احتلت الملفات العاجلة مساحة كبيرة من اهتمام القيادة الاردنية الاسبوع الماضي الذي تحركت فيه قضايا داخلية واقليمية بصورة مفاجئة ودراماتيكية، فمن مصير الحكومة التي اصبح"ماؤها يغلي"، كما يقول التعبير الاردني الدارج كناية عن انها دخلت في المنطقة الرمادية بعد تراكم العديد من القضايا الداخلية، ومرورا بتصاعد الخلاف مع قطر التي خالفت الاجماع العربي وصوّتت للمرشح الكوري الجنوبي الساعي الى خلافة الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، وانتهاء بالاوضاع المتدحرجة في الاراضي الفلسطينية والخوف على مصير الرئيس محمود عباس وعملية السلام في المنطقة. ورغم ان الصحافة والنخب السياسية بدأت تنتج كماً هائلا من الاشاعات وتتداول سيناريوهات تعديل او تغيير حكومي مرتقب خلال شهر، الا ان رئيس الوزراء معروف البخيت نفى وجود نية لديه لاجراء تعديل وزاري في الوقت المنظور الا اذا ارتبط ذلك بارادة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، يضاف الى ذلك طبيعة سير الاوضاع على الارض والتي لا تشير الى توجه لاجراء تعديل رغم وجود قناعة لدى العديد من الوزراء والسياسيين بأن ثمة تنازعاً خفياً للصلاحيات بين الحكومة واطراف اخرى، بالاضافة الى قصور في اداء بعض الورزاء. ورغم اصرار البخيت على استعمال صلاحياته المخولة اليه بموجب الدستور كاملة غير منقوصة، الا ان الاوساط الحكومية تشير الى تضخم الكادر الوظيفي في مكتب الملك عبدالله الذي يديره وزير المال السابق باسم عوض الله ويعتبر ما يجري في الديوان الملكي"هيكلة ادارية واعادة ترتيب لا غير". لكن ما تسرب من لقاء العاهل الاردني الملك عبد الله مع رئيس وزرائه زاد من جدية الحراك السياسي للحكومة التي لم يمض على تشكيلها سوى عشرة شهور. وحسب المصادر الاردنية المطلعة، فان العاهل الاردني عاتب رئيس وزرائه على"افكاره الجريئة"التي وردت في محاضرتين منفصلتين الاسبوع الماضي الى درجة مقارنتها"بلهجة احزاب المعارضة"، خصوصا تلك التي اشارت الى التنمية السياسية والاجهزة الامنية. كما انتقد العاهل الاردني اسلوب اداء الحكومة، خصوصا تعاطيها مع مجلس النواب وعجزها عن الدفاع عن مشاريع القوانيين التي قدمتها، وتعدى ذلك للاشارة الى اداء عدد من الوزراء. وخلصت المصادر الى التأكيد ان العاهل الاردني وضع ملاحظاته امام البخيت طالباً تصويب الاوضاع خلال شهر واعادة النشاط الى الطاقم الوزاري قبل اجراء أي مداخلة جراحية عليها. وربطت بين الاوضاع السياسية في المنطقة والاوضاع الاقتصادية الداخلية لتخلص الى التأكيد ان قرار تأجيل الانتخابات النيابية المستحقه في تموز يوليو المقبل بات يدرس على نار هادئة، وهو ما اجل مسألة حسم الحكومة قرار اجراء الانتخابات الفرعية في منطقتين انتخابيتين في عمان والزرقاء وملء مقعديهما الشاغرين في مجلس النواب بعد فصل النائبين الاسلاميين محمد ابو فارس وعلي ابو السكر بعد ادانتهما من محكمة امن الدولة في ما عرف بقضية"نواب عزاء الزرقاوي". وجاء خروج قطر عن الاجماع العربي ورفض تصويتها الى المرشح الاردني الامير زيد بن رعد لخلافة انان ليشعل فتيل الازمة المتصاعدة منذ سنوات بين عمان والدوحة. وحسب وزير اردني، فان عمان لم تفاجأ من عدم فوز مرشحها، لكنها مستاءة من خروج قطر العضو العربي في مجلس الامن عن"الاجماع العربي وعدم التزام الوعد الذي كان آخره للامين العام للجامعة العربية عمرو موسى قبل الجلسة الثانية من عملية الاقتراع". وطبعا، اشتعلت الحملات الصحافية، خصوصا في جريدة"الرأي"المقربة من الحكومة والتي شن كُتابها حملة عنيفة من الشتائم على"مخلب القط في استراتيجيات دولية مشبوهة"، كذلك هجوم كاسح على قناة"الجزيرة"الفضائية. وتعتقد الاوساط السياسية المحلية ان التصرف القطري لم يأت نتيجة التزام قطر مع المرشح التايلندي بل هو"انتقام بأثر رجعي"من الاردن الدولة بسبب قضية وقعت قبل ثماني سنوات، وهي تصويت العضو الاردني في محكمة العدل الدولية في لاهاي القاضي عون الخصاونة لصالح البحرين في الخلاف الذي نشب بين المنامة والدوحة على الجزر التي كانت مثار تحكيم دولي صدر عام 1998 لصالح البحرين، وهي قضية تعتبر عمان ان لا علاقة لها بها كون القاضي الاردني في المحكمة تصرف حسب المعطيات القانونية لديه ولم يكن قراره بناء على رأي الحكومة الاردنية. اما المقال الذي نشرته مطلع الاسبوع الماضي صحيفة"لوس انجلوس تايمز"، فأثار غضباً خاصاً في الاردن رغم الاطمئنان الرسمي الى ان المقال انطوى على مغالطات كثيرة، خصوصا ما يشير الى شعبية الملك عبدلله. وما أثار عمان هو ورود التقرير في صحيفة اميركية تعتبر مؤثرة في الولاياتالمتحدة. اما الاشارة الى"ربط الاردن لنفسه بالولاياتالمتحدة"فتلك ليست تهمة في عمان، بل توجه معلن منذ زمن بعيد. واعتبر مسؤولون اردنيون ان المقال يأتي في اطار حملة مشبوهة على الاردن بدأت في الصحافة الاسرئيلية التي تحدثت قبل ثلاثة اسابيع عن خلافات داخل الاسرة الملكية. ورافق تلك الحملات ظهور علني متواصل للعاهل الاردني وقرينته الملكة رانيا العبدالله في زيارات ميدانية منها تناول طعام السحور في احد المطاعم الشعبية وسط عمان، تلاها"معايدة"ملكية للعاملين والمتقاعدين في الجهازين العسكري والمدني بقيمة مئة دينار اردني، وهو قرار لاقى استحساناً شعبياً كبيراً واستفاد منه 550 الف اردني بكلفة قدرت ب55 مليون دينار اردني. واثارت ندوة جريئة هي الاولى من نوعها في الاردن عن القضاء الاردني تساؤلات عن حدود جرعة النقد المباح الموجه الى السلطة القضائية التي كانت بعيدة عن كل انواع النقد او التعليق. واعتبر المشاركون في الندوة التي اقيمت في مقر حزب"جبهة العمل الاسلامي"ان القضاء الاردني"فاقد استقلاله امام السلطة التنفيذية"، فيما اشار قاضي محكمة التمييز السابق عبد الرزاق ابو العثم الى"المذابح القضائية"، مطالباً قوى المجتمع المدني بالتصدي"للفساد القضائي".