شن رئيس الوزراء اليمني الدكتور عبدالكريم الارياني في كلمة ألقاها أمس في مجلس النواب هجوماً شديداً على الاحتجاجات التي استهدفت حكومته في الأيام الماضية بعد قرار رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية. وقال إن حكومته "لن تتراجع عن قراراتها في أي حال من الأحوال". ووصف التظاهرات التي شهدتها صنعاء ومدن عدة بأنها "تخريبية" حركها "مندسون"، وان قوى سياسية، لم يسمها، "شجعت على هذه التظاهرات". في المقابل، اتهمت أحزاب المعارضة في بيان لها السلطات باعتقال قيادات مهمة في الأحزاب في عدن، وطالبت الحكومة بإلغاء اجراءاتها الأخيرة ونددت بأعمال التخريب التي رافقت المسيرات الاحتجاجية. الاحمر يرد وقال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب رداً على الارياني انه لم يكن يتوقع من رئيس الوزراء مثل هذا الهجوم على المتظاهرين، لأن الهدف من مثول الحكومة أمام مجلس النواب كان العمل على تهدئة الوضع وليس توجيه تهم الى الذين تظاهروا. واضاف "كنا نتوقع شيئاً آخر". وبدأت الأوضاع الأمنية تعود إلى طبيعتها في اليمن وحلت قوات الأمن مكان الجيش منذ صباح أمس في صنعاء وبقية المدن الرئيسية، فيما استمرت الاشتباكات في مدينة مأرب 175 كيلومتراً شمال شرقي صنعاء بين مواطنين وقوات الأمن طوال ليلة أول من أمس وحتى صباح أمس. وتعرضت مبان تابعة للمحافظة والمجمع الحكومي لهجوم من مسلحين، وأصدرت مجموعة من القوى السياسية والمهنية في حضرموت بياناً دعت فيه إلى "مسيرة جماهيرية سلمية كبرى في كل مدن المحافظات اليمنية". وطالبت الأحزاب السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع ب "الضغط على الحكومة لإلغاء قراراتها برفع الأسعار حتى يزول سبب احتجاجات المواطنين في كل مناطق اليمن". وفي هذا السياق، اتسمت كلمة الارياني أمام مجلس النواب، حيث مثلت حكومته أمس بطابع سياسي، إذ تجنب فيها الخوض في أي تفاصيل تؤدي إلى تراجع الحكومة عن قراراتها الأخيرة والتزاماتها المتعلقة بتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي مع المنظمات الدولية المانحة وصندوق النقد والبنك الدوليين. لكنه وعد باسم الحكومة بالعمل على استيراد القمح الأحمر الذي تتناسب أسعاره مع قدرة محدودي الدخل. وقال إن الحكومة "ستبدأ قريباً باجراء مسح وظيفي شامل في إطار اصلاح الجهاز الإداري من الاختلالات القائمة" وأعلن "التزام حكومته عدم رفع أسعار الوقود ومشتقاته حتى عام 2003، كما ان حكومته سترفع الدعم الحكومي نهائياً عن القمح الأبيض مطلع العام المقبل وستبقي على دعمها للقمح الأحمر الذي تستهلكه الغالبية". وانتقد نواب ينتمون إلى مختلف الأحزاب السياسية، بينها الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام اجراءات الحكومة في تعليقهم على طرح الارياني، ووصفوا هذه الاجراءات بأنها "انتقائية" كونها ركزت على الاصلاحات السعرية وتجاهلت الاصلاحات في الجوانب الإدارية والقضائية. وشدد هؤلاء النواب على ضرورة اقتحام الحكومة لأوكار الفساد في مفاصلها وتقديم الفاسدين إلى العدالة. وتساءل نواب: "لماذا لم تقدم الحكومة دليلاً واحداً على محاربتها للفساد، ولماذا لم تقدم حتى الآن أي عنصر فاسد للمحاكمة أو المحاسبة رغم كثرة الفاسدين، وان حديثها اقتصر على وعود فقط". وعلى الصعيد نفسه، أكد الارياني للنواب أن الاصلاحات السعرية قرارات رفع الأسعار التي طبقتها الحكومة "ليست جديدة، بل وردت في برنامجي الحكومة الحالية والسابقة وأقرها مجلس النواب، ولا يمكن التراجع عنها بأي حال من الأحوال". وزاد: "ان هناك بعض القوى السياسية تستغل مثل هذه القضايا لإثارة البلبلة والتشكيك رغم ان اجراءات الحكومة عمل واضح كالنهار وليست خيانة"، مؤكداً أن الحكومة ستمضي في برنامج الاصلاحات الشاملة وأنها ستبدأ قريباً الاجراءات الإدارية. وعلى صعيد الاحتجاجات بسبب رفع أسعار الوقود والخدمات والسلع الأساسية، قال شهود عيان قدموا من محافظة الجوف 170 كيلومتراً شمال صنعاء ان الأوضاع متوترة بين المواطنين والجهات الأمنية، وان المواطنين يتجمعون بشكل متزايد، ما ينذر بمخاطر اندلاع تظاهرات هناك في حال فشل تدخل عدد من المشائخ والأعيان في المحافظة استعانت بهم الحكومة لتخفيف التوتر. وأكدت مصادر قبلية في محافظة مأرب ان عدداً من رجال القبائل فجروا أنبوباً للنفط يمر في منطقة وادي حباب في مديرية صرواح في أسوأ عملية تخريب، للاحتجاج على قرارات الحكومة برفع أسعار الوقود. وعززت قوات الأمن ومكافحة الشغب المدعومة من الجيش وجودها في المناطق النفطية ومواقع الشركات البترولية في المحافظة، وزادت دورياتها داخل المدينة والمناطق الرئيسية فيها. وكانت وزارة الداخلية اليمنية أعلنت في تصريح لمصدر مسؤول مساء أول من أمس ان ثلاثة قتلى سقطوا وجرح خمسة أشخاص في مواجهات بين رجال الأمن، ومن وصفهم المصدر الأمني ب "مثيري الشغب المندسين في التظاهرات" التي شهدتها مأرب وتعز وإب وحجة. وأشار المصدر نفسه إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على عدد من العناصر المشتبه بارتكابها أعمال تخريب للممتلكات العامة والخاصة والاندساس في صفوف المواطنين في مسيراتهم السلمية. ودعت الداخلية الأحزاب السياسية والمواطنين إلى ضرورة الحصول على ترخيص مسبق للقيام بأي مسيرة سلمية، وشددت على ما أعلنته عن منع التجمعات والمسيرات غير القانونية. إلى ذلك، واصل مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة أمس اجتماعاته في صنعاء لليوم الرابع على التوالي، وأصدر بياناً استنكر فيه "إصرار السلطات على تصعيد عمليات القمع التي يتعرض لها المواطنون في مختلف المحافظات وطاولت شخصيات قيادية في فروع أحزاب المجلس". وقال المجلس إن قوات الأمن في عدن اعتقلت أمس عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي السيد عبدالواحد المرادي، كما لا تزال تعتقل أعضاء من التنظيم الوحدوي الناصري منذ أول من أمس في محافظة حجة، إضافة إلى عشرات المواطنين في محافظات إب وتعز وصنعاء والبيضاء ومأرب. وأضاف ان قوات الأمن في محافظة عدن وضعت سكرتير اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ورئيس فرعه في عدن السيد عبدالواسع سلام قيد الاقامة الجبرية ومنعته من مغادرة منزله.