شهدت بلدة الناعمة وحارتها 10 كيلومترات جنوببيروت تطوراً امنياً خطيراً امس، استعاد من خلاله اللبنانيون لحظات من ذكريات حربهم الأهلية، وخصوصاً انه حصل في التاريخ نفسه الذي شهدت فيه الدامور على بعد كيلومترات قليلة من الناعمة مجزرة قبل 30 عاماً 9 كانون الثاني / يناير 1976. اذ أقدم امس، مسلحون في الجبهة الشعبية - القيادة العامة على إطلاق النار على جابيين من بلدية الناعمة وحارتها لتتعالى نقمة الأهالي الذين قطعوا الطريق الرئيسة التي توصل بيروتبجنوبلبنان وتتوالى المواقف التي تدعو الى سحب السلاح الفلسطيني وتسليم مرتكبي الحادث. وفي تفاصيل الحادث كما جاء على لسان الضحيتين حنا الغصين ومارون اديب يزبك، انهما وأثناء قيامهما بواجبهما الوظيفي توجها صباحاً الى منطقة المصانع في الناعمة للتزود بالوقود من احدى المحطات، فأوقفهما سبعة عناصر مسلحين ينتمون الى القيادة العامة وطلبوا منهما ابراز هويتهما وبعدما قرأوا اسميهما امر أحد المسلحين بإدخالهما الى الأنفاق قاعدة الجبهة الشعبية ? القيادة العامة، فما كان من الغصين الذي كان يقود السيارة إلا ان قادها بسرعة هرباً من المسلحين فانهمر عليهما الرصاص في شكل غزير وأصيبا من جراء ذلك ووصلا وهما مضرجين بدمائهما الى حاجز للجيش اللبناني في الناعمة. وعلى الفور تم نقل الغصين 24 عاماً الى"مستشفى حمود"في صيدا وهو مصاب بطلقات في فخذه وساقه اليمنى وشظايا في الساق اليسرى، وأفيد بأن حاله غير خطرة، اما يزبك فنقل الى مستشفى"المقاصد"في بيروت وهو في حال خطرة نتيجة اصابات في ظهره وإحدى رئتيه استقرت حاله بعد ساعات. ووقع الحادث على الأهالي في المنطقة وقوع الصاعقة، فخرجوا غاضبين من منازلهم، وتجمعوا في ساحة الناعمة ثم توجهوا الى الطريق الساحلية التي تربط بيروتبالجنوب وقطعوا الطريق بالحجارة والرمول والأتربة، كما أشعلوا الإطارات وسط هتافات وصراخ مطالبين بإسقاط رئيس الجمهورية وسحب السلاح الفلسطيني وإقفال المواقع الفلسطينية في منطقتهم، مما ادى الى زحمة سير خانقة، وحضرت عناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وعملوا على فتح الطريق بعدما تدخل النائبان علاء الدين ترو ومحمد الحجار لتهدئة الأهالي. إلا ان غضب هؤلاء الذي كان يتعالى مع مرور الوقت دفع الى مزيد من التجمعات وإشعال الإطارات وإطلاق الهتافات ضد لحود والسلاح الفلسطيني. وهتفت مجموعات بحياة رئيس"اللقاء الديموقراطي النيابي"وليد جنبلاط الذي كان حذر قبل يوم من البؤر الأمنية وأتى على ذكر الناعمة. واستمر اغلاق الطريق ساعات طويلة تحت شرط تسليم مطلقي النار ومعاقبتهم. وفي الثانية إلا ربعاً بعد الظهر، وبعدما اشتبك الأهالي مع القوى الأمنية بالأيدي لمنعها من فتح الطريق أجريت اتصالات ومساع اسفرت عن تراجع الأهالي وفتحت قوى الأمن الطريق في الاتجاهين. وكان وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت تابع التطورات واستنكر الحادث وأكد ان القوى الأمنية تجري الاتصالات اللازمة ليصار الى تسليم مطلقي النار وإحالتهم الى القضاء المختص، في وقت وضعت النيابة العامة العسكرية برئاسة القاضي جان فهد يدها على الملف وباشرت تحقيقاتها. وأقرت الجبهة الشعبية - القيادة العامة بأن احد عناصرها"أطلق النار في اتجاه اطارات السيارة لأنها ابتعدت بسرعة". وقال المتحدث باسم الجبهة انور رجا لوكالة"فرانس برس"ان"أحد عناصرنا اوقف الجابيين عند مدخل القاعدة وطلب منهما اوراقهما وسألهما عن سبب مجيئهما، وأن أوراقهما لا تزال في حوزتنا"، مشيراً الى"وجود اتفاق مع الجيش لمنع اقتراب احد من القاعدة". وحذر"من أي استغلال للحادث". ومن دمشق، صدر بيان عن الجبهة - القيادة العامة أسفت فيه بشدة لپ"الحادث المؤلم"وأكدت انها"باشرت التحقيق فيه وانها على استعداد لتشكيل لجنة تحقيق رسمية مشتركة مع المعنيين لتقصي اسباب الحادث ونتائجه". وأصدرت بلدية الناعمة - حارة الناعمة بياناً اكدت فيه ان الموظفَين في البلدية اصيبا في الاعتداء الإجرامي الذي حصل في المنطقة اثناء قيامهما بواجبهما الوظيفي ضمن النطاق البلدي في منطقة المصانع وأن مجموعة من المسلحين التابعين للجبهة الشعبية القيادة العامة الموجودة في منطقة الأنفاق تعرضت لهما وبعدما اوقفوهما واطلعوا على هويتيهما واستولوا عليهما أطلقوا النار باتجاههما داخل السيارة التابعة للبلدية ما ادى الى اصاباتهما بصورة بالغة". وصدر عن اهالي بلدات الناعمة وحارتها والمشرف والدامور بيان بعد اجتماع حضره نواب المنطقة وممثلو الأحزاب فيها شجبوا فيه العمل الإجرامي"الذي يشكل مشروع فتنة يندرج ضمن الأعمال الإرهابية التي تطاول الوطن"، وطالبوا"بتسليم الجناة ومن وراءهم فوراً الى القضاء اللبناني المختص"، وطلب المجتمعون من قيادة الجيش والقوى الأمنية"اتخاذ الإجراءات الأمنية الفورية والحازمة لتأمين حماية الأهالي ومنع أي ظهور مسلح وإزالة كل المراكز المسلحة وحتى غير المسلحة الموجودة في المنطقة ولا تخضع للسلطة اللبنانية، وتسليم اسلحتها الى الجيش اللبناني". وأكد الأهالي انهم"لن يرضوا بعد اليوم بأي وجود غير شرعي خارج اطار الدولة اللبنانية"، وشددوا على"ضرورة ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها". وصدر بيان آخر عن الأهالي تلاه المختار موريس مطر اكدوا فيه انه"حرصاً منهم على سلاح المقاومة، ولكي يبقى ملتزماً بمهمة التحرير ومصوباً في اتجاه العدو الإسرائيلي يناشدون رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية للحفاظ على حياة المواطنين وممتلكاتهم". مشيراً الى"ان الجماهير خرجت مستنكرة الحادث ومؤكدة التلاحم الوطني خلف السلطة الممثلة بالحكومة والقوى العسكرية من جيش وقوى أمن داخلي لفرض الأمن واجتثاث مصدر الفتنة ضنّاً بالقضية الوطنية القومية". وأكد أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وحركة"فتح"في لبنان سلطان ابو العينين"ان مطلقي النار على عناصر من جباة بلدية الناعمة سيسلمون الى الجيش والقوى الأمنية فوراً". وقال:"نحن ندين هذا الحادث ونعتبره فردياً وليست له ابعاد سياسية، ونحن حريصون على الأمن ونقول اننا نحن تحت سقف القانون اللبناني ونؤكد العلاقة مع اخوتنا اللبنانيين وليس مسموحاً لأي فلسطيني مهما علا شأنه ان يعبث بالأمن". وأضاف انه بعد اتصالات اجراها مع مسؤولي القيادة العامة"سيسلم الفاعلون الى الدولة اللبنانية". وتداعى نواب منطقة الشوف والفاعليات الى اجتماع في مبنى بلدية الناعمة شارك فيه ترو والحجار وإيلي عون وجورج عدوان القوات اللبنانية، وأشاروا في بيان الى اتصالات تمت مع رئيس الحكومة والنائب وليد جنبلاط وپ"تيار المستقبل"، وأكدوا"ان الحادث يندرج ضمن مخطط زعزعة الاستقرار في لبنان، خصوصاً اننا قبل اشهر نقول ان الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات امر لا يمكن ان يستمر، وداخل المخيمات يجب على الدولة أن تكون مشرفة عليه مع وضع الضوابط المطلوبة ولن نسمح ولن نقبل بأن تكون لنا دولة سيادتها ناقصة على اراضيها، ونتعاطى مع الموقف بكل حذر والمطلوب من الحكومة ان تعطي الأوامر اللازمة للقوى الأمنية والعسكرية لإزالة كل وجود مسلح خارج المخيمات بدءاً من الناعمة، وأن اهالي الدامور والناعمة والمشرف لا يقبلون بأقل من ذلك وكذلك نواب الجبل". ونبه البيان الى"ان الموضوع يمس استقلال لبنان واستقراره وإنجازات 14 آذار/ مارس"، وتوجه"لأي لبناني يمكن ان يعطي الدعم للفلسطينيين وسلاحهم خارج المخيمات بعد الذي جرى لرفع الغطاء السياسي لمصلحة لبنان، ولن نسمح لفصائل صغيرة ان تعكر العلاقة مع القضية الفلسطينية".