حينما يتجول المرء بين الأقمار والفضائيات العربية، فإن سؤالاً مشروعاً ومريراً يطرح نفسه حول حضور المسرح في هذا الفضاء العربي المترامي الأطراف. فمن الواضح أن هذا الفن، الذي يُعَدّ أبا الفنون، لا أبَ فضائياً له يرعاه ويحتضنه ويرصد تطوراته وإنجازاته وتحولاته. وعلى رغم أن الأدبيات العربية، مثلما هي الأدبيات في كل أنحاء العالم، تتغنى بالمسرح، وتراه فناً راقياً متمرداً ومشاكساً، غير أن كل هذا المديح والثناء، الذي يمتد من زمن الأغريق إلى برهة «الربيع العربي»، لم يفلح في التأثير على أصحاب القرار وأصحاب رؤوس الأموال كي يفكروا في تأسيس فضائية تعنى بشؤون المسرح وهمومه. هذه الفضائية المسرحية مؤجلة، وكل ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو مجرد تقارير وأخبار مسرحية قصيرة تمرّ عبر برنامج ثقافي هنا وهناك، وحتى هنا نجد أن المسرح مهمش، ففي حين تحظى مناسبات ثقافية وفنية أخرى، بتغطية وافية، نجد أن مساحات المسرح ضئيلة على الشاشات، ناهيك بأن «التخصص الفضائي» طاول كل المجالات، من الأطفال إلى السينما إلى شؤون المرأة إلى الرياضة إلى الفضائيات الإخبارية والاقتصادية إلى الأغاني وقراءة الأبراج... لكن المسرح، كأحد أسمى التجليات الثقافية، يكاد لا يخرج من فضاء الخشبة الضيقة. والمفارقة أن وزارات الثقافة تكرر الحديث عن اهتمامها بالمسرح، كما ان النجوم الذين غادروا الخشبة إلى الدراما التلفزيونية والسينما لا يملون من ذكر عشقهم للمسرح وحنينهم إلى الكواليس والبروفات، وهم يقرون بفضل هذا الفن على تجربتهم. بيد أن كل هذا السخاء النظري لم يستطع اعادة الاعتبار لفن يسمو بالذائقة، ويطرح أسئلة جارحة حول واقع صاخب ومضطرب يصبو إلى الانعتاق والتحرر، ولعله -أي المسرح- يمثل إحدى الأدوات الرئيسة لتحقيق مثل هذا الرجاء، ومن المفيد التذكير هنا بمقولة تنسب لنابليون: «أعطني مسرحاً أعطك شعباً». هناك من سيتذرع بأن الفضائية المسرحية المأمولة لن تجد جمهوراً يتابعها، وهذه الذريعة ليست دقيقة، ففي الدورة 22 الأخيرة من أيام الشارقة المسرحية مثلاً، بدا أن ثمة جمهوراً متعطشاً إلى متابعة العروض المسرحية، ومثل هذا الإقبال يتكرر في مهرجانات تقام في مدن وعواصم أخرى، ثم ان الفضائية المسرحية، في حال رأت النور، ستساهم في نشر الثقافة المسرحية، بالتالي ستلعب دوراً في تقليص الهوة بين الخشبة والجمهور. وعلى سبيل الدعابة يمكن الإشارة إلى أسلوب في الإخراج المسرحي يسمى «التجريب»، وبما أن الفضاء العربي يحفل بفضائيات شتى، فليقدم أحد المغامرين على تجريب إطلاق فضائية مسرحية، عندئذ يمكن درس التجربة ومدى نجاحها. والأرجح أن هذه الفضائية ستكون موضع احترام، لا سيما انها ستكون رائدة بوصفها أولى الفضائيات التي تنقل ما يجري في المسارح العربية والعالمية إلى جمهور غارق في كسل التكنولوجيا المحيطة به من كل جانب.