نادراً ونادراً جداً أن يحظى كتاب بحملة إعلامية كبيرة قبل شهر من صدوره فيثير ما يثير من ضجة وسجال: إنّها رواية الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك الجديدة، وعنوانها"احتمال جزيرة"، التي تصدر صباح اليوم الاربعاء دار فايار، باريس بعد طول انتظار. ويمكن ان يقال انها ظاهرة الكاتب نفسه الذي بات يُسمى ب"المعادي للإسلام"بعد مواقفه العنصرية التي واكبت صدور روايته السابقة"المنصة"بلاتفورم في العام 2001. إلا أن ويلبيك يعلن هذه المرّة احتضار الكنيسة و"التقليد"الكاثوليكي ويسخر - كعادته - من العرب والفلسطينيين و"المسيحيين اللبنانيين"كما يسميهم حرفياً من غير أن يستثني اليهود وإن بلهجة اقل هزءاً. هذا ما أفصح عنه بعض الفصول التي نشرت في المجلات الفرنسية خلال هذا الشهر، وقراءة الرواية كاملة تعد بالمزيد من السخرية التي تطاول بعض الرموز الفرنسية أيضاً. يواصل ميشال ويلبيك عمله الروائي الفضائحي، مازجاً بين الخيال - العلمي والواقع، ملقياً نظرة تشاؤمية على الحياة عموماً وعلى الحضارة الغربية خصوصاً، ومنحازاً كعادته الى موضوعاته الأثيرة مثل البغاء وعلم الوراثة والسياحة الجنسية والمتعة... ولا غرابة في ان يختار"الاستنساخ"مادة روائية رئيسة فيجعل البطل دانيال -1 ابطالاً عدة استنسخوا وحملوا الاسم نفسه مضافاً اليه رقم تلو رقم، من دانيال الى دانيال - 25. والبطل الأخير سيقرأ ما كان يكتبه قرينه الاول وقد شاءه الكاتب أشبه ب"زرادشت"نيتشه، سليل الطبقة الوسطى و"رسول الموت"الذي يحمل هاجس الخراب. وفي الرواية ينادي البطل بطائفة جديدة الألوهيم وناسها أقرب الى المخلوقات الفضائية. اما المستنسخون فهم بحسبه"البشر الجدد"الذين سيحققون فكرة الخلود. في التاسعة والاربعين، يعيش بين ايرلندا واسبانيا بعدما باتت تضجره باريس، كاتب ثري بل بليونير، سمّته مجلة"الاكسبرس"الفرنسية"آلة لربح الملايين"، يكره ماضيه ولا سيما أمّه التي تركته باكراً وأشهرت اسلامها فيما بعد، نشأ في كنف جدّته لأبيه... عندما نشرت"مجلة باريس الجديدة"نصوصه الاولى عرّفت به باختصار قائلة:"من مواليد 1956، طفولة مضطربة، تنقّل دائم، عائلة متحدرة من أمكنة مختلفة، لا جذور لها محددة...". لكن المجلة لم تذكر انه بدّل اسم عائلته، ميشال توماس اصبح ميشال ويلبيك والاسم هذا مستوحى من عائلة جدّته لأبيه. كاتب شهير، مترجم الى أكثر من عشرين لغة، ودور النشر العالمية تتسابق على الفوز بأي رواية له، اعماله لا تربو على الخمسة لكنه مع ذلك، استطاع ان يصنع من نفسه"ظاهرة"لافتة جداً وربما كبيرة، وتمكّن من ان"يفجّر"الرواية الفرنسية الجديدة كما اشارت صحيفة"لوموند". ويحسن لبعض النقاد ان يسمّوه"هاري بوتر الفرنسي للراشدين". اما المثير فهو ان قراء كثراً يعتبرونه صاحب رؤية، يستبق وقوع الاحداث ويحمل"بشارة"وإن سوداء كقوله مثلاً ب"نهاية العالم المرتقبة"تحت الاشعة النووية. وحجة هؤلاء القراء المتلهفين الى متابعة أعماله"النذير"الذي حملته روايته السابقة"المنصة"إزاء حادث الحادي عشر من ايلول، فالانفجار وقع بُعيد شهر من صدور روايته"المنصة"الفضائحية التي يمجّد فيها"السياحة الجنسية".اصبح ميشال ويلبيك ذا شهرة عالمية خلال سنوات قليلة، وشهرته جعلته يصنف نفسه فوق النقد، ولم يعد قادراً على قراءة أي مقال ضده. وهذا ما حدا به اخيراً الى مهاجمة مجلة"الاكسبرس"و"لوبوان"لكنه صبّ حقده على صحيفة"لو فيغارو"وبعث برسالة عبر الانترنت الى الصحافي عزيز زموري يقول له:"أنت قذر". وكان زموري - العربي الأصل - تناول سيرته في مجلة"لو فيغارو"الاسبوعية. لكن الجريدة الفرنسية ردت عليه بقسوة قائلة ان له"مزاج كلب"واصفة رد فعله ب"الحيواني". وكان كتب أنجلو رينالدي في الصحيفة نفسها مقالة عنوانها:"ميشال ويلبيك يسقط من الكميون". ولم يتوان ويلبيك عن نشر صور له مع"بائعات الهوى"في بعض المجلات. عين ويلبيك الآن على جائزة"غونكور"على رغم أن مبيعات روايته الجديدة ستحقق ارقاماً هائلة. ولكن هل يمكن ان تفوز بهذه الجائزة الراقية رواية تعتمد الأدب الفضائحي لتحقق نجاحاً تجارياً قبل نجاحها الأدبي؟