تروج خلال شهر رمضان المقابلات التلفزيونية مع نجوم الفن في العالم العربي الى حد ان كثيراً من النجوم يغيب خلال السنة كلياً أو جزئياً عن برامج الحوار ليظهر في هذا الشهر في هذا البرنامج أو ذاك، بحسب أهميته، ومستوى النجوم الذين ينزلون فيه، بل بحسب الضجة الإعلامية التي يثيرها والحملة الإعلانية التي ترافقه. فالبرنامج الذي يجري تقديمه للجمهور في اطار جيد هو الذي يكتسب حضوراً جيداً في ساحة الجدل والأخذ والرد والكامخ بينهما. أما البرنامج الذي لا يحظى بمتابعة اعلامية واعلانية فمهما كان جيداً ولائقاً فإنه لا يغادر مساحة عابرة من الاهتمام لدى الناس. أي ككل أمر تلفزيوني مسلسلات، تسالي... الخ خلال رمضان، ما يركّز عليه ينل نسبة عالية من المشاهدة، وما تُبْعَد عنه الاضواء التسويقية... يعش أبد الدهر بين الحُفَر! على أن أكثر ما يتم الضخ عليه في المقابلات التلفزيونية هو الجوانب الانسانية، وأكثر ما يرغب المذيعون والمذيعات رؤيته هو... الدموع في عيون الفنانين، وأكثر ما يطلب الفنانون إظهاره هو... الاخلاقيات. واذا كان من حق أي برنامج تلفزيوني ان يختار الخط الذي يراه مناسباً لاكتساب مكان عند الجمهور، وأغلبها يختار الانسانيات، فإنه ليس من حق أي مقدم او مقدمة برنامج اعتبار دموع الفنانين هدفاً في ذاته يجب السعي اليه بكل الوسائل المألوفة وغير المألوفة، وحين لا يبكي الفنان، لا يتورع احدهم مثلاً عن أن"يفرم"له بعض البصل خلف ديكور الاستديو فيبكي مرغماً! اما الاخلاقيات التي يعتقد بعض الفنانين انها الاكثر اثارة لعواطف الناس فهي، وان تكن أثيرة لدى الكثيرين، تكاد تتحول قناعاً سيئاً يعتمد الفنانون عليه في تورية حقيقتهم وتعمية المواقف الصعبة التي يمرون بها... وطالما كانت مكشوفة. ويمكن في بعض المقابلات التلفزيونية ان يشعر المشاهد بتواطؤ بين مقدم البرنامج وضيفه او ضيفته لدى إثارة موضوع عائلي او عاطفي. والتواطؤ يبلغ من التمادي حد ان المقدم نفسه احياناً يبدي تأثراً موازياً فيطلب قطع الحلقة في هذه اللحظة بالذات إما لأن الفنان لم يعد قادراً على متابعة الكلام في الموضوع المطروح، وإما لأن الفنان نفسه طلب القطع، واما لأن المقدم وجد قطع الحلقة مناسباً لالتقاط الأنفاس. وليس صعباً على المشاهد معرفة الموقف على حقيقته: هل هو تمثيلية ام واقع مجرد ام مزيج من التمثيل والواقع مع بعض البهار الذي قد يجده المذيع يضيف"نكهة"معينة على حلقته... على ان الاطار العام المبني على الأدبيات التي تكاد تكون"أسطورية"احياناً، والذي يصر ويحرص الفنانون على ابدائه والتصرف من خلاله في المقابلات الرمضانية، هو الذي ينتابه تضخم ومغالاة حتى ليمكن القول ان الذين نشاهدهم ما هم إلا... مرسلون للفن نذروا انفسهم من اجله ومن اجل الجمهور، وما الذي يتحدثون به إلا الصدق الكامل الذي لا يأتيه باطل من خلفه ولا من امامه، وما الآراء التي يطرحونها الا الحقائق الأزلية التي ما كان لغيرهم ان يدركها. فكأن المقابلة الرمضانية تستدعي فيهم الصورة المثالية التي لا يستطيعون ان يجسّدونها بالفعل في حياتهم فيحاولون تجسيدها... بالكلمات وبالإيحاء للمشاهدين انهم هم الصورة بشحمها ودمها، وما قولهم وفعلهم الا تعبير عن ذلك. وثمة غيرة تفعل فعلها في نفوس بعض الفنانين الذين يتبارون في الاقتراب من الصورة المثالية في برامج التلفزيون، فاذا اقترب واحدهم بنسبة معينة منها، سعى الآخر الى اقتراب اكبر، وحاول الثالث اقتراباً اكثر حميمية... وهكذا حتى يبلغ المشاهد نهاية شهر رمضان التلفزيوني وقد أُتخم من المثاليات... المفضوحة. بين دموع الفنانين التي تجري مدراراً في برامج الحوار، والمثاليات في مواقفهم، تعيش المحطات الفضائية شهراً من الكلام مع... بائعي الكلام!