يطالب عجوز محتد وشاب متهكم ركاب حافلة النقل العمومية بپ"إخراس"رنّات الخليوي المتصاعدة بمزاجية فجة، مُشوّشة على صوت فيروز الصباحي المتهادي من المذياع. ينهى رجل أربعيني ملتح النشء المتجمهر حوله عن"إذاعة"أغاني الخليوي التي تخدش حياء"الحريم"، مُذكّراً بضرورة النأي عن"البدع"المُفسدة للذوق العام. وحده التقدم في السن يخفف من"غلواء"الهوس بالرنّات، ربما لان اصحاب العمر المتقدم يؤثرون أيضاً الأجهزة التي بلغت من العمر عتياً. تُجاري محلات الخليوي ذوق اللاهثين وراء النغمات الموسيقية التي تزاوج بين الجاز والروك وتخلط السمفونية بالكونشيرتو، فأي وَلَه يستعرضون. "حمّل أحدث النغمات للاستمتاع بأغنيتك الشبابية أو الشعبية أو الدينية المفضلة". اذاً، مظلومة هي الأغنية الوطنية التي تجافيها الرنّات حتى في وقت الأزمات ومناسبات العزة والنكبات! الشركات"المستبدة"تقنياً والمتخصصة في تطوير الأجهزة الخليوية المشغلة للموسيقى تعرف من أين يؤكل لحم الكتف، تحت ذريعة ملاقاة الميول الفردية لشباب اليوم الأقل انضباطاً من أقرانهم في سالف الزمان. وإقفال الخليويات استجابة ل"حملات التضامن"التي تنظمها جماعات حقوق الإنسان تضامناً مع معتقلي الرأي، وكذلك ممارسة"حق"الاعتراض على تسعيرة الشركات المشغلة للخليوي لم تؤت ثمارها. ولعلها ساعدت في الحد من الضجيج الآخذ بالاتساع والحدّة من حولنا، إن وجدت آذاناً صاغية! يلحّ صاحب مكتبة وادعة في وضع حدّ لتجاوزات اللاهين بالخليوي، من خلال عبارة يتيمة معلقة في مكان بارز، تستهلها كلمة"بليز"التي تفيد في التوسل والرجاء المبالغ فيه، والتتمة تذكر بإعلانات الحض على منع التدخين:"أوقفوا رنّات الخليوي". ولا تستثني الرنّات مكتبة المطالعة، فتحضر بنغماتها الهادئة التي يظن البعض أنها لا تفسد الود مع القراءة، ولا تسيء الى التركيز على فهم المعلومة. وسرعان ما تتعالى صيحات الاستنكار المنددة بالموقف، وتطالب أصحاب الذوق"الرفيع"بقفل الخليويات المتخطية لحدود الأدب. كتب شاب متحمس لرنّات الخليوي عبارة"لكم رنّاتكم ولي رنّاتي"على شاشة جهازه، على رغم القدرات المتواضعة التي يتحلى بها في"إمتاع"الجموع بأحدث النغمات المتوافرة. "سوق النغمات"المكان المفضل لتنافس المطربين عبر أحدث أغانيهم"المهدئة"للأعصاب. بات لهذه السوق مواسم عدّة، تتكرر كل سنة، لمناسبة إصدار أحدث الألبومات الغنائية وتنفرد قاعات الامتحان في الجامعة بأنها تنفذ تهديداتها، تعليماتها تحذر من العثور على الجوال في حوزة الطالب والعقوبة هي الحرمان من الفحص، ولا فرق بين الخليوي المقفل والمفتوح على استعراض رنّاته. وأحرج مسؤول"مهم"على شاشة التلفزيون السوري عند إجراء مقابلة معه أخيراً، لأن أجهزته الخليوية لم تكف عن الرنين طوال فترة الحوار، مع ان بث المقابلة لم يتم في شكل حيّ، لكن المعني بعملية المونتاج تعمد الإشارة الى"قدر"تلك الشخصية. لا ينفك المشرفون على البرامج الحوارية التي تستضيف جمهور التلفزيون عن مطالبة الحضور بإقفال هواتفهم الخليوية منعاً للفوضى أثناء إدارة الحوار. ويفضل بعضهم عدم الحضور الى استوديو التصوير مفضلاً متابعة اتصالاته الخليوية ومكالماته الشخصية. هل من جدوى لاستخدام الرقائق الإلكترونية التي تستطيع التشويش على مكالمات الخليوي في أماكن العمل والمقار الحسّاسة أو حتى في دور العبادة؟ الأرجح ان صُنّاع الخليوي يمتلكون من الخبرة والدراية ما يكفي لتطوير تقنيات تذلل مثل هذه العراقيل مستقبلاً. وما هي الحال عندما يعرض المحمول الأفلام والمسلسلات والأغاني الحصرية ويتابعها رجل الشارع أثناء مسيره أو حين جلوسه في المقهى أو صعوده في المركبات العامة، وكلٌ يغني على ليلاه؟ وهل حقاً سيحتل الخليوي مرتبة متقدمة في قائمة مصادر"التلوث السمعي"كي تناشد المنظمات المهتمة بالبيئة المستخدمين التخلي عنه؟