لم يخدم التلفزيون المسرح مثلما خدم الفنون الأخرى، كالسينما، مثلاً. ففي الوقت الذي ظهرت فيه قنوات متخصصة في السينما وبث الأفلام السينمائية على الشاشة الصغيرة، فإن المسرح يكاد يكون غائبا عن شاشات أكثر من مئتي محطة فضائية عربية. سيسارع كثر، بعد هذا التمهيد، إلى القول أن ثمة مسرحيات كثيرة تعرض على الفضائيات، وسنسارع إلى التوضيح أن المسرحيات المعنية هذه لا تنتمي إلى فن المسرح بوصفه أحد أعرق الفنون. فالمسرحيات التي تعرض تقتصر في بنيتها على الترفيه واللهو والتهريج... حتى ارتبط المسرح في ذهن المشاهد العربي بهذه النعوت التي اختزلت المسرح في ذلك الفن القادر على إضحاك المشاهد فحسب. والواقع أن المسرح في تعريفه التقليدي التاريخي، وفي مدلوله وأهدافه يكاد يكون نقيضاً لهذا التصور المغلوط. فالمسرحيات الكلاسيكية الكبرى التي عرفتها ثقافات العالم المختلفة، منذ المسرح الإغريقي، مروراً بشكسبير، وصولاً إلى هنريك ابسن، وهارولد بينتر، وسعد الله ونوس...غلب عليها الطابع التراجيدي، وناقشت قضايا وجودية كبرى، واقترحت تصورات جمالية وبصرية مدهشة على نحو يصعب معه الجمع بينها وبين تلك الكوميديا الرخيصة في عروض الفضائيات العربية. وهنا لابد من الاعتراف بأن التلفزيون، بوصفه وسيلة إعلامية جماهيرية واسعة الانتشار تلهث وراء مادة سريعة الاستهلاك وخفيفة الظل، لا يمكن له أن يستوعب فناً مشاغباً، وجريئاً كفن المسرح الذي يفضح ويعري ويكشف... وهو أي التلفزيون أضيق من أن يتسع لتلك الأسئلة الكبرى والعميقة التي يطرحها المسرح، ويصبح البديل، عندئذ، إنشاء فضائيات متخصصة بالمسرح وهمومه، وتسليط الضوء على العروض الناجحة واستضافة رواده. ولا شك في أن هذه القنوات، إن وجدت، ستستقطب جمهوراً نوعياً عاشقاً للمسرح. ولئن تراجع دور المسرح في حياتنا فمرد ذلك إلى أن الذهن العربي يميل إلى الكسل، ولا يرغب في فن يحفّز لديه الأسئلة المقلقة. وليس صحيحاً، كما يشاع، أن ظهور فن جديد يلغي فنوناً سبقته، فكل فن يحمل خصوصية تخوله البقاء والاستمرار كما يلمح إلى ذلك الكاتب المسرحي والدرامي المصري محفوظ عبد الرحمن الذي يقول أن"أزهى عصور المسرح العربي كانت في المراحل التي أعقبت اختراع السينما ومن بعدها التلفزيون"، أي في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. ولم يستفد المسرح من التكنولوجيا الحديثة، كالسينما مثلاً، وبعبارة أدق، فإن طبيعته القائمة على تلك العلاقة الحميمة المباشرة بين ما يجري على الخشبة، وبين من هو في الصالة، توجد تفاعلاً وجدانياً تصعب معه الاستعانة بالتكنولوجيا، وعليه فإن تسليط الكاميرا التلفزيونية على الخشبة والكواليس ضرورة لفن طالما تغنى بقيم الحب والخير والجمال... وصاغ حياة جميلة ومشتهاة تستحق الاحتفاء بها، وتوثيقها عبر الشاشة الصغيرة.