رحل نحو نصف سكان المستوطنات اليهودية في قطاع غزة أمس من تلقاء أنفسهم قبل ساعات من انتهاء المهلة الممنوحة لهم. وقال منسق الانسحاب الاسرائيلي ايفال غيلادي في مؤتمر صحافي ان خطة الانسحاب تمضي كما هو مقرر لها و"ما يقرب من 50 في المئة من السكان قد رحلوا... استطيع القول انه في غضون بضعة ايام لن يتبقى هناك مستوطنون يهود أو متسللون". راجع ص4 و5 واقترح الجيش الاسرائيلي أن تبدأ عملية الاخلاء القسري للمستوطنات التي من المقرر أن تنطلق اليوم الاربعاء بالمستوطنات"الأكثر صعوبة"في قطاع غزة، وفق ما ذكرت اذاعة الجيش. وفيما تتواصل عملية الاخلاء، حذر رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الجنرال اهارون زئيفي امس من"عودة الارهاب"في الربيع المقبل الى الضفة التي وصفها بأنها"قنبلة موقوتة". ونقلت الاذاعة الاسرائيلية عنه قوله خلال اجتماع للجنة الدفاع والخارجية في الكنيست ان"الفلسطينيين يواصلون محاولاتهم لانتاج أسلحة في الضفة ونقل الخبرات التي اكتسبوها في قطاع غزة في مجال الصواريخ اليدوية الصنع اليها"، معتبراً أن"تعزيز مواقع المنظمات على هذا الشكل في الضفة يشكل قنبلة موقوتة". واضاف:"ان لم يكن الفلسطينيون راضين عن سير العملية السياسية، فسيستأنفون الارهاب مجددا في الربيع". وكان الجيش الاسرائيلي أعلن انجاز عملية اخلاء مستوطنة"دوغيت"من دون أي حوادث، وهي الأولى في المستوطنات ال21 داخل القطاع، وتقع تحديداً في شمال القطاع الذي تحتله اسرائيل منذ 38 عاماً. وتم أول من أمس اخلاء مستوطنتين معزولتين في شمال الضفة الغربية هما"قاديم"و"غانيم"من اصل اربع يشملها الاخلاء. وفي المقابل، دخلت قوات الأمن الاسرائيلية أمس أكبر المستوطنات اليهودية في قطاع غزة، وهي مستوطنة"نفيه ديكاليم"الواقعة ضمن تجمع"غوش قطيف"الاستيطاني في جنوب القطاع واشتبكت مع حشود من المتظاهرين تحدوا الاوامر التي صدرت لليهود بمغادرة الارض المحتلة بحلول منتصف ليل الثلثاء - الاربعاء أو سيتم اجلاؤهم قسراً. ووقعت تلك الاشتباكات التي كانت الأعنف منذ أصدر الجيش انذاراً بالطرد خلال 48 ساعة لمستوطني قطاع غزة بينما كان الدخان يتصاعد بعد ان حاول مئات المحتجين منع حافلات صغيرة من دخول المستوطنة وأحرقوا أكواماً من القمامة في الشارع الرئيسي. وقالت البريغادير جنرال ميري ريجيف كبيرة الناطقين باسم الجيش:"لن يغمض لنا جفن... اذا لم يكن هناك خيار آخر ستعتقل الشرطة جميع المخالفين للقانون". وانتشرت قوات معززة من جيش الاحتلال الاسرائيلي أمس في محيط مستوطنات قطاع غزة ومحاور التماس والمواقع العسكرية الاسرائيلية، فيما شرعت الجرافات بوضع سواتر ترابية يعلو ارتفاعها الى نحو مترين لحجب الرؤية عن الفلسطينيين لصد أي هجمات مسلحة محتملة اثناء عملية الاخلاء. وبدا قطاع غزة في انتظار الانسحاب الاسرائيلي منه متحفزاً بهدوء كالهدوء الذي يسبق العاصفة. وعبرت اللافتات المنتشرة في شوارع مدينة غزة عن افكار اصحابها: اذ كتب على بعض لافتات السلطة"الشعب يحرر، الشعب يعمر"، بينما شدد بعض لافتات"حركة المقاومة الاسلامية"حماس على ان"غزة اول التحرير، ولن يكون الاندحار الأخير". وبعيداً، في جنوب قطاع غزة حيث تقبع"رفح المنسية"، كما كتب على لافتة الترحيب المعلقة على مدخل المدينة، تحدث المواطنون ل"الحياة"عن"الصخرة الجاثمة فوق صدورهم"التي ينتظرون بفارغ الصبر ازالتها لتتح لهم فرصة التنفس بيسر مرة اخرى. ورغم توجس اهالي القطاع من ما سيحمله الغد، فقد بات قلقهم على مستقبلهم الاقتصادي الذي تتهدده إمكان تحول القطاع الى سجن كبير هامشياً مقارنة بما سيتيحه لهم زوال المستوطنات ورحيل قوات الاحتلال من حرية الحركة والتجول والشعور بالأمان على انفسهم وممتلكاتهم. وفيما اطلقت السلطة الفلسطينية أمس حملة لازالة الشعارات المطلية على جدران مباني مدينة غزة وكنس شوارعها وتنظيفها، أحجم رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات امس عن الاتفاق مع مقولة ان المقاومة المسلحة هي التي أدت الى الانسحاب الاسرائيلي من القطاع وقال في مؤتمر صحافي في مدينة غزة ان خطة الانسحاب"لم تكن نتيجة المفاوضات، واسرائيل رفضت"التفاوض أو اشراك الفلسطينيين فيها، معتبراً أنها"اجراء احادي". ودعا عريقات الدولة العبرية الى ان يكون هذا الاجراء هو آخر الاجراءات الاحادية الجانب التي تتخذها في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني - الاسرائيلي.