يستعد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لإطلاق"آخر خرطوشة"في المؤتمر الصحافي الذي يعقده اليوم في مقر الرئاسة الثانية في محاولة قد تكون نادرة لاستيعاب التأزم السياسي والسيطرة عليه تمهيداً لإعادة الاعتبار الى الحوار الوطني الذي يشكل مدخلاً، ولو موقتاً، للخروج من المأزق الذي يعيشه البلد في ظل اتساع رقعة الخلاف بين قوى 14 آذار وپ"حزب الله". ويراهن بري الذي لاذ بالصمت خلال الأيام الماضية، على تجاوب القوى الأساسية مع الأفكار التي سيطرحها والتعامل معها بانفتاح ومرونة، ليس لكسر الجليد بين"حزب الله"وقوى 14 آذار وعلى رأسها رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري فحسب، وانما لتحقيق فك اشتباك يفسح المجال لاعادة جدولة نقاط الخلاف والبحث عن حلول لها، مع الأخذ بالاعتبار حجم التأزم الذي تمر فيه المنطقة وانعكاساته على الساحة المحلية. ويكتفي بري بالقول رداً على أسئلة زواره حول"العيدية"التي وعد بها اللبنانيين:"عليكم انتظار المؤتمر الصحافي لتعرفوا ماذا سأقول في الوقت الذي لا أقلل فيه من حجم التعقيدات التي نواجهها والتي اعتبرها صعبة لكنها ليست مستحيلة وفي مقدورنا التغلب عليها". وعلى رغم ان بري يحاول أن يوحي، بحسب زواره، بأنه لا ينطلق من فراغ والا لما كان أقدم على مثل هذه الخطوة وانه كان في وسعه تأجيل المؤتمر ريثما تسمح الظروف بإيجاد مناخٍ مؤاتٍ لتسويق ما سيعلن عنه، فإن مصادر سياسية تعتقد بأن بري هو الآن في سباق مع الوقت وان ترك الأبواب مشرعة أمام تصاعد حدة الخطاب السياسي لن يكون لمصلحة أحد... ويضيف هؤلاء ان بري الذي لا يزال الأقدر على لعب دور إيجابي لإطفاء الحريق الذي يهدد البلد برمته في حال اشتعاله، كان باشر بتحضير الأجواء لما سيطرحه في مؤتمره الصحافي وذلك من خلال اجتماعه مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله وتواصله مع الحريري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس"تكتل التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون. ويؤكد الزوار أن بري تشاور مع السنيورة على امتداد أكثر من ساعة ونصف الساعة وان الأخير خرج مرتاحاً من الاجتماع من دون أن يفصح عن الأفكار التي تداول فيها مع رئيس المجلس. وفي هذا السياق، نقل زوار آخرون عن السنيورة قوله في مجالسه الخاصة ان لا مصلحة لأحد في استمرار الفلتان السياسي من دون ضوابط وان الحل لا يكون بتبادل الاتهامات والشتائم لأنها ستدفع الأطراف الى الشارع... وسأل السنيورة، بحسب الزوار:"الى متى نستمر في تبادل الاتهامات، وهل ان حسم الخلاف أو التباين في الرأي لا يكون الا في اللجوء الى الشارع، في الوقت الذي لا يزال ماثلاً أمامنا المشهد العراقي بمآسيه وعواقبه الوخيمة، وبالتالي من منا مع نقل هذا المشهد الى الساحة اللبنانية؟ لا أظن أن أحداً مع عراق ثان في لبنان مهما اتسعت رقعة الخلاف وتباينت الآراء". وعلى هذا الصعيد، أكدت مصادر سياسية ان بري، الذي يواصل تحضير الأجواء لإنجاح مبادرته، يرى أن المدخل للحفاظ على الاستقرار يكمن في معاودة الحوار، ولفتت الى انه لن يطرح حلولاً جاهزة أو ناجزة ولا ينقصها سوى التطبيق، وانما سيبادر الى وضع جدول أعمال يتعلق بالنقاط التي ما زالت موضع اختلاف بين اللبنانيين، اعتقاداً منه بأنه الطريق الأوحد لمحاصرة التأزم. وأكدت المصادر ان بري لا يحبّذ دخول الأطراف في صفقات ثنائية، لكنه لم يقطع الأمل في تحضير الأجواء أمام عقد لقاء بين نصر الله والحريري، لأنه يعتبره ضرورياً ولا مفر منه، لإعادة ترميم العلاقة الشخصية بينهما التي اهتزت صورتها في الآونة الأخيرة بسبب الاختلاف في المواقف السياسية من تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان. وتابعت ان البلد لن يذهب الى التأزم، مهما بلغ حجم الضغط الذي يمارسه هذا الطرف أو ذاك باتجاه التصعيد السياسي، في حال بدأت العلاقة بين الحريري ونصرالله تستعيد عافيتها. وقالت المصادر نفسها: إن تنفيس الاحتقان في الشارع بين"حزب الله"وپ"تيار المستقبل"ضروري، لأن إبطال مفعوله السلبي سيقضي على آخر"أمل"للذين يركبون موجة الصدام الشيعي - السني للترويج لنظرية النزول الى الشارع... وأضافت أن تنقية الأجواء بين نصر الله والحريري يجب ألاّ تشكل استفزازاً للعماد عون يدفعه الى اعتبارها مدخلاً لصفقة ثنائية خصوصاً ان لا نية لديهما في التفرد بالحل. ورداً على سؤال، أوضحت المصادر ان التصعيد السياسي الأخير لم يقفل الباب كلياً في وجه العودة الى الحوار، لا سيما ان الحريري بقي صامداً في دعوته الى التواصل رافضاً أي رد فعل من شأنه أن يزيد في تعقيد الوضع. وقالت إن قيادة الحزب، وان كانت صعّدت من نبرة خطابها السياسي، فإنها في المقابل لم تقل"لا"للقاء نصر الله والحريري. وأضافت أن بري سيحاول إدراج نقاط الخلاف في لائحة واحدة سعياً الى توفير الحلول لبعضها، وابقاء الباب مفتوحاً للتفاهم على البعض الآخر، حتى لو بقي عالقاً وانما من زاوية إيجاد مرجعية لمتابعة البحث فيها على خلفية ضرورة تنظيم الاختلاف وعدم السماح بأن يمتد الى الشارع. ولكن يبقى السؤال عن الموقف السوري من مبادرة بري في اتجاه إعادة التواصل بين"حزب الله"وپ"تيار المستقبل"وهل لدمشق مصلحة في الحفاظ على التهدئة؟ واذا كان الجواب بالايجاب فلماذا كل هذه الحملة على انشاء المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي تقودها شخصيات وقوى سياسية حليفة لسورية؟ وفي هذا الصدد، سألت المصادر عن أسباب اصرار شخصيات حليفة لسورية على التهديد بالنزول الى الشارع استعداداً لإبعاد الأكثرية العددية عن السلطة، وهل ما يصدر عن هؤلاء يعبّر عن وجهة نظرهم، انطلاقاً من شعورهم بأن الدور الذي يضطلع به رئيس المجلس سيقطع عليهم الطريق للعودة الى الحكومة من دون أن يكونوا على تناغم مع الموقف السوري؟ وأخيراً، لا بد من السؤال:"هل سيكون بري واثقاً بمبادرته التي سيتجاوز فيها شراء الوقت الى احياء الهدنة الإعلامية التي انهارت أخيراً، أم أن ضخامة ما ينتظر البلد فرضت عليه أن يسجل، وقبل فوات الآوان، موقفاً للتاريخ يقول فيه إنه حاول لكن تداخل العوامل الإقليمية والدولية فوت على البلد الفرصة لإنقاذه"؟