منذ أن صدر كتاب"الرائدات السينما في مصر"ضمن سلسلة مكتبة الاسكندرية، والمرء لا يسعه إلا أن يقف أمامه متسائلاً حول دور المرأة المصرية الحقيقي في بعث الحركة الفنية في مصر، ولا شك في أن هذا الدور قد شابه الكثير من اللغط والشوائب، بعضها كان له بعد أخلاقي، والبعض الآخر كان له بعد يتعلق بثقافة المجتمع التقليدية، لكن الباحث مجدي عبدالرحمن آثر أن يقدم لنا في كتابة هذا تسجيلاً لدور رائدات السينما في مصر، لم يكن له بعد عميق بقدر ما أتى عبارة عن سرد يبني عليه بعد ذلك دراسات نقدية. استدعى المؤلف في بداية الكتاب ذاكرة التاريخ ليقدم مسيرة كفاح هذه المرأة في محاولة منه لربطها بكفاح المرأة المصرية في مجال السينما، للتأكيد على ان الفيلم الأول كان من اخراج امرأة عزيزة أمير، غير أن الكثير من النقاد السينمائيين يرون أن فيلم"الباشكاتب"يعد أول فيلم صورت المرأة فيه راقصة تسلب موظف حكومي أمواله. هذه الصورة أخذت وقتاً طويلاً لكي تخرج السينما المصرية عن قالبها. كان مطلع القرن العشرين يحمل في ثناياه كل مثالب القرون السابقة التي عانت من ظاهرة الحريم وتفشت في المجتمع المصري وقللت بالتالي من مكانة المرأة المصرية وأكدت على امتياز الذكر المصري في المجتمع المصري المعاصر. ولقد كانت صورة المرأة المصرية التقليدية السائدة وقتها صورة الأم التي لا تهتم بشؤون البيت ورعاية الزوج والأولاد كما كانت سيدة المنزل المحمية وكان يشار فيها بلقب"السيدة المصرية والجوهرة المكنونة". لكن الأمر لم يستمر على هذا المنوال طويلاً فقد بدأ انتشار المدارس النسوية لتعليم الفتيات على رغم وجود نيابة الرجل في كل ما يخص المرأة. وألقت كتب رفاعة الطهطاوي ومنها"المرشد الأمين للبنات والبنين"ودعوته لتعليم المرأة وتربيتها أرضاً خصبة للمضي في هذا الطريق، كما كان ظهور باحثة البادية"ملك حفني ناصف"ثم ظهور قاسم أمين وجهوده في تحرير المرأة، ما عجل كثيراً بظهور شخصيات نسائية مصرية لها عظيم الأثر مثل هدى شعراوي التي كانت شعلة متوهجة من التأجج الفكري ولم تتوقف طاقتها المتدفقة عن العطاء والكفاح لدرجة أن المثال محمود مختار أطلق عليها اسم ايزيس لما كانت تنفقه على تعليم كثير من الفتيات. ومن الغريب أن السينما المصرية شهدت نهضتها الحقيقية على يد سيدات مصريات فاضلات اقترن الإنتاج السينمائي بأسمائهن، وبرز منهن أربعة قمن إضافة الى ذلك بإخراج تلك الأفلام بأنفسهن. كانت أولاهن فاطمة رشدي والتي ظهرت على المسرح مع فرقة عبدالرحمن رشدي، وقد مثلت في بداية حياتها فيلم"فاجعة فوق الهرم"إخراج إبراهيم لاما 1928، ثم مثلت فيلم"تحت ضوء الشمس"من إخراج وداد عرفي ولكنه كان سيئاً لدرجة أنها ذكرت أنها قد أحرقته وقامت بعد ذلك بإخراج فيلم"الزواج"والذي عرض 1933 ومثل أمامها فيه محمود المليجي ويروي الفيلم قصة الفتاة المغلوبة على أمرها والتي زوجها أبوها على غير ما تهوى فكانت نهايتها الموت. أما الثانية فهي عزيزة أمير والتي عملت في فرقة رمسيس ثم حاولت أن تدرس السينما وقامت بإنتاج فيلم"ليلى"1927 وقد قامت 1933 بإخراج فيلم"كفري عن خطيئتك". أما الثالثة فهي بهيجة حافظ التي حصلت على دبلوم في الموسيقى من باريس ولعبت دور البطولة في فيلم"زينب"الصامت إخراج محمد كريم وكونت شركة إنتاج هي وزوجها وأنتجت فيلم"الضحايا"الصامت أيضاً 1932 من إخراج إبراهيم لاما ولكنها أعادت إخراجه ناطقاً 1935. والأخيرة هي أمينة محمد والتي التحقت أيضاً بفرقة رمسيس وقامت بالرقص في الملاهي الليلية ثم قامت بإنتاج وإخراج فيلم"تيتا وونج"بطولة حسين صدقي والذي قام بمساعدتها فيه عدد كبير من السينمائيين المشهورين أمثال كمال سليم والسيد بدير وصلاح أبو سيف واحمد كامل مرسي وحلمي حليم ومحمد عبد الجواد ومحمود السباع وغيرهم. وهكذا استطاعت أربع سيدات مصريات أن يقمن بما لم تفعله المرأة الأوروبية أو الأميركية إلا بعد ذلك بعشرات السنين، وهي شجاعة يُحسدن عليها وثقة في النفس لا تنكر على المرأة المصرية، ولكنهن بالقطع لم ينصفن المرأة في الدراما التي قدمتها وعذرهن إنهن وقعن تحت سطوة دولاب الإنتاج السينمائي الذي لا يرحم، كما يفيدنا مجدي عبدالرحمن في هذا الكتاب الرائد واللافت.