وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    يوم مجيد لوطن جميل    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    بلادنا مضرب المثل في الريادة على مستوى العالم في مختلف المجالات    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة في عامها الرابع تواجه اخطر تحدياتها ... الجدار الفاصل 2من2
نشر في الحياة يوم 30 - 09 - 2003

في الحلقة الثانية والاخيرة عن الذكرى الثالثة للانتفاضة، تتابع "الحياة" الخطط الاستراتيجية التي تنفذها الدولة العبرية في القدس وجنين والخليل بهدف حسم الصراع على ارض الواقع، كما ترصد انعكاسات هذه الخطط على حياة المواطنين والمدن الفلسطينية، خصوصا في ضوء مخاطر بناء "الجدار الفاصل" والتوسع الاستيطاني وشق الطرق الالتفافية، وما يتضمنه ذلك من مصادرة اراضي الفلسطينيين وهدم المنازل والطرد الصامت للسكان. وفي الوقت نفسه، يتم التطرق الى انعكاسات الانتفاضة على حياة الاسرائيليين، والتي اختزلها مراقبون اسرائيليون بهذا التوصيف: "ترد اقتصادي وامني وسوداوية مفرطة". وكانت الحلقة امس قدمت بيانات واحصاءات عن الانتهاكات الاسرائيلية خلال ثلاث سنوات من الانتفاضة، شملت قضايا الجدار والاستيطان والحواجز والشهداء والاسرى، اضافة الى السوابق الاسرائيلية التي سجلت خلال هذه الفترة.
القدس ومخطط تهويد
مع انهاء الانتفاضة عامها الثالث، لا تبدو الاوضاع في القدس افضل حالاً مما كانت عليه قبل اندلاعها عشية الجولة الاستفزازية لباحات المسجد الاقصى التي قام بها زعيم المعارضة الاسرائيلية آنذاك ارييل شارون، الرئيس الحالي للحكومة الاسرائيلية.
كانت حصيلة المواجهة الاولى بين الفلسطينيين واسرائيل في ما عرف ب"انتفاضة الاقصى"، سقوط خمسة شهداء في باحات الحرم، اثر تصدي آلاف المصلين لقوات كبيرة من الشرطة الاسرائيلية بعد اقتحامها باحات الحرم وشروعها باطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاط والحي. وامتدت المواجهات الى خارج بوابات الحرم، فسقط شهيدان اخران.
ومن النتائج المباشرة لمجزرة الاقصى قرار الاوقاف وقف برنامج السياحة الاجنبية للحرم المعمول به منذ عشرات السنين، بما في ذلك حظر دخول اليهود. هذا القرار أثار حفيظة الاسرائيليين على مدار السنوات الثلاث الماضية، وتشكلت في اعقابه مجموعات ضغط متطرفة دفعت الحكومة الاسرائيلية أواخر تموز يوليو الماضي لاتخاذ قرار بإعادة العمل بالبرنامج رغماً عن الاوقاف ومن دون تنسيق مع مسؤوليها، مما أثار مجدداً مخاوف المقدسيين من المخاطر الجديدة والجدية التي يتعرض لها الاقصى، خصوصاً بعد الكشف أخيراً عن تنظيم ارهابي يهودي خطط افراده لتفجير المسجد.
عزل القدس عن محيطها
ومن تداعيات انتفاضة الأقصى اغلاق مدينة القدس وعزلها كلياً عن سائر الأراضي الفلسطينية. هذا العزل اتخذ اشكالاً عدة أبرزها:
اقامة 4 حواجز دائمة على نقاط العبور المؤدية الى القدس خارج الحدود البلدية المصطنعة للمدينة، واقامة اكثر من عشرة حواجز ثابتة ايضاً وأخرى متحركة على مداخل الاحياء الواقعة داخل هذه الحدود.
منع مواطني الضفة وغزة من دخول القدس، ما ادى الى انعكاسات اقتصادية واجتماعية وانسانية.
تكثيف الانشطة الاستيطانية في محيط القدس، خصوصاً في المستوطنات القائمة مثل "معاليه ادوميم" شرقا و"بسغات زئيف"، و"نيفي يعقوب" شمالا، و"جبل ابو غنيم" جنوبا، و"جفعات زئيف"، و"نيفي صموئيل"، و"هارادار" شمال غربي القدس. ولاغراض التوسع الاستيطاني، صودر اكثر من 20 ألف دونم، وتم بناء اكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية جديدة وفق معطيات دائرة الخرائط التابعة ل"بيت الشرق".
اقامة شبكة من الانفاق والجسور كما هي الحال شرق المدينة المقدسة في منطقة جبل الزيتون وعلى أراضي العيسوية. وساهمت هذه الشبكة في ربط مستوطنات شرق القدس بمركز المدينة، في حين عزلت أحياء بأكملها عن بعضها بعضاً، كما هي الحال في الزعيم والطور، وكرست عزل المدينة عن امتدادها الطبيعي والديموغرافي في رام الله وبيت لحم.
من النتائج المباشرة للانشطة الاستيطانية ازدياد اعداد المستوطنين في المستوطنات ال15 المقامة على أراضي المقدسيين، لتصل الى نحو 200 ألف مستوطن، بعدما كانوا لا يتعدون ال180 ألفاً.
لم يكتف الاسرائيليون بعزل القدس عن محيطها في الضفة، بل اقاموا عازلاً آخر من الاحياء الاستيطانية بين بلدتها القديمة والأحياء المتاخمة للقدس، مثل الحي الاستيطاني في رأس العامود والمسمى "معاليه هزيتيم"، وهو لا يبعد عن المسجد الأقصى هوائياً سوى 200 متر.
عزز الاسرائيليون سيطرتهم على احياء اخرى في القدس من خلال الاستيلاء على مزيد من العقارات في حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة، حيث استولوا على خمسة عقارات، وعقار سادس في شارع نابلس.
اما داخل اسوار المدينة المقدسة، فارتفع عدد البؤر الاستيطانية التي يقيم فيها مستوطنون الى نحو 65 بؤرة يقطنها اكثر من ألف نسمة، وحول المستوطنون بعضها الى مدارس تلمودية وكنس.
كان اخطر الإجراءات لعزل القدس خلال الانتفاضة اقامة ما يسمى ب"جدار الفصل العنصري" على ما مساحة 17 كيلومتراً من أراضي المدينة المقدسة، انجز منه حتى الآن ما مساحته ثمانية كيلومترات، خصوصاً في المقطع الشمالي ابتداء من قرية جبع شمال شرقي القدس وحتى قرية رافات شمال غربي المدينة الى الغرب من حاجز قلنديا. ويجري العمل في المقطع الجنوبي على أراضي المواطنين في صور باهر، وجبل المكبر والسواحرة الشرقية وابو ديس جنوب شرقي المدينة، في حين شُرع بإقامة شارع الطوق الشرقي الذي يسير في موازاة المقطع الجنوبي الشرقي من "جدار الفصل".
واستغل الاسرائيليون احداث الانتفاضة وما تخللها من مواجهات دامية للنيل من المؤسسات المقدسية، ففي آب اغسطس 2001، صدرت قرارات عن وزير الشرطة الاسرائيلية تقضي باغلاق "بيت الشرق" وجميع المؤسسات الخدماتية المنبثقة عنه. وتوالى اغلاق المؤسسات ليصل مجموعها الى 23 مؤسسة وفق معطيات الشرطة التي بررت الإغلاق بمخالفة هذه المؤسسات القانون الاسرائيلي وعلاقتها بالسلطة.
وارتفعت خلال أحداث الانتفاضة وتيرة هدم منازل المقدسيين لتصل وفق معطيات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الى نحو 310 منازل، منها 104 منازل هدمت منذ مطلع العام، و123 منزلاً العام الماضي، و83 منزلاً عام 2001. وتتحدث مصادر بلدية القدس الغربية عن وجود ما مجموعه 6000 وحدة سكنية شيّدها المقدسيون من دون ترخيص، وعليه فهي مهددة بالهدم، بينها مئات سُلم أصحابها إخطارات هدم ادارية.
وتزامنت عمليات الهدم هذه مع مصادرة مساحات واسعة من أراضي المواطنين كانت آخرها مصادرة اكثر من 500 دونم من أراضي المواطنين في بلدات صور باهر والسواحرة الشرقية وابو ديس، ونحو 1200 دونم من أراضي ثلاث قرى شمال غربي القدس، في حين صودق نهائياً على مصادرة 12400 دونم من أراضي بلدات العيزرية والزعيم والطور والعيسوية وعناتا بغرض اقامة منطقة صناعية ومجمعات سياحية وفنادق.
في مقابل ذلك، تواصلت عمليات الطرد الصامت للمقدسيين من خلال ما عرف بسياسة سحب الهويات، او اسقاط حق الإقامة الدائمة عن الأسر المقدسية التي تقطن خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس. وخلال سنوات الانتفاضة الثلاث اسقط حق الإقامة عن نحو 270 مواطناً مقدسياً وفق معطيات وزارة الداخلية.
كما تشدد الاسرائيليون في اجراءات منح الموافقة على طلبات لم الشمل التي قدمها مقدسيون، وأدت موجة العمليات التفجيرية التي شهدتها اسرائيل، خصوصاً في مدينة القدس الى قرار عام 2002 بتجميد النظر في طلبات لم الشمل، ما ألحق كبير الضرر بأكثر من ستة الآف اسرة مقدسية تنتظر الحصول من وزارة الداخلية على موافقة على طلبات لم الشمل المقدمة اليها، وألحق الاسرائيليون هذا الاجراء بقانون وصفته اوساط قضائية دولية وحتى اسرائيلية، بأنه "قانون عنصري" يحظر منح الجنسية لمن كان أحد والديه فلسطينياً.
وسجلت خلال سنوات الانتفاضة انتهاكات اسرائيلية جديدة لحقوق الفرد تمثلت في حرمان ابناء الديانتين المسيحية والاسلامية من زيارة الاماكن المقدسة، سواء كنيسة القيامة او المسجد الاقصى. وتشمل الانتهاكات اعتقال رجال دين بارزين بتهم متفاوتة.
وأثرت الانتفاضة اقتصادياً واجتماعياً وانسانياً على المقدسيين في النواحي التالية، اذ ازدادت معدلات البطالة في صفوف المقدسيين لتصل حالياً الى اكثر من 45 في المئة وفق دائرة الاحصاء التابعة لوزارة الرفاه والعمل الاسرائيلية، وبالتالي ازدياد معدلات الفقر الى نحو 80 في المئة، وهو رقم قياسي لم يسبق ان سجل.
وأدى الحصار المفروض على القدس منذ عام 1993 وعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني بداية الانتفاضة الى حرمان القطاعات الصحية والتعليمية من طواقمها المهنية التي تشكل ما نسبتة 75 في المئة من الطواقم التي تدير المشافي والمدارس. واضطرت مستشفيات القدس لاحقاً الى التعامل مع صناديق المرضى الاسرائيلية لتغطية العجز المالي الذي بدأت تواجهه على نحو غير مسبوق بسبب منع مواطني الضفة من الوصول الى القدس لتلقي العلاج. وتأثرت البلدة القديمة على نحو خاص بهذه الاغلاقات والحصار، فأغلقت العشرات من المحال التجارية أبوابها حتى وصل عدد المحلات المغلقة الى اكثر من 220 محلاً.
واعتقل خلال الانتفاضة ما مجموعة 266 أسيراً، من بينهم 83 طفلا، اضافة الى 7 اسيرات وفقاً لمعطيات وزارة شؤون الاسرى في رام الله. ويزيد عدد المقدسيين الذي اعتقلوا لفترات متفاوتة عن 1200 معتقل.
جنين ... جنين : حجم المقاومة بحجم الظلم
تنتصب مدينة جنين ومخيمها بشموخ يحاكي الاساطير، يرافقه جرح غائر واحساس عميق بظلم الاحتلال ربما لم تعان منه اي بقعة اخرى في الاراضي الفلسطينية. ثلاث سنوات مرت على الانتفاضة وبقيت جنين، المدينة والمخيم، تشتعل بجذوة المقاومة المسلحة وتدوس مكابرة على الجراح رغم الالم.
لم تبدأ جرائم الاحتلال الاسرائيلي في المجزرة الرهيبة التي طاولت الانسان والمكان معاً في نيسان ابريل عام 2002 ولم تنته طبعا عنده. وعندما سألت "الحياة" قدروة فارس، أحد أبناء المدينة، "لماذا جنين وهذا الحجم من المقاومة والتحدي؟"، رد: "انه حجم الظلم" الذي وقع عليها منذ احتلالها عام 1967.
الاحتلال تسلم مشفى جنين في عام الاحتلال هذا ب64 سريرا. وفي عام 1993 عندما انسحب الاحتلال من جنين، كان في المشفى نفسه 54 سريرا لمحافظة بلغ عدد سكانها في ذلك الوقت 120 ألف نسمة. واليوم تضاعف عدد سكان المحافظة ليصل الى 220 ألف نسمة في حين لم يتغير عدد الأسرّة. ومنذ بداية الاحتلال الاسرائيلي، رفضت سلطته السماح للمواطنين ببناء او اقامة كلية تعليم ما فوق التوجيهي، سواء كلية مجتمع أو جامعة.
ويبلغ عدد سكان محافظة جنين 285 الف نسمة، موزعين على 63 تجمعا سكانيا. ويعيش في المدينة ومخيمها 50 ألف مواطن قتل منهم منذ بدء الانتفاضة حتى الآن 322 شهيداً، من بينهم 48 طفلاً!
وبالاضافة الى عمليات الاغتيال والقتل الجماعي التي طاولت 58 فلسطينيا خلال اقتحام المخيم وحصاره خلال عملية "السور الواقي" في ربيع العام الماضي، اغتالت قوات الاحتلال من خلال القصف الجوي او المدفعي او تفخيخ السيارات او الاغتيالات التي نفذت بواسطة "القوات الخاصة" المستعربين، 28 فلسطينياً آخر من ابرز القيادات العسكرية والسياسية.
واصيب اكثر من 3850 فلسطينياً بالرصاص والقصف الاسرائيلي الذي لم تستثن من ادواته ووسائله طائرت ال"اف 16" المقاتلة. من بين هؤلاء الجرحى اصيب 400 بإعاقات جسدية تحتاج الى سنوات طويلة من العلاج و150 بإعاقات مدى الحياة.
ومن بين نحو 6000 معتقل وأسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية يقبع 1450 فلسطينياً من محافظة جنين لوحدها. ومنذ الانتفاضة ايضا اعتقل وافرج عن اكثر من 7000 "جنيني" في بحر ثلاث سنوات.
وبلغ عدد المنازل التي دمرت منذ بداية الانتفاضة 450 منزلا في المخيم وحده حيث تم "محو" حي بأكمله من الوجود وتحول الى ركام وغبار. وشرد 3500 فلسطيني خارج مخيمهم بسبب الدمار الذي الحق بمنازلهم، بالاضافة الى 220 بيتاً في المدينة ذاتها و150 منزلاً آخر في القرى والريف في المحافظة.
ولا يتحدث اهالي المخيم عن "عدد أيام" حظر التجول الذي فرض عليهم في السنوات الثلاث الماضية. فالدبابات والدوريات العسكرية لم تغادر المنطقة منذ الثالث من نيسان العام الماضي. والوجود المكثف للجنود في الشوارع يفرض بطبيعته ايقاعاً خاصاً لحياة المواطنين فيها، فحتى طلاب المدارس الذين يخرجون الى مدارسهم في الصباح، يقفلون راجعين فوراً الى منازلهم خوفاً من جنود الاحتلال. وقد حرم أكثر من 14 طالباً من الدراسة في مدينة نابلس المجاورة بعد ان تحولت جنين الى سجن محاصر، علماً ان مساحة المدينة مع مخيمها لا تتجاوز 5،7 كيلومتر مربع.
والحصار لا يقتصر على المظاهر العسكرية والحواجز المقامة على مداخل المدينة، بل يتعداه الى مسار "جدار الفصل العنصري" الذي بدأ الجيش الاسرائيلي ببناء مرحلته الثانية الممتدة على طول غور الاردن حتى سالم شمالا. ويقدر المواطنون المنطقة التي سيبتلعها الجدار من اراضيهم في منطقة جنين لوحدها بين 45 ألفاً الى 50 ألف دونم من الارض، يضاف اليها 70 الف دونم يبتلعها الجزء الممتد ما بين سالم الى مجدو الى باقة الشرقية حيث تتصل الحدود ما بين طولكرم وجنين. ويبتلع الجدار "احراش ام الريحان"، الاحراش الصيفية الوحيدة فلسطين الى خارج الجدار، اضافة الى تدمير مئات المزارع والاشجار والآبار.
أما عيادة العلاج النفسي الوحيدة، فباتت تغص بالمرضى الذين اضطربت مشاعرهم واحاسيسهم من المشاهد الفظيعة التي عايشوها بأم اعينهم. فمن لا يتذكر من المواطنين افراد الامن الوطني الخمسة الذين كانوا يستعدون لتناول طعام الافطار في رمضان الماضي عندما قصفتهم طائرة "اف 16" وحولتهم اشلاء جمعها المواطنون، كما قال ل"الحياة" احد ابناء المدينة قدورة موسى. ومن ينسى مشهد جسد أحد قادة المقاومة "ابو جندل" وهو موثوق اليدين والقدمين وملقى بين ركام المنازل بعد ان اغتاله الجنود بوابل من الرصاص؟ ومن ينسى عشرات الشبان والرجال الذين جردوا من ملابسهم بالكمال واقتيدوا في شوارع المخيم وهم مكبلون ليشكلوا "دروعاً بشرية" لقوات الاحتلال؟
وللمرأة الفلسطينية في جنين التي بات مواطنوها يرون انفسهم وحيدين في وجه الاحتلال، دور متعدد الوجوه في حياة المقاومة والصمود التي يعيشها اهل جنين. فهي التي تمكنت من ايواء واستيعاب نحو 12 الف فلسطيني اخرجوا من المخيم اثناء ايام المجزرة … انها المرأة الفلسطينية التي جسدت دور الأم والأمن.
الخليل : تهويد وعدوان مزدوج على شعب تحت الحصار
في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، تأخذ الاعتداءات الاسرائيلية بعداً مزدوجا، اذ تتقاسم سلطة الاحتلال التنفيذ مع جيش آخر من المستوطنين الذين "قسموا" البلدة القديمة فيها الى قسمين وكرسوا هذا التقسيم داخل الحرم الابراهيمي الشريف رغم المجزرة التي نفذها احدهم في شهر رمضان قبل ثماني سنوات بحق مصلين كانوا ساجدين يؤدون صلاة الفجر.
خطة "تهويد" الخليل وصلت خلال الانتفاضة الى مراحل متقدمة، اذ اقيمت 24 بؤرة استيطانية في محيط المدينة منذ بداية الانتفاضة، اضافة الى توسيع 27 مستوطنة رئيسة عبر مصادرة مزيد من الاراضي حولها شمال شرق المدينة وجنوب شرقها، ونصب كرافانات جديدة واغلاق الطرق في وجه المزارعين لمنعهم من الوصول الى حقولهم التي باتت تحت رحمة المستوطنين. وهذا ما حصل بالنسبة الى البؤرة الاستيطانية في منطقة البقعة حيث جرف 300 دونم في اطار مخطط اعلنته اسرائيل لمصادرة 5000 دونم في هذه المنطقة القريبة من الشارع الالتفافي الرقم 60 بهدف خلق تواصل اقليمي بين مستوطنتي "كريات اربع" و"خارسينا" حيث سيج المستوطنون مساحات كبيرة من الاراضي ومنعوا اصحابها من دخولها.
وترسم الطرق التي يجري شقها على قدم وساق في المدينة لربط مستوطنة "كريات اربع" والمستوطنات المجاورة بقمتي جبل التكروري وجبل الجعابرة اللذين يطلان على المدينة بأسرها، الخريطة الجغرافية التي تريدها اسرائيل لخليل "يهودية". وفي العام الماضي صدر امر عسكري اسرائيلي لشق شارع يصل بين مستوطنة "كريات اربع" بالبلدة القديمة لاستخدامات المستوطنين من اجل الوصول الى الحرم الابراهيمي. وتم فتح الجزء الاول من الشارع بطول 700 متر حتى الان.
اما في البلدة القديمة التي يقطنها 40 الف مواطن يعيش بينهم 550 مستوطنا يقوم على حراستهم 3000 جندي، فهاجر خلال الانتفاضة 5 الاف فلسطيني من داخلها نتيجة الممارسات والاعتداءات الاسرائيلية المزدوجة من جيش الاحتلال والمستوطنين ضدهم، حتى ان المواطنين لم يعودوا يأمنون على حياة اطفالهم.
ويورد عضو لجنة الدفاع عن الاراضي في الخليل عبد الهادي حنتش، بعض الاحصاءات الموثقة عن طبيعة هذه الاعتداءات خلال الانتفاضة فقط، منها الاستيلاء على 150 منزلا فلسطينيا وسرقة عشرات المنازل والمحلات التجارية تحت عتمة الليل واعين الاف الجنود الذين يحرسون المستوطنين. واستخدم المستوطنون اسلوب فتح ثغرة خلف المحلات ونهب ما فيها ونقلها الى المستوطنات، خصوصا مستوطنة "كريات اربع".
وفرض منع التجول على المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية 520 يوما وتخضع البلدة القديمة نفسها الى اوامر منع تجول "دائمة"، اذ يفاجأ المواطنون في لحظة ما بأحد الضباط وهو يعلن "رفع" حظر التجول ويبدأ الناس بالخروج من مساكنهم سجونهم وفتح محالهم ليأتي ضابط آخر ويعلن منع التجول مجددا. واقام جنود الاحتلال نقاط مراقبة عسكرية في 25 منزلا فلسطينيا في البلدة، في حين صدر قبل شهر واحد فقط امر عسكري اسرائيلي بالسيطرة على اسطح المنازل التي تشرف على مدرسة اسامة بن المنقذ التي حولت الى مستوطنة "بيت رومانوا". ورأى المستوطنون ان هذه الحراسة المكثفة "لا تكفي" فنصب الجيش كاميرات لمراقبة الفلسطينيين الممنوعين من التجول اصلا.
"استعباد وعمل بالسخرة"
ولا يعرف "الخلايلة" من اين يبدأون عندما يأتي الامر الى الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية في قلب المدينة التي باتت محرمة على الاعلام، خصوصا كاميرات التصوير. وان شوهد احد وهو يحمل واحدة، السماء وحدها تعلم ما الذي يحدث له: فمن اجبار المواطنين على خلع ملابسهم قبل الاعتداء عليهم بالضرب، الى اعتقالهم و"سوقهم" الى مستوطنة "كريات اربع" حيث يتم اجبارهم على تنظيف المستوطنة ومن ثم منازل المستوطنين من ساعات الصباح حتى التاسعة ليلا ... ساعات عمل بالسخرة يخضع خلالها الشبان لشتى اصناف الذل والاهانة والمسبات اللاذعة. حدث ذلك ثلاث مرات على الاقل في الاشهر القليلة الماضية، وبعد "انتهاء الدوام" يلقى بالشبان على قارعة الطريق المخصصة للمستوطنين واذا ما مرت دورية عسكرية اسرائيلية يكونون عرضة للاعتقال مجددا.
وتتركز الغالبية العظمى من المستوطنين في محافظة الخليل وعددهم 12 الف مستوطن في مستوطنتي "كريات اربع" و"خارسينا" الملاصقتين للمدينة والمقامتين على اراضيها حيث يستوطن فيهما نحو 6200 مستوطن، فيما يتوزع البقية في ال 25 مستوطنة الاخرى.
ويجري التوسع في هذه المستوطنات على قدم وساق مثل مستوطنة "شاحال بجهوت" غرب بلدة دورا حيث تم شق شارع جديد لربطها ب "الخط الاخضر" واقميت بؤرتين استيطانيتين غرب المستوطنة، كما صودرت ارض شمال مستوطنة "سوسيا" جنوب يطا بمساحة 150 دونما واقيمت بؤرة استيطانية على بعد800 متر من هذه المستوطنة. ومستوطنة "عتنائيل" المقامة على اراضي يطا ودورا تم توسيعها على ثلاث مراحل اخيرا، بما في ذلك شق شوارع واقامة المستوطنين "اربع خيام" للسيطرة على 150 دونما اخرى. كما تمت مصدارة عشرة الاف دونم لصالح مستوطنة "مساد شمعون" و"مساد اصغار" شرق بلدة سعير.
وحتى الان ما زالت المخططات الاسرائيلية لبناء "الجدار الفاصل" في محيط محافظة الخليل على الورق ولم يشرع ببناء اي جزء فيه. لكن حسب المخططات المعلنة لمسار الجدار، فانه سيقضي على الثروة الحيوانية في هذه المنطقة والتي تقدر ب 100 الف رأس غنم و15 في المئة من الاراضي المروي، وسيشكل كارثة بيئية تضاف الى كوارث اخرى من خلال القضاء على النباتات البرية النادرة التي لا تنبت الا في المناطق الشرقية الجبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.