حظرت ايران الاستماع الى موسيقى ايريك كلابتون. وتلقت الاذاعات أوامر بالتزام"الموسيقى الايرانية الراقية"، عوض الأغاني الغربية"المنحطة". وبعد نفيه حقيقة"الهولوكوست"المحرقة، وحق دولة اسرائيل في الوجود، وحظر الاعلانات التي يظهر فيها ديفيد بكهام، يصادر محمود أحمدي نجاد حق الايرانيين في الاستماع الى أغنية"ليلى". وهذا عقاب شديد وغريب معاً. وفيما تخفت ألحان موسيقى"البوب"الأميركية، تشهد ايران"انفجار"عالم الپ"بلوغ"الالكتروني وتوسعه. ففي ايران اليوم قرابة مئة ألف صفحة"بلوغ"أو"ويبلوغ"، وهي عبارة عن مذكرات فردية تسجل على الانترنت، وتتناول موضوعات تترجح بين الحيوانات الأليفة والسياسة. على رغم أن الفارسية في المرتبة الپ28 عالمياً، قياساً على عدد الناطقين بها، غير انها انتزعت المكانة الثانية في ترتيب اللغات الأكثر رواجاً في عالم البلوغ، أسوة باللغة الفرنسية. ويسمي الايرانيون هذه المساحة الپ"بلوغستان". ونمو ظاهرة البلوغ الايرانية جزء من تيار عالمي كان من خمسين"بلوغ"في 1999، دوّن في كانون الثاني يناير 2005، 5.4 مليون صفحة، قبل أن تبلغ مدونته نحو 23 مليون صفحة، بحسب محرك البحث عن صفحات البلوغ،"تكنوراتي". ودواعي خصب ايران أرضاً لكتابة"البلوغز"تتجاوز المتعلمين، 90 في المئة من السكان، ومن هم دون الثلاثين عاماً 70 في المئة. ونسبة امتلاك أجهزة الكومبيوتر عالية. وتكثر مقاهي الانترنت. ورأى أول"بلوغ"النور في تشرين الثاني نوفمبر 2001 على يد حسين دركشان، الصحافي الذي كان أول ما كتب ارشادات عن كيفية صنع"ويبلوغ"بسيط في أقل من عشر دقائق. وتظهر نسرين علوي وهو اسم مستعار في كتابها الجديد"ايران هي نحن: البلوغ الفارسي"، ان هذه المذكرات تكتب بنبرات وأحاسيس متباينة، فتعبر عن الغضب والحزن والفكاهة والشجاعة. ولا يبعد أن تفيض، في بعض الأحيان، شأن"البلوغز"عموماً، بالثرثرة، أو تفتقر الى الدقة والبلاغة وتبعث على الضجر. ويتسارع استخدام الانترنت بإيران، ويسبق انتشاره بلدان الشرق الأوسط المسلم. ويفوق عدد صفحات"البلوغز"المكتوبة بالفارسية عددها بالألمانية أو الايطالية أو الاسبانية أو الروسية أو الصينية. وتزامن انتشار هذه الكتابة مع اختفاء الكتابات على جدران المراحيض العامة بطهران. وفي أعقاب حجب معظم الصحف الاصلاحية الايرانية، وسجن كثرة من محرريها، نهض"البلوغ"فسحة معارضة وتحاور واذاعة أفكار. وهي أنشطة تحظرها المنتديات. وفي كثير من صفحات"البلوغز"الايرانية توق وغضب. فكتب أحد ال"بلوغرز":"أنا أكتب صفحة ويبلوغ لكي ألتقط بعضاً من النفس في هذا الهواء الخانق فلا أغرق في اليأس". تصف صفحات"البلوغز"التي تكتبها الايرانيات مرارة الحياة المحتجبة. ولم تدخر الدولة الايرانية جهداً في قمع"البلوغز"الايرانية الناشئة. فاعتقلت فوق العشرين"كاتباً". واتهمتهم تارة بپ"المجون والخلاعة"، وتارة بشتم قادة الجمهورية الاسلامية. وحكم على أحدهم بالسجن 14 عاماً بتهمة"التجسس ومعاونة أعداء الثورة الأجانب". وصدر في تشرين الأول أكتوبر حكم بالسجن عاماً والجلد 124 جلدة على أميد شيخان، بذريعة أن ويبلوغه يتضمن كاريكاتوراً سياسياً ساخراً. وذعر الحكومة من الأداة التي تخرج عن سيطرتها كبير. فوصف آية الله هاشمي شهرودي، رئيس السلطة القضائية، الانترنت بپ"حصان طروادة الذي يحمل في باطنه الجنود الأعداء". ويذكر القادة الدينيون أن ظهور تكنولوجيا جديدة أجج ثورتهم. فكانت أشرطة المسجلات والفيديو، وعليها تسجيل خطب آية الله روح الله خميني ايذاناً بضعف حكم الشاه ووشك سقوطه. وتتبع البلوغز المجال للسرية وستر الهوية والتملص، وهذه بعيدة من اعلام ورقي تراقبه مراتب السلطة. فالپ"بلوغز"، وان اعتقل، تنتشر كلماته حال صدورها على الشبكة، فتستحيل ثابتة لا تمحوها شيء. وأظهر البلوغرز دهاء وسعة حيلة في تهربهم من قبضة الرقابة. فحمل ذلك الحكومة على التفكير في اخراج ايران، كلها، من شبكة الانترنت، واحداث نوع من الشبكات الالكترونية المحلية التي تقوم سداً يحول دون عدوى تفشي حرية الشبكة العالمية في الايرانيين. وبدأ مخططو السياسات الأميركية البحث عن طرق جديدة تعزز كتابات البلوغز باللغة العربية في دول الشرق الأوسط، وسيلة لنشر الديموقراطية. ولا يخيف مضمون البلوغز السياسي الحكومة الايرانية قدر ما يرعبها وجود هذا الفضاء من التعبير الحر بمتناول الايرانيين، بمنأى من سيطرتها فيتناقلون النكات والغزل، ويسخرون من قادتهم، ويتشاركون الأغاني. فيقول أحد البلوغرز من الشباب:"صفحتي البلوغ بيضاء. وقد أعري نفسي فيها، أو أختبئ وراءها. وفي بعض الأحيان أرقص عليها". عن بيل ماكنتاير، "ذي تايمز" البريطانية، 23/12/2005