عاد الهدوء الحذر أمس الى العاصمة صنعاء وباقي المدن والمحافظات اليمنية التي شهدت أعمال شغب رافقت تظاهرات الاحتجاج على رفع الحكومة أسعار المشتقات النفطية الثلثاء الماضي، وشملت على مدى يومين نحو 11 مدينة كان آخرها مواجهات بين متظاهرين وقوات الشرطة في بعض أحياء عدن، العاصمة الاقتصادية للبلاد، اندلعت في ساعة متقدمة من ليل الخميس - الجمعة، وأسفرت عن جرح عدد من المتظاهرين ورجال الشرطة. وجرت التظاهرة في حي الشيخ عثمان قبل أن تتمكن الشرطة من اخمادها واعتقال عشرات الأشخاص الذين حاولوا اقتحام سوق صغيرة للذهب وعدد من المتاجر والممتلكات واشعال الحرائق بواسطة زجاجات مملوءة بالبنزين والكيروسين. وتشبه مواجهات عدن تلك التي شهدتها الحديدة أول من أمس واسفرت عن مقتل وجرح العشرات واعتقال نحو 150 شخصاً. وخففت أمس قوات الجيش من انتشارها في العاصمة صنعاء وفي محيطها، وعادت أعداد كبيرة من هذه القوات والآليات بما فيها الدبابات والعربات المدرعة الى المعسكرات، وحلّت مكانها دوريات لقوات الأمن المركزي والشرطة، غير أن قوات وآليات عسكرية تابعة للجيش ما زالت ترابط في بعض الشوارع الرئيسية للعاصمة وحول المباني الحكومية والمنشآت المهمة والسفارات الغربية. وكان خطباء المساجد ركزوا في خطب الجمعة على ما شهدته العاصمة وعدد من المدن والمحافظات يومي الأربعاء والخميس من اعمال شغب واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة في إطار الاحتجاج على قرارات الحكومة. وأكد الخطباء أن الدين الإسلامي الحنيف ومختلف الشرائع السماوية لا تقر مثل هذه الأعمال التخريبية أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة بالنهب والتخريب، وناشدوا المواطنين الحفاظ على الأمن العام والتزام السكينة، كما طالبوا الحكومة بالرفق بالمواطنين ومراعاة ظروفهم المعيشية وايجاد الحلول التي يمكن أن تتجاوز بها هذه الظروف. وشددت خطب الجمعة على مسؤولية الحكومة في ضبط أسعار السلع والخدمات وأجور المواصلات وضبط المخالفين ومحاسبة الفاسدين. وفيما عاد الهدوء الى كل المدن والمحافظات اليمنية، لجأت السلطات المحلية في محافظة مأرب الى وسطاء من وجهاء ومشايخ ونواب المحافظة شمال شرقي البلاد لإقناع محتجين مسلحين في منطقة صافر النفطية بفتح الطريق أمام عدد من الناقلات والصهاريج التي تحمل مشتقات النفط والغاز الى العاصمة صنعاء والتي يحتجزها المئات من المسلحين منذ ليل الأربعاء الماضي. وكان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب زعيم"التجمع اليمني للإصلاح"الإسلامي المعارض، دعا الشعب اليمني الى الهدوء والسكينة والتزام النظام واحترام القانون في حوار بثه التلفزيون الحكومي ليل الجمعة، ودان فيه الشيخ الأحمر الأعمال الاحتجاجية التي تحولت الى أعمال شغب وتخريب واعتداءات على المباني والمتاجر والمحال التجارية وصدامات مع رجال الأمن، ووصفها بأنها"فوضى لا يرضى بها شعبنا ولا تعبر عن أخلاقنا وقيمنا واحترامنا لسمعة بلادنا". وشدد الأحمر على حق المواطنين في التعبير عن احتجاجهم بالوسائل السلمية والتظاهرات الحضارية التي يكفلها القانون ويقرها الدستور. وكانت أحزاب المعارضة الموالية للحكم نددت بأعمال الشغب ووصفتها بأنها"تخريب يضر بمصالح الوطن ويهدد السلم الاجتماعي"وطالبت الحكومة بتحمل مسؤولياتها في فرض سيادة القانون وتخفيف الاعباء المعيشية عن المواطنين وتفويت الفرصة على من وصفتهم ب"الحاقدين والموتورين ممن يحرضون الشارع اليمني على ارتكاب هذه الأعمال التخريبية". من جانبها دانت أحزاب المعارضة المنضوية في"اللقاء المشترك"ما وصفته بالاجراءات"العنيفة والدموية والمظاهر العسكرية التي اتخذتها الحكومة لقمع المحتجين على رفع أسعار الوقود". وفيما أكدت رفضها كل أعمال الشغب والاعتداء على المنشآت والمصالح العامة والخاصة طالبت الحكومة بفتح تحقيق في هذه الأحداث وتقديم مرتكبيها الى المحاكمة والعدول عن قراراتها برفع أسعار الوقود تلبية لظروف الشعب المعيشية. ودعا رئيس كتلة"الحزب الاشتراكي"اليمني النيابية مجلس النواب الى الانعقاد فوراً للتحقيق في هذه الأحداث تمهيداً لحجب الثقة عن الحكومة الحالية باعتباره المخول دستورياً ووطنياً الدفاع عن حقوق الشعب اليمني. وقال النائب الدكتور عيد روس النقيب في تصريحات بثها موقع"يمن نيوز"أمس"اننا نؤكد دعوتنا المواطنين للالتزام بأسلوب التغيير السلمي الاحتجاجي ونؤكد حق التظاهر السلمي ونندد باخراج الجيش الى الشوارع بآلياته الثقيلة لإرعاب الناس ومنعهم من التظاهر". وفي تصريحات بثها الموقع نفسه، أكد سلطان البركاني رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام ان الحكومة أخذت في اعتبارها ما سيحدث جراء رفع أسعار الوقود واستعدت لذلك أمنياً، وقال ان اسباب الاحتجاج عائدة لعدم استيعاب المتظاهرين الاجراءات المصاحبة لقرار زيادة اسعار الوقود والتي تصب في التخفيف من الأحوال المعيشية وتحقيق منظومة اصلاحات متكاملة. ولم يستبعد البركاني وجود عملية تحريض وراء الاحداث الى جانب التأكيد على عفوية بعض الاحتجاجات من دون أن يتهم طرفاً سياسياً بالتورط فيها.