سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نابلس تحظى بالحصة الأكبر من الحواجز تليها الخليل في حين تخضع القدس إلى إجراءات عزل أشد . إسرائيل تقسم الأرض الفلسطينية إلى "فسيفساء أمنية" : 528 حاجزاً وجداراً وبوابات تقسم الضفة وتعزلها
عندما اندلعت الانتفاضة عام 2000، اغلقت السلطات الاسرائيلية الطريق المؤدية من قرية الخضر قرب بيت لحم الى اراضي القرية الزراعية بأكوام من الاتربة والصخور. لكنها مع مطلع الاسبوع الجاري، حوّلت هذا الاغلاق الى حاجز عسكري وبوابة تفتح في ساعات محددة في النهار، لتعزل خلفها الأرض و30 عائلة من القرية تقطن في حقولها، مصدر عيشها. وعلت الدهشة وجوه العشرات من اهالي القرية الذين اعتصموا اول من امس على مدخل قريتهم وهم يتساءلون عن مبرر فصلهم عن ارضهم باجراءات شبيهة بتلك التي تؤخذ على الحدود بين الدول. لكن دهشتهم هذه لن تدوم اذا ما عرفوا ان هذا الاجراء جزء من ساسية اسرائيلية رسمية لتحويل كل منطقة سكنية في الضفة الغربية الى منطقة شبه حدودية يوضع على مدخلها حاجز أو بوابة تنظم حركة المرور منها واليها. وبدأت اسرائيل سياسة عزل التجمعات السكانية في الاراضي الفلسطينية منذ الاسابيع الاولى للانتفاضة في أيلول سبتمبر عام 2000، وذلك ضمن سياسة"العقاب الجماعي"التي رمت من ورائها الى كسر هذا التحرك الشعبي الواسع الذي تفجر عقب فشل مفاوضات"كامب ديفيد". لكن هذا العقاب الذي وصفه اكثر من منظمة دولية بأنه يهدف الى تحويل حياة الفلسطينيين الى"جحيم يومي"، بدأ اخيرا يأخذ منحى السياسة الفعلية الرامية الى فصل الفلسطينيين عن ارضهم وتحويل تجمعاتهم الى ما يشبه المعازل الامنية لتسهيل السيطرة عليها. وبدأت عملية العزل غير المعلنة هذه بصورة فعلية منذ خطة الانسحاب الاحادي الجانب من غزة في أيلول العام الماضي. وتناولت في المرحلة الاولى تجمعات سكنية في مناطق ذات حساسية ديموغرافية وجغرافية عالية. ففي الاغوار، وهي المنطقة التي تتميز باتساع ارضها وقلة عدد سكانها، عزلت السلطات جميع قرى وبلدات المنطقة الواقعة شمال مدينة اريحا بحاجز عسكري يمنع دخول كل من لا يحمل بطاقة هوية تدل على انه من سكانها، وهو اجراء غير مسبوق في الاراضي الفلسطينية. وفي المناطق القريبة من المستوطنات، جرى عزل قرى وبلدات عديدة بواسطة اسيجة ممتدة على مسافات طويلة تصل الى عشرات الكيلومترات مثل منطقة سلفيت القريبة من"الخط الاخضر". وفرضت السلطات قيودا شديدة على حركة سكان هذه القرى والتجمعات، من بينها تحديد ساعات معينة اثناء النهار للخروج والدخول. وترافقت هذه العملية مع استكمال عزل تجمعات سكنية لم يطاولها العزل في السابق. ويقول مسؤولو الاممالمتحدة العاملون في الاراضي الفلسطينية ان اسرائيل زادت عدد الحواجز العسكرية في الضفة بنسبة 40 في المئة منذ آب اغسطس الماضي، مشيرين الى ان هذه الحواجز عزلت وراءها تجمعات سكنية جديدة. واحالت الحواجز العسكرية حياة الفلسطينيين الى جحيم حقيقي، فالتنقل من مدينة الى اخرى يستدعي اجراءات سفر تزيد في تعقيداتها عن تلك المتبعة بين الدول، والقادم من قرى وبلدات نابلس الى مدينة رام الله التي لا تبعد عنه اكثر من 60 كيلومتراً، يضطر لمغادرة بيته عند الثالثة فجرا من اجل الحصول على موقع مناسب امام الحاجز العسكري. وقال مدير لجنة الانتخابات في طوباس محمد ابو محسن انه يستعد للقدوم الى رام الله، كما لا يستعد للسفر الى دولة في اوروبا. وكانت اسرائيل اعادت اخيرا تشغيل الحاجز العسكري الفاصل بين رام الله وسط الضفة وباقي مدن الشمال وحولته الى ما يشبه المعبر الحدوي. واقامت ايضا بوابات على العديد من الطرق التي يستخدمها المستوطنون والجيش. وحسب تقرير مكتب الاممالمتحدة في القدس، فان عدد الحواجز العسكرية في الضفة وصل إلى 528 حاجزاً. وقال التقرير الذي اعلنه اول من امس رئيس مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة اوتشا ديفيد شيرير في مؤتر صحافي في القدس ان الحواجز العسكرية تقسم الضفة الى ثلاثة مناطق كبيرة، شمال ووسط وجنوب، وتحول التجمعات في تلك المناطق الى جيوب يصعب تنقل المواطنين بينها. وأكد المسؤول الدولي جازماً:"هذه الاغلاقات ادت الى فصل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، خصوصا في نابلس والقدس وغور الاردن"، موضحاً ان اسرائيل قامت في الاشهر الثلاثة الماضية بتدعيم عملية الفصل هذه. وقال ان نظام الاغلاق الذي تستخدمه اسرائيل في الاراضي الفلسطينية هو"السبب الرئيس للكارثة الانسانية في هذه الاراضي لأنه يحول دون وصول الناس الى الخدمات الاساسية كالصحة والتعليم ويمنعهم من الوصول الى اراضيهم والتوجه الى اماكن عملهم واماكن عباداتهم". واضاف:"يمكن ملاحظة الاستمرار في تشديد فرض القيود على تنقل المواطنين في المحافظات الشمالية وسكان نابلس الى بقية مدن الضفة"، مشيرا الى الأثر السلبي لهذه الاجراءات على حركة تنقل المواطنين الذين يجبرون على الابتعاد عن الطرق الرئيسية التي يستخدمها الاسرائيليون. وحظيت نابلس شمال الضفة التي تصفها اسرائيل ب"مركز الازعاج الدائم"، بالحصة الأكبر من الحواجز العسكرية ثمانية حواجز تحيطها كما يحيط السوار بالمعصم. وقال التقرير الدولي ان هذه الحواجز المحيطة بمحافظة نابلس تؤثر على حياة نحو 216 ألف مواطن في المحافظة. ويحظر الجنود في هذه الحواجز على اهالي نابلس ممن تتراوح اعمارهم بين 16 و36 عاماً المرور. وربما جاءت مدينة الخليل التي تضم حياً استيطانياً يسكنة غلاة المستوطنين الذين لا يخفون مطامعهم في الحرم الابراهيمي في المدينة، بالموقع الثاني في عدد الحواجز والاغلاقات التي تتعرض لها. وقال التقرير الدولي ان الاغلاق المتكرر للمدينة يحول دون وصول المنظمات الانسانية الى المدينة لتقديم المساعدات الى ذوي الحاجة. وتخضع مدينة القدس التي تعتبرها اسرائيل"عاصمتها الابدية"، الى اجراءات فصل من نوع آخر اكثر شدة حيث يمنع دخول باقي سكان الضفة والقطاع اليها الا بعد حصولهم على تصريح خاص، وهو ما يبدو مستحيلا للغالبية العظمى منهم. وتعزل السلطات المدينة في جهاتها الاربع عبر حواجز حولتها اخيرا الى نقاط عبور شبه دولية. وتقع هذه النقاط في كل من مستوطنة"غيلو"ومخيم قلنديا ومنطقة رأس ابو سبيتان ومخيم شعفاط. وعزل الجدار الجاري اقامته حول المدينة، نحو 58 الفاً من سكانها الفلسطينيين، الامر الذي يعتبره اهالي المدينة مقدمة لترحيلهم نهائياً عن مدينتهم. وتشير التقارير المتطابقة الى ان اسرائيل اكملت بناء نحو 60 في المئة من الجدار. وقال تقرير الاممالمتحدة الاخير إن طول الجدار يصل الى 703 كيلومترات، تم استكمال بناء 406 كيلومترات منه. ويضم الجدار 10 في المئة من مساحة الضفة. وفي بيت لحم، مهد السيد المسيح التي يؤمها الحجاج من بقاع الارض كافة، اتخذ عزل المدينة شكلاً آخر، إذ اقيم على مدخلها مركز حدودي لا يكتفي بفحص الركاب، بل يشمل السيارات والباصات ايضا، ما يعيق حركة المرور بصورة كبيرة. ويرى محافظ المدينة وأهلها ان الهدف من اجراءات الفحص المعقدة التي تشمل كل جزء في الباصات والسيارات، خصوصاً تلك التي تجلب السياح، وسيلة لحرف اتجاه السياحة عن المدينة ونقلها الى مناطق في اسرائيل.