لعلها المرة الأولى التي يأتي فيها شهر رمضان حاملاً في جعبته ليس فقط مسلسلات وفوازير ومقالب ومسابقات، بل نوعاً من الإنصاف للمرأة العربية، أو لنقل رؤية مختلفة لها، خارج الإطار التقليدي. وبغض النظر عن تحول الشهر الفضيل مناسبة درامية، أو فرصة للبيزنس الإعلاني، أو حتى مجرد مضيعة لوقت الصائم، وما يثير ذلك من سجالات، جاء التلفزيون الرمضاني هذا العام ليقدم نموذجاً «جديداً» للمرأة العربية. فبدلاً من اقتصار دور المرأة على ثلاثة أنماط، تغيرت صورتها هذه المرة. فقد اعتاد المواطن العربي أن يراها عبر الشاشة الرمضانية إما في صورة بطلة مسلسل مكسورة الجناح قليلة الحيلة معدومة القدرة، وإما على هيئة «سنيدة» (كومبارس) بدور المرأة القوية التي يزدريها كل من حولها لخروجها على المألوف، وإما في دور سيدة الفوازير التي ترقص وتقفز وتستعرض... بحثاً عن حل للفزورة. هل رمضان هذا العام يشحذ همة المشاهد على متابعة امرأة عربية في حلة جديدة؟ إعلانات ضخمة في كل مكان تحمل وجهاً نسائياً جميلاً، ولكنه صارم، ملامحه تقول: «ليست كل جميلة غبية»! هو وجه المذيعة الفلسطينية - الإيطالية رولا جبريل التي تطلّ على المشاهد الرمضاني في برنامج حواري جريء اسمه «باب الشمس». تقدم جبريل شكلاً غير مألوف للمذيعة العربية، فالجرأة في الحوار وطرح الأسئلة و «الشراسة» في إجبار الضيف على الرد... كلها سمات غير منتشرة بين المذيعات العربيات. ومشاهدون كثيرون أبدوا إعجابهم بأسلوب جبريل: «لم نعتد أن تجمع مذيعة بين الجمال والحرفية والثقافة العالية، وقد تعودنا على غياب الحرفية والثقافة بوجود الجمال، والعكس صحيح، ولكنها تجمع بين الاثنين». وعلى رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تطل فيها زميلتها المصرية لميس الحديدي في رمضان، وهي المعروفة بجديتها وثقافتها أيضاً، ترسّخ الصورة «الجديدة» هذا العام، فكرة الجدية والصرامة التي لم تعد حكراً على المحاورين الذكور. اللافتات الضخمة التي تظهر وجه الحديدي وهي تنظر نظرة تحدٍ وإقدام في إعلان برنامجها «فيش وتشبيه»، جاءت مذيلة بعبارة «مين يقدر على لميس الحديدي؟!» حتى المذيعة الجميلة المتخصصة في تقديم البرامج الخفيفة هبة الأباصيري ظهرت ب «لوك» أمني عابس، في برنامجها الاستجوابي «مذيعة من جهة أمنية». وعملية استجواب الضيف في استوديو أشبه بسجن مسيّج مع كلاب بوليسية وحراس أشداء، تُظهر الأباصيري، وهي ترتدي زي الشرطة، في صورة المحقق المستبد. وهذه أيضاً صورة غير مألوفة للمذيعة المعروفة بابتسامتها ورقتها، وقررت أن تتحدى السائد. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى الممثلة العربية التي درجت أن تكون امرأة لعوباً أو مكسورة الجناح، الفنانة إلهام شاهين التي نقضت المألوف من خلال دورها في مسلسل «علشان ماليش غيرك» الرمضاني. فهي تلعب دور امرأة تتحدى الهيمنة الذكورية غير المبررة على المجتمع، وتحاول أن تثبت وجودها وقدرتها على إدارة الأمور بنفسها. وتقدم شاهين نموذجاً قلما عرف طريقه إلى الشاشة لامرأة تجد نفسها مسؤولة عن أسرتها، وفي الوقت ذاته يحاربها الكل دفاعاً عن السلطة الذكورية. ويتطرّق المسلسل إلى قضايا كانت تُطرح فقط في أروقة الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة. فعلى سبيل المثال، يتناول رفض المجتمع المصري فكرة أن تحكمه امرأة، سواء كمدير في العمل أم في منصب قيادي أم في أي من المناصب التي يحتكرها الرجال. احتكار الرجل لأدوار الشخصيات الخارقة التي تفعل كل شيء في الأعمال الدرامية كسرت حلقته المفرغة منذ سنوات الفنانة يسرا، والتي تعاود هذا العام تقديم دور جديد من أدوار «المرأة الخارقة» التي ألفناها فيها في الأعوام القليلة الماضية. ولكن مصدر القوة هنا ليس بدنياً، ولكن في مقاومة الشر وفساد الأخلاق. ف «الدكتورة شريفة» طبيبة أمراض نفسية «خارقة»، محمّلة بمشاكل الدنيا والآخرة في حياتها الخاصة، ولكنها لا تتوقف عن عطائها لكل من حولها من أسرتها أو مرضاها أو العاملين معها. حتى الشكل المعتاد للفوازير وبرامج المسابقات التي تقدمها فنانات ومذيعات ناعمات وجميلات... تقلص هذا العام، وحل محله «المفتش كرومبو» و «خالتي بايرة الخاطبة»، وهي أعمال كرتونية. وعلى رغم ركود البرامج الخبرية وهمود نشرات الأخبار خلال هذا الشهر، من المفارقة أن يكون الخبر الذي جذب كثيرين إلى ما تبقى من برامج ذات صفة إخبارية أو تحليلية عودة «المرأة الحديد» أو سيدة الأعمال المصرية هدى عبدالمنعم إلى مصر بعد هروب دام نحو 22 عاماً في اليونان بسبب قضايا فساد. وقد اكتسبت هذا اللقب نظراً إلى حجم الارتكابات التي اقترفتها بحنكة وجرأة سمحتا لها ب «الارتقاء» إلى مكانة عالية في هرم الفساد الذي يسيطر عليه الرجال. وسواء أكان المسيطر على المحتوى الرمضاني هذا العام الدراما أم البرامج أم المقالب، قدّم رمضان التلفزيوني رؤية مغايرة للمرأة، حتى ولو حصل هذا بمحض صدفة، ولكن رب صدفة لتغيير صورة المرأة تلفزيونياً خير من ألف تخطيط مسبق.