ما أشبه اليوم بالأمس. فقبل نحو 17 سنة كانت الضغوط منصبة على منظمة التحرير الفلسطينية كي تعترف بقرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي ينص على حق كل دولة في المنطقة في العيش في سلام وضمن حدود آمنة، وبالتالي فإن إعلان منظمة التحرير قبولها به كان سيعني اعترافاً ضمنياً على الأقل بحق اسرائيل بالوجود. واليوم بعد فوز حركة"حماس"في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وامتلاكها حق تشكيل الحكومة الفلسطينية وادارة كل من الشؤون الداخلية والخارجية للشعب الفلسطيني، تتعاظم الضغوط عليها من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي كي تعترف باسرائيل اعترافاً مباشراً واضحاً وتعلن وقف العنف تحت طائلة الاستمرار في اعتبارها"حركة ارهابية"وقطع المعونات المادية عن أي حكومة تشكلها أو تكون جزءاً منها. في الماضي ظلت منظمة التحرير، عندما كان ياسر عرفات رئيس لجنتها التنفيذية، تتجنب الاعتراف بالقرار 242 لنحو 19 سنة بعد اصداره في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1967 على أساس انه لا يذكر كلمة فلسطين او الشعب الفلسطيني بالاسم رغم مطالبته اسرائيل بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها في حرب حزيران يونيو 1967 وتشديده على مبدأ عدم جواز حيازة الاراضي عن طريق الحرب ودعوته الى تحقيق تسوية عادلة ل"مشكلة اللاجئين". كان من الطبيعي بعد الكفاح المرير الذي خاضته منظمة التحرير ورئيسها من أجل تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية والسعي الى اقامة دولة فلسطينية ان يقاوم الفلسطينيون الضغوط عليهم من اجل الاعتراف بقرار لا يذكرهم بالاسم ويصفهم ب"لاجئين"رغم انه يعني، بنصه على ضرورة احترام سيادة وسلامة أراضي كل دولة في المنطقة وحقها في العيش في سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ان حدود اسرائيل هي خطوط الهدنة الموقعة في العام 1949، أي خطوط الرابع من حزيران 1967. ولكن الضغوط استمرت بفعل تعهد وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر لاسرائيل في مذكرة اتفاق اميركي - اسرائيلي ب"عدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية او التفاوض معها ما دامت لا تعترف بحق اسرائيل في الوجود ولا تقبل بقراري مجلس الأمن 242 و338". وفي وقت لاحق اضاف الكونغرس شرطاً آخر هو ضرورة"نبذ الارهاب"قبل امكان التحدث الى المنظمة. وبدأت منظمة التحرير تجد نفسها شبه مهمشة الى ان فتحت امامها قنوات سرية في أواخر الثمانينات لتسهل عليها العثور على صيغ كلام مقبولة للأميركيين تؤمن عودة الاتصالات الديبلوماسية بين الجانبين. وأخيراً، وبعد استخدام صيغ مبهمة عديدة اعلن ياسر عرفات في جنيف يوم 13 كانون الاول ديسمبر 1988 صراحةً قبول منظمة التحرير بالقرار 242 و"نبذ الإرهاب بكل أشكاله بما فيها ارهاب الدولة". وفي اليوم التالي أعلن الرئيس رونالد ريغان ان بلاده قررت فتح حوار مع المنظمة. تلك قصة قديمة، والفلسطينيون الآن امام تاريخ جديد تصنعه اسرائيل بمفردها، من جانب واحد، بالدبابات والصواريخ والبلدوزرات وجدار الفصل العنصري وضم الكتل الاستيطانية الكبرى المقامة في الضفة الغربية وضم اراضي غور الأردن لتأتي الدويلة الفلسطينية اذا اقيمت يوماً ما ممسوخة مقطعة الأوصال مطوقة من جميع الجهات باسرائيل وغير قابلة للحياة إلا بالاعتماد التام على الدولة العبرية. هذه هي القضية الآن. قضية تاريخ جديد تصنعه اسرائيل بوتيرة محمومة ويقول وزير دفاعها شاؤول موفاز انه يشمل الانتهاء من ترسيم حدود اسرائيل النهائية في غضون عامين. في عهد الانكسار العربي الشامل تضم اسرائيل 40 في المئة من مساحة الضفة. والى مشهد الانكسار المذل هذا تدخل"حماس"الى الحكم. فهل ستستمر في مناكفة حركة"فتح"ومنافستها على تولي سلطة مفلسة مالياً أم ستسعى الى ان تكون لاعباً معترفاً به دولياً لتساهم وهي في الحكم في انقاذ ما يمكن انقاذه من وطن تقضم اسرائيل مضغة منه كل يوم؟ واضح ان المقاومة خيارها الاستراتيجي، وهو ما اعلنه رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل مثلما تشكل المقاومة خيار"حركة الجهاد الاسلامي"كما اعلن القيادي فيها خالد البطش.