قبل عشرة أيام من انتهاء المهلة المحددة لإنجاز مسودة الدستور العراقي الجديد، بدا أمس أن أجواء التأزم طغت وسط تجاذب حاد، كرّسه الزعيم الكردي رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، إذ أعلن أن"للأكراد الحق في المطالبة بالاستقلال عن العراق، ولكن يجب أن يحدث ذلك في الوقت المناسب". وفيما لوّح الأكراد بالانسحاب من لجنة صوغ الدستور إذا لم تلبَ كل مطالبهم، نقل رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري عن المرجع الشيعي علي السيستاني تأييده"فيديرالية عامة"لكل المناطق، والتخلي عن الدائرة الواحدة في النظام الانتخابي. راجع ص3 وبدا أن مخاض الدستور دخل سباق ربع الساعة الأخير، وأن السيستاني لا يعترض على رفض الأكراد جعل الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع. تزامن ذلك مع اعتراف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بأن الجيش الأميركي يواجه مأزقاً في العراق، إذ"يسعى الى تفادي الظهور بمظهر المحتَل". وأنذر الوزير سورية، مؤكداً أنها"تدعم المسلحين"في العراق و"هذا السلوك سيرتد عليها بالضرر". ووسط تجاذب حاد في العملية السياسية، اعتبر بارزاني خلال مؤتمر صحافي عقده في منتجع صلاح الدين ليل الخميس، مع السفير الأميركي زلماي خليل زاد ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي، أن"للشعب الكردي حقاً في الانفصال، وعندما لا يطالب بذلك الآن، فهذا يعني أنه يعرف أن الوقت غير مناسب". أما زاد فعلق قائلاً:"برنامجنا الحالي هو العمل من أجل بناء عراق ديموقراطي فيديرالي موحد". وأعلن بارزاني أنه وافق على طلب زاد وعلاوي المشاركة في اجتماع يعقد غداً في بغداد لزعماء القوى السياسية، لتسوية العقد المستعصية في مسودة الدستور، لكنه أضاف:"مصرون على أن ما يدّون في الدستور يجب ألا يقل عما جاء في قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية، سواء بالنسبة الى حقوق الشعب العراقي، أو المتعلقة بحقوق شعب كردستان، وأتمنى الاستعجال في تنفيذ المادة 58 من القانون المتعلقة بكركوك"والتطبيع فيها. وكشف عضو لجنة صوغ الدستور عن قائمة التحالف الكردستاني، نوري بطرس أن"التحالف سيسحب أعضاءه في اللجنة، اذا لم تلب مطالب الأكراد الرئيسية وتثبّت في الدستور". وأوضح ل"الحياة"أن هذه المطالب هي"تطبيق المادة 58 وتثبيت حق تقرير المصير في الدستور، وموضوع الفيديرالية، وأن يكون اسم الدولة جمهورية العراق الفيديرالية". وأضاف أن انسحاب قائمة التحالف الكردستاني من اللجنة"سيؤدي الى عدم تقديم مسودة الدستور في 15 الشهر الجاري، أي حل الجمعية الوطنية"! وشدد على أن"قائمتي التحالف الكردستاني والعراقية ليستا مع مطلب تثبيت القومية الفارسية في الدستور، لأن العراق لم يشهد في تاريخه وجوداً قومياً للفرس على أرضه". وفي النجف، ركزت محادثات رئيس الوزراء العراقي والسيستاني على مسودة الدستور، عشية انتهاء المهلة المحددة لإنجازها. وأعلن الجعفري أن المرجع الشيعي يدعو الى"التوازن الدستوري"بين كل فئات الشعب، ولا يعترض على الفيديرالية اذا تبناها العراقيون، لكنه لا يراها إلا عامة. في المقابل، أكد رئيس برلمان كردستان عدنان مفتي القيادي في حزب"الاتحاد الوطني الكردستاني"بزعامة الرئيس جلال طالباني، وجود ثلاثة محاور قد تشكل عقبة أمام انجاز مسودة الدستور، وهي"مستقبل مدينة كركوك واسم العراق، ودور الاسلام"، لافتاً الى مطالبة الأكراد"بأن يكون الإسلام أحد المصادر الرئيسية للتشريع، وليس المصدر الأساسي"له. وفي سياق الملف الأمني، وبعد ايقاع المسلحين خسائر كبيرة في صفوف"المارينز"انتقد وزير الدفاع الأميركي دمشق، وقال:"انهم لا يتصرفون بطريقة حكيمة"، مشيراً الى دعمهم المسلحين العراقيين، ومحذراً من أن مثل هذا السلوك"سيرتد عليهم بالضرر". وقال رامسفيلد بعدما ألقى كلمة أمام مجلس الشؤون العالمية في"بيفرلي هيلز"إن سورية"تموّل بلا شك"بعض المسلحين في العراق، مضيفاً أن هذا البلد"غير راض عما تفعله، وسيبقى جاراً لزمن طويل. وهو أكبر وأغنى منها وسيصبح أيضاً بلداً أقوى مما هو الآن". وزاد:"على دول أخرى والولاياتالمتحدة أن تحاول ممارسة ضغوط عليهم السوريين كي يدركوا المساوئ التي ستحل بهم بسبب تصرفاتهم". وكان سفير العراق لدى الأممالمتحدة سمير صميدعي أبلغ مجلس الأمن أن بغداد حذرت دمشق من وجود"أشخاص في سورية يسهّلون مرور الارهابيين الى العراق، ويمولون العمليات الارهابية"فيه. وفي وقت أعلن أن قوات عراقية وأميركية باشرت قبل أيام، عملية واسعة في منطقة حديثة حيث قُتل 14 جندياً أميركياً الأربعاء الماضي، دافع الجيش الأميركي عن عملياته في غرب البلاد، مشدداً على أنها قلّصت هجمات المسلحين رغم الخسائر الفادحة بشرياً التي مني بها أخيراً. ونقلت وكالة"أسوشييتد برس"عن البريغادير جنرال دونالد ألستون قوله:"ما زال لدينا قتلى وعمليات انتحارية بسيارات مفخخة، لكن الأرقام تشير الى أن المسلحين لا يمكنهم الحفاظ على الوتيرة ذاتها لعملياتهم". الى ذلك، كشف استطلاع للرأي في الولاياتالمتحدة أجرته وكالة"أسوشييتد برس"وشركة"إيبسوس"أن 38 في المئة فقط من الأميركيين يوافقون على طريقة إدارة الرئيس جورج بوش ملف العراق.