نعرف ان هناك مفاصل تطورية تركت آثارها في تاريخ الانسانية مثل اكتشاف النار واختراع البارود واختراع الكهرباء. لكن الأهم على مستوى العالم وفي هذا العصر، كان التلفزيون، هذا الجهاز الذي غيّر الكثير الكثير من تفاصيل حياة البشر، وباتت جبهته أحياناً أهم من الجبهات العسكرية والاقتصادية. واذا كان أعداؤه محقين في رأيهم المتعلق ببنيته الاستهلاكية من ناحية صرف الوقت وضياع الكثير من العلاقات الاجتماعية بسببه، فإن متابعيه يدركون ان أرشيف التلفزيون شكّل في الوقت نفسه ذاكرة للكثير من الفنون التي سبقته. اقتراح المسرح أب الفنون، مثلاً، لولا التلفزيون لضاع الكثير من مسرحياته، فأعمال محمد الماغوط المسرحية"كاسك يا وطن"وپ"ضيعة تشرين"وپ"غربة"حفظها التلفزيون وقدمها للملايين عبر شاشته، ومثلها أعمال عادل إمام المسرحية. ومنذ أسابيع أثناء مناقشات المجالس في الدورة الثانية عشر لمهرجان قرطاج المسرحي اقترح الناقد المصري عبدالغني داود انشاء قناة تلفزيونية لعرض المسرحيات العربية، إسوة بروتانا سينما، أو روتانا طرب. انطلاقاً من فائدة هذا الاقتراح وجماله يحق للمهتمين بالحركة المسرحية السورية والذين قرأوا عن نهضة مسرحية عاشتها سورية في سبعينات القرن الماضي يحق لهم سؤال إدارات التلفزيون السوري المتعاقبة لماذا لم يسجلوا تلفزيونياً مسرحيات سعدالله ونوس وفواز الساحر وممدوح عدوان ووليد اخلاصي؟ ولنقترب أكثر من الزمن الحاضر، نسأل لماذا لم تسجل مسرحيات الماغوط التي اشتغلها جهاد سعد"خارج السرب"أو وائل رمضان"لشو الحكي"؟ ومنذ أكثر من عامين عرضت على خشبات خاصة مسرحية سياسية ناقدة حملت عنوان"سُمح في سورية"وبعد أقل من شهر غاب العرض وغابت ذاكرته أيضاً. ونعيد السؤال ذاته. أكيد سيقول متابعو المسرح ان التسجيل التلفزيوني يفقد المسرح الكثير من مواصفات تلقيه، لكن الأكثر بقاء هو التلفزيون وأرشيفه وذاكرته، وفي زمن انحسار الثقافة والفن في عالمنا العربي لمصلحة الانشغال بالهم اليومي المعيشي لا يبقى أمام عشاق المسرح سوى التكيف مع لحظة العصر التقنية. وإذا بقينا في الاطار ذاته أفلا يحق لنا أن نسأل ادارة مهرجان دمشق المسرحي: لماذا لم تسجل تلفزيونياً كل العروض السورية لتقديمها لمشاهد لا يستطيع الوصول الى المسرح؟ ولماذا لم تسجل ادارة مهرجان قرطاج المسرحية في دورتها الثانية عشرة عروضها تلفزيونياً؟ نتمنى أن نجد الجواب في اقتراح الناقد داود ولنبدأ من الآن.