ليس هناك شك أنه توجد علاقة ترابط وثيقة بين"عمليات العولمة"الجارية وبين تسارع وتيرة منجزات ثورة المعلومات والاتصالات. إذ أن التطور المذهل لتقنية المعلومات خلال الفترة 1985 2000 ساعد على ايجاد وتوسيع نطاق"الفضاء الالكتروني المعلوماتي"Cyberspace على الصعيد العالمي. وأخذ هذا"الفضاء الجديد"يشكل الأساس المادي الموضوعي لتطور عمليات"العولمة"فى مجالات الاقتصاد، الاجتماع، الثقافة والإعلام. وكل تلك التحولات أوجدت حالة من"التدمير الخلاق"Creative Destruction، على حد تعبير جوزيف شومبيتر عالم الاقتصاد المرموق. ولكن الإشكالية تكمن فى تحديد أين هي حدود"الهدم"أي"تصفية القديم"، وكيف تتداخل مع"عمليات الخلق الجديد"للوظائف والعمليات الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والتعبيرات الثقافية الجديدة؟ وحيث أن الآثار والوتائر لن تكون متماثلة في بقاع عديدة من العالم بل داخل المجتمع الواحد. فإن تلك مسألة تحتاج منا - نحن العرب - إلى المزيد من التأمل والتدقيق خصوصاً في تلك"الآثار غير المتماثلة"a-symmetrical لعمليات العولمة وتداعيات ثورة الاتصالات والمعلومات على عالمنا العربي بوحداته القطرية المختلفة. ومحاولة لاستشراف نصيبنا من عمليات"التهميش"الخسائر، من ناحية، ومن عمليات"التخليق الجديد"المكاسب، من ناحية أخرى. ولقد جرت عادة بعض الكتابات الحديثة في هذا المجال على تصوير عمليات"العولمة"ونتاج ثورة المعلومات والاتصالات على أنها تفضي إلى"كونية جديدة"ينجم عنها"تقصير المسافات"فى الزمان والمكان. بيد أن النظرة المدققة للتطورات الحالية والمستقبلية تشير إلى أن"عمليات العولمة"الجارية تؤدي إلى"تقصير المسافات الزمنية والمكانية"في بعض المجالات، من ناحية، وينتج عنها في الوقت نفسه توسيع وزيادة المسافات بين"العالم الأول وبين"عالمنا العربى"في الكثير من المجالات الاقتصادية والتقنية والاجتماعية، من ناحية أخرى. وذلك لأن الكثير من عمليات العولمة التي يقودها فاعلون اقتصاديون وسياسيون في بلدان الشمال وتحديداً القوى والشبكات التابعة للشركات الدولية في مجموعة السبع، يؤدي إلى تكريس"التفاوت"وزيادة المسافات بين شرائح وفئات المجتمع أي إيجاد شمال وجنوب داخل البلد الواحد. وهذا يساعد بدوره على طرح تناقضات اقتصادية واجتماعية جديدة بين الذين يندمجون في"فضاء العولمة"الجديد وبين الذين يزداد تهميشهم كل يوم خارج هذا الفضاء. من ناحية أخرى، فإن عمليات" العولمة" ومنجزات ثورة الاتصالات والمعلومات توجد بدورها علاقات قوى جديدة على الصعيد العالمى، نظراً لارتباط تلك المنجزات بدرجة من التقدم التكنولوجى ونشاط البحوث والتطوير R&D في بلدان الشمال. إذ أن هذا السباق مبني منذ البداية على"عدم المساواة"بين الذين يمتلكون مقومات ومفاتيح هذا التقدم التقني اللاعبون الرئيسيون وبين هؤلاء الذين يقتصر دورهم على كونهم"المستهلكين والمستقبلين"لمنجزات تلك التكنولوجيا الحديثة، كما هي الحال في عالمنا العربي. وكما هو معروف ومتداول، يزخر خطاب التنمية المعاصر بالكثير من مرادفات الغنى والفقر، من قبيل: التقدم والتخلف، الشمال والجنوب، المركز والأطراف، ما بعد الصناعي وما قبل الصناعي. وآخر تلك المصطلحات هو مصطلح"الفجوة الرقمية"Digital Divide. وتحظى الفجوة الرقمية حالياً باهتمام كبير: سياسي واقتصادي وتكنولوجي وإعلامي. كما احتلت موقعاً بارزاً فى القمة العالمية لمجتمع المعلومات التى عقدت في كانون الأول ديسمبر 2003 فى جنيف. ووفقاً للدكتور نبيل علي والدكتورة نادية حجازي فى مؤلفهما الحديث"الفجوة الرقمية": تبرز الفجوة الرقمية باعتبارها"فجوة مركبة"، تطفو فوق طبقات متراكمة من فجوات عدم المساواة بين عالمنا العربى والأجزاء المتقدمة من العالم في أوروبا وأميركا وآسيا، والتي تشمل: - الفجوة العلمية والتكنولوجية. - الفجوة التنظيمية والتشريعية. - فجوات الفقر: فجوات الدخل والغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم والعمل. - فجوات البنى التحتية بسبب غياب السياسات، وعدم توافر شبكات الاتصالات، وفي القصور في تأهيل القوى البشرية. وفي تقديرهما أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى العالم - إن استمرت الحال على ما هي عليه - ستزداد اتساعاً، وبمعدلات متصاعدة، بفعل الدور الذى يلعبه المتغير المعلوماتي عبر الزمن. وهذا التحدي يفرض على أقطارنا العربية تنسيق المجهود في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ليس كمستهلكين بل كمنتجين ومبدعين، لمقاومة حالة التردي والتهميش التي تهددنا في صميم مستقبلنا. أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة.