ذاته. فحتى إن تبنينا استراتيجية التفكيك، فلا نجد أنفسنا أمام مادة فلسفية تراكمت عبر التاريخ يمكن أن نطلق عليها ميتافيزيقا عربية اسلامية. لعل هذا من بين الأسباب التي تجعل الدرس الفلسفي متعثرا في مدارسنا وجامعاتنا. لكن هل يعني"غياب"تلك الميتافيزيقا النظرية انعداما للميتافيزيقا في عالمنا العربي الاسلامي؟ تحضرني، ربما جوابا ممكنا عن هذا التساؤل، عبارة أحد السواح الأجانب الذي كتب معلقا، بعد أن زار مدينة فاس المغربية،"إنني رأيت الميتافيزيقا وقد غدت قطعة حجر". إن لم تتراكم عندنا إذاً مذاهب فلسفية عبر تاريخنا فقد سكنت الميتافيزيقا عندنا المعمار والملبس والمطبخ، وانسلت إلى عاداتنا و تقاليدنا، وحددت طرق تحصيلنا للمعارف ومنهج كتابتنا للتاريخ و سبل توليدنا للمعاني. لا معنى، والحالة هذه ، لتفكيك الميتافيزيقا عندنا إن نحن قصدنا به نقدا لفلسفة وصقلا لمفاهيم. وربما لا معنى للدرس الفلسفي عندنا إن هو اقتصر على استعراض مذاهب وتحصيل معارف لن تكون في أحسن الأحوال إلا إشباعا لفضول معرفي، لا معنى للدرس الفلسفي عندنا إن لم يستطع أن ينصب بالفعل على تفكيك الميتافيزيقا، أي إن لم يستطع أن"يغادر"حقل الفلسفة التقليدي ويحيا على هامشه ليطال الفنون والمعمار والآداب، وليتصيّد الميتافيزيقا حيث تتستر و ليلاحقها حيث تتوارى.