حتى عهد قريب، كانت المكتبات ودور النشر هي المصدر الذي يقصده الناس للحصول على الموسوعات العلمية. وكثيراً ما تسببت الاسعار المرتفعة لتلك الموسوعات الورقية، في حرمان كثيرين من شرائها والاطلاع على ما تحتويه من معارف. ومع التوسّع المستمر لشبكة الانترنت، اقتحم الفضاء الافتراضي عالم الموسوعات والقواميس وجعلها متوافرة بأسعار بخسة، وأحياناً في صورة شبه مجانية. ويذهب موقع"ويكيبيديا"wikipedia.org خطوة أبعد. ويضع موسوعة كاملة وتفاعلية ومُتوسّعة في متناول المبحريني في الانترنت، بصورة مجانية كلياً. ويطلب من القراء اضافة ما يعرفونه الى تلك الموسوعة. وخلال فترة قصيرة، صارت"ويكيبيديا"واحدة من أكثر الموسوعات العلمية غنى بالمعلومات على الشبكة الدولية للكومبيوتر. وتقدم امكان الوصول الى المعارف وتبادلها بشكل مفتوح. كما تفسح في المجال أمام من يريد المساهمة في كتابة النصوص وتطويرها والاضافة اليها، او الاحتجاج على مضمونها. وتحافظ على المهنية من خلال اشتراطها الالتزام بحقوق الطباعة وتعليمات النشر المعروضة في الموقع. ويأتي في مقدم تلك الشروط، عدم الانحياز والالتزام والأمانة في نقل الوقائع والأحداث وعدم نقلها من مصادر أخرى. وعلى ضوء ذلك، تساعد"ويكيبيديا"جمهور المساهمين على تعلّم حرفة الكتابة وإتقانها. موسوعة السرعة يتألف مصطلح"ويكيبيديا"من كلمة ويكي wiki التي تعني السرعة بلغة اهالي جزر هاواي. ويأتي الشطر الاخير في تلك الكلمة من كلمة"انسايكلوبيديا" Encyclopedia ، التي تعني الموسوعة باللغة الإنكليزية. وبذلك يصبح معنى المصطلح"الموسوعة السريعة". ويتناسب هذا المعنى مع الهدف الذي وضعه مؤسسها الأميركي جيمي ويلز قبل أربع سنوات. ويتلخص هذا الهدف في توفير المعلومة بسرعة وبشكل مجاني للجميع. وتستخدم" ويكيبيديا"برنامجاً رقمياً متطوراً، يُدعى ميدياويكي. وقد صاغته احدى شركات المعلوماتية خصيصاً لحساب هذا الموقع. وأطلق على اللغة الرقمية التي يستخدمها ذلك البرنامج، اسم لغة"ويكي". وتعتبر أسهل بكثير من لغة" اتش تي ام ال"،HTML، أي النصوص الفائقة الترابط، التي تسود في الانترنت راهناً. وبإمكان كل شخص تعلم لغة"ويكي"في غضون دقائق، فيقدر بعدها على اضافة نصوصه الخاصة الى الموسوعة. من موسوعة إلى موسوعات أطلق مشروع"ويكيبيديا"باللغة الإنكليزية في أوائل العام 2001، وتوسعت منذها باستمرار. انضمت إليها عشرات اللغات، من بينها العربية. وقد وصلت محتوياتها إلى أكثر من مليون ونصف المليون مقالة كتبها وترجمها آلاف المتطوعين من مختلف أنحاء العالم. وبالنسبة الى النسخة العربية من"ويكيبيديا"فقد بدأت عام 2003. وما زالت لحد الآن في طور البناء. وانبثقت من مشروع"ويكيبيديا"مجموعة من المشاريع تشكل"عائلة"واحدة، على رغم استقلالية كل منها في عمله. ويبرز من هذه المشاريع"ويكاموس"بالانكليزية"ويكشيناري" wiktionary.org وهو قاموس متعدد اللغات، وكذلك كتب ويكي بالانكليزية"ويكي بوكس"wikibooks.org وهو مشروع لتطوير مصادر التعليم المجاني، اضافة الى"ويكي اقتباس""ويكي كوت" wikiquote.org وهو مشروع يحتوي على مجموعة من الاقتباسات المأخوذة عن اشهر الكتاب. ويلفت في الموقع ايضاً، قسم"مصادر ويكي"ويكي سورس" wikisource.org ويمثل نوعاً من"المستودع"العام لنصوص المراجع. وبمساعدة هذه القواميس المتعددة المحتويات، يمكن للراغبين الحصول على مختلف المعلومات العلمية والتاريخية والاجتماعية والمساهمة في إغنائها. ولا بد من الإشارة إلى أن غالبيتها متوافرة باللغات الإنكليزية والألمانية والفرنسية، لأن العمل باللغات الأخرى لم يقطع شوطاً كبيراً من التطور في عملها لحد الآن. مشروع يقوم على التبرعات يقوم مشروع"ويكيبيديا"، وكذلك المشاريع المتفرعة منه، على التبرعات لأنه يرفض الإعلانات راهناً. وتتمثل الجهة الثانية من التمويل في مؤسسة"ويكيميديا"www.wikimedia.org التي تتخذ من ولاية فلوريدا الأميركية مقراً لها. وتعرّف عن نفسها كمؤسسة للنفع العام لا تهدف إلى الربح. غير أن تزايد أعباء المشروع المالية إزاء التوسع الذي يشهده، قد يدفع المسؤولين عنه الى القبول بمبدأ الإعلان، ولكن بشرط عدم تأثيره في المحتوى التحريري، ويثور نقاش بينهم في تلك المسألة راهناً. ويرى جيمي ويلز، مؤسس المشروع، ان مردود الدعاية يعين المشروع في خططه المستقبلية، وخصوصاً تجاه البلدان النامية من خلال تمويل مشاريع الارتباط بشبكة الإنترنت. حلم الوصول إلى أفريقيا ويعتبر الوصول إلى الدول النامية وتعميم المعرفة فيها من خلال"ويكيبيديا"أحد الأحلام التي تراود ويلز. وتكمن المشكلة في عدم توافر خطوط الهاتف، وضعف نسب الدخول الى شبكة الإنترنت، وخصوصاً في الدول الأفريقية. وطرح هذا الموضوع للنقاش خلال مؤتمر"ويكيبيديا"الأول الذي أقيم في مدينة فرانكفورت الألمانية في النصف الأول من الجاري آب أغسطس الفائت. كما تناولت فعالياته كذلك سبل تطوير عمل الموسوعة على ضوء خبرات العديد من المساهمين فيها. وفي هذا الإطار تم التأكيد على تحسين مستوى نوعية النصوص، لا سيما مع وجود انتقادات من وسائل الإعلام بهذا الخصوص. وتأخذ هذه الوسائل ومن بينها مؤسسات إعلامية ألمانية، على الكثير من محتويات الموسوعة عدم دقتها إضافة إلى كثرة أخطائها الإملائية. وعلى رغم هذه الانتقادات يرى الخبراء والمعنيون أن"ويكيبيديا"مشروع طموح يستحق اهتمام الجميع وبخاصة أولئك الراغبين بتبادل المعارف مع الآخرين وتعميمها عبر العالم.