سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" حاورت المدير السابق لاستخبارات الجيش اللبناني بعد استماع لجنة التحقيق الدولية الى معلوماته . جوني عبده : اغتالوا رفيق الحريري بسبب دوره المستقبلي لا بسبب ماضيه ومحاولة اغتيال الوزير المرّ تدفعني الى التخوف من اغتيال معارض كبير 2
في هذه الحلقة يتحدث المدير السابق لاستخبارات الجيش اللبناني جوني عبده عن الحملة التي رمت الى تشويه صورة الرئيس رفيق الحريري. ويتطرق في هذا السياق الى التمديد للرئيس اميل لحود ومفاعيله، معتبراً أن التمديد أوجد مناخات سمحت بالاغتيالات. ويؤكد عبده أن الحريري لم يخطط لاشعال انتفاضة استقلال، لكنه كان يرغب في شراكة مع سورية في الشأن اللبناني، ولمس أنها ترفض مثل هذه الشراكة. وهنا نص الحلقة الثانية: من 14 شباط فبراير حتى الآن، هل تغيّر شيء في فهمك لملابسات اغتيال الحريري؟ - لم يتغير الكثير، لكن محطات حصلت بينها تأليف لجنة التحقيق الدولية وقبلها محاولة الحكومة اللبنانية الالتفاف على الرغبة في تشكيل هذه اللجنة. وقد تمثل ذلك في ارسال بعض الأشخاص الى نيويورك لعرقلتها. ثم محطة التأخير في تأليف اللجنة. كل المعلومات تدل الى أن قضاة اعتذروا بعد اختيارهم. تردد عدد من الأشخاص في ترؤس اللجنة. ويمكن القول إن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أخذ وقته في هذه المسألة. لم يرغب في إلزام أحد. اعتقد أن الألماني ديتليف ميليس لم يكن خيار أنان أصلاً. أرجح أنهم أبلغوه بالعثور على شخص مناسب وموافق. اعتقد أن اتفاقاً أميركياً - فرنسياً - المانياً أدى الى ظهور اسم ميليس. كان هناك تأخير في التعيين. ويكاد المرء أن يعتقد أن هذا التأخير سمح لبعض الناس في لبنان ليس فقط باخفاء بعض معالم الجريمة، بل أيضاً اخفاء ملفات لها علاقة بحملة التحريض التي سبقت الاغتيال. الأممالمتحدة كانت تريد العثور على اثباتات لما قاله وليد جنبلاط وسياسيون آخرون من أن اغتيال الحريري جاء في أعقاب حملة تخوين وتشهير استهدفته وبدأت قبل التمديد لرئيس الجمهورية واستمرت حتى الاغتيال. تعرض الحريري لحملة شديدة رمت الى توسيخ صورته لدى جزء من الرأي العام على الأقل، وكي تمر جريمة اغتياله من دون اجماع على ادانتها أو ردود فعل واسعة عليها. بمعنى أن المطلوب كان جعل عملية الاغتيال الجديدة شبيهة بعمليات سبقتها مثل اغتيال بشير الجميل وقبله كمال جنبلاط. لو عدنا بالذاكرة الى الوراء فقد ابتهج قسم من اللبنانيين لدى اغتيال كمال جنبلاط. لم يكن هناك اجماع على إدانة الجريمة. الأمر نفسه بالنسبة الى بشير الجميل. نصف اللبنانيين، إن لم يكن أكثر، ابتهجوا لأنه اغتيل. ثم هناك اغتيال المفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض وآخرين. في كل هذه الاغتيالات لم يتم التوصل الى شيء في التحقيق حول الجهة التي كانت وراء الاغتيال حتى حين اعتقل المنفذ كما في حالة اغتيال بشير. حين اغتيل رفيق الحريري اتجهت اصابع الاتهام الى من حاول توسيخ صورته وتشويهها. حصل اجماع ضد اغتياله شارك فيه بعض الذين كانوا ينتقدونه، وبينهم من رأى إمكان الافادة من الجريمة لإطلاق ثورة استقلال. دم الشخصيات التي اغتيلت سابقاً لم يتمكن من جمع اللبنانيين حوله. دم الحريري جمّع اللبنانيين. ومن يقول عن دم الحريري هو الذي أخرج القوات السورية من لبنان، لا يبالغ. التاخير في تعيين رئيس اللجنة وفي تأليفها وهي تضم أكثر من مئة شخص، خلق شكوكاً لدى الرأي العام الذي راح يتساءل ما إذا كان المجتمع الدولي يريد فعلاً معرفة مَن قتل الحريري. هل تعتقد أن المجتمع الدولي يريد ان يعرف؟ - نعم، على الأقل بالنسبة الى الناس الذين لم يعرفوا بعد. أنا اعتقد أن بريطانيا لم تتدخل في تأليف لجنة التحقيق، ربما لأن لديها المعلومات الأولية حول أصابع الاتهام التي وجهت الى سورية. بريطانيا تعتمد على جهاز تنصت قوي لها قرب قاعدة اكروتيري الجوية البريطانية في قبرص. أنا لا أعتقد أن وزير الخارجية جاك سترو يمكن أن يتحدث عن"شبهات قوية"في ضوء معلومات من دون أن تكون لموقفه ركائز من وجهة نظره. بريطانيا دولة لا تطلق مثل هذا الكلام استناداً الى تحقيق. والعالم بأسره يدرك أن لديها مركزاً كبيراً للتنصت في قبرص. لا أعرف مدى الاهتمام الذي يمكن أن توليه لجنة التحقيق الدولية لمعلومات جمعت عن طريق التنصت. ربما لا تكون له قيمة عدلية. بريطانيا لم تكشف طبيعة مصادرها وما إذا كانت تملك معلومات وصلتها من غير طريق التنصت، لكنها تصرفت بطريقة من يعرف أو من لديه معلومات. هناك من يطرح سؤالاً عن المستفيد من عملية الاغتيال هذه، وأين وقع الضرر؟ ألم يقع بالدرجة الأولى على سورية والحكم اللبناني؟ - طبعاً طرح هذا السؤال مشروع وجائز. مع الأسف يمكن طرحه إذا كانت هناك استراتيجية واضحة وذكاء خارق لدى الجهة التي وجهت اليها أصابع الاتهام، وعندها يمكن طرح السؤال: هل من المعقول أن تقدم جهة على عمل يلحق بها ضرراً؟ للأسف لم يكن الفاصل كبيراً بين التمديد والاغتيال. أعتقد أن قرار التمديد لم نتخذه أنا وأنت. قرار التمديد أيضاً جاءت نتيجته ضد سورية. لا يستطيع المرء أن يقول: هل يعقل أن تكون سورية هي التي اتخذت قرار التمديد الذي أحدث كل هذا الزلزال وأدى الى تجمع جميع الناس تقريباً ضدها؟ من استفاد من التمديد؟ الجواب هو أن أعداء سورية أو خصومها هم الذين استفادوا. أنا هنا لا أقول بوجود قرار سوري رفيع المستوى بالاغتيال. ليس لديّ أي دليل على ذلك. لكنني لا استطيع القول إن الضرر لحق بسورية والنتائج أفادت خصومها وبالتالي يجب استبعاد سورية كاحتمال. قرأت بعض ما قاله جميل السيّد في الحوار معك. قال إن كل نتائج الاغتيال صبت ضد سورية. لاحظت أنه لم يتطرق في هذا السياق الى التمديد. ألقى باللوم على القرار 1559 ولم يتوقف عند مسؤولية التمديد. طبعاً هو صاحب نظرية التمديد، وبالتالي لا يمكنه الاعتراف بخطأ جسيم ارتكب استراتيجياً في لبنان، وهو التمديد لرئيس الجمهورية. هل تعتقد فعلاً أن جميل السيّد هو صاحب نظرية التمديد؟ - طبعاً جميل السيّد هو صاحب نظرية التمديد. جميل السيّد رجل ذكي. كل التقارير التي ذهبت الى دمشق في تلك الفترة كانت منسقة لتصب في هذا الاتجاه. السيّد نفسه كان يردد أن القيادة السورية لن تقبل أن يستمر الظلم اللاحق بالرئيس لحود. بمعنى ما أنه إذا كان السياسيون اللبنانيون استغلوا خطوة الرئيس بشار الأسد بفتح الباب أمام التنافس في انتخابات الرئاسة لمضاعفة الظلم اللاحق بلحود، فإن هذا الواقع يدفع القيادة السورية الى مراجعة موقفها وبالتالي التمسك بلحود، خصوصاً أن الهجمات استهدفت خيارات لحود الاستراتيجية. في أي حال، ألمح السيّد في"الحياة"الى هذه المسألة من دون أن يقولها صراحة. كأنك تقول إن خيار التمديد اعتمد استناداً الى تقارير لبنانية؟ - طبعاً. وكل القرارات المتعلقة بلبنان كانت تتخذ استناداً الى تقارير لبنانية. كانت سورية تتلقى كمية من التقارير من الأمن العام والقصر الجمهوري وأمن الدولة واستخبارات الجيش اللبناني. اللبنانيون يعرفون العقلية السورية أكثر مما يعرف السوريون العقلية اللبنانية. كان الهدف من التقارير تطويق خيارات دمشق الأخرى. ولنقل ان دمشق رفضت الأخذ بتقرير ما لكن يمكن أن يستوقفها تقرير آخر سواء مرّ عبر عنجر أو بقنوات أخرى. لعبة التقارير هنا تحتاج الى مايسترو ينسق مضامينها لجعل دمشق تجد نفسها في النهاية أمام خيار التمديد. هل تقصد القول إن السيّد كان مايسترو التمديد أو مهندسه؟ - نعم. جميل السيّد مهندس انتخاب اميل لحود ومهندس التمديد له. هذا دور كبير؟ - لماذا ننكر على الرجل دوره؟ على المرء أن يكون واقعياً. دور الرجل كان كبيراً. للأسف دور كبير أخذه نحو الخطأ وليس نحو الصواب. في أي حال تحدث السيّد معك بصفته صاحب دور كبير ولكن ليته كان أكثر دقة أو وضوحاً في بعض المسائل. قرأت مثلاً ما قاله عن علاقته بالرئيس رفيق الحريري، فكدت استنتج مثلاً أنه يعرفه أكثر مني، وهذا غير صحيح طبعاً. كاد يعطي الانطباع أن لا شيء بينه وبين الحريري وهذا غير صحيح. اعطى انطباعاً ثانياً يؤكد أنه مهندس كل شيء. أوحى أنه يمسك بورقة الخصومة أو الصداقة مع رئيس وزراء لبنان وفقاً لحساباته أو ما يراه. أوحى أنه يختلف أحياناً مع رئيس الوزراء ويتلاقى معه أحياناً أخرى وكأنه هو الذي يقرر. السيّد كان مديراً للأمن العام وموظفاً في الدولة. إنه موظف كبير وذكي لكن هناك حدوداً للصلاحيات والأدوار. اعتقد أن شيئاً من الغرور شاب الكلام أو الممارسة، فهل يعقل أن يقرر هو مسألة الخصومة أو الصداقة مع رفيق الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط أم مع غازي كنعان أو حتى اميل لحود. تبدأ خلافاً حول ملف أو موضوع ثم يتم ادخال عنصر الكرامة، لكن في الوقت المناسب للحسابات. أعود الى سؤالك عن المستفيد من اغتيال الحريري وأرد عليه بسؤال عن المستفيد من التمديد. نحن هنا لا نتكلم في الأسرار. الجميع يعرفون كيف قررت سورية ليس التمديد، بل عدم التراجع عن التمديد. قرار التمديد كان متخذاً. تلقت سورية اتصالات تدعوها الى ارجاء جلسة التمديد في مقابل ارجاء جلسة مجلس الأمن الذي كان يلوح بالقرار 1559. الكلام عن أن صحيفة"لوفيغارو"كشفت اتصالات أو نيات لا أهمية له. كان يمكن ايقاف صدور القرار 1559 عن طريق وقف قرار التمديد. كنت تلتقي الحريري باستمرار، هل كانت لديه رغبة في وقف القرار 1559؟ - نعم. كانت لدى الحريري رغبة في وقف التوجه نحو التمديد لرئيس الجمهورية. وكان التلويح الدولي بالقرار 1559 يرمي الى الحيلولة دون التمديد. هل تعتقد في ضوء لقاءاتك مع الحريري أنه لو لم يحدث التمديد لما واجهنا القرار 1559؟ - من دون أدنى شك. كان يمكن العثور على علاج آخر. وهذه كانت رغبة رفيق الحريري. أقول من دون أدنى شك. لم يكن القرار 1559 هدفاً للحريري أو مطلباً له، كان مطلبه عدم التمديد لأميل لحود. وكان يعتقد أن مفاعيل التمديد خطيرة جداً على لبنان. هل كان التمديد خطيراً على البلد أم على دور رفيق الحريري فيه؟ - على البلد. رأى الحريري أن النهوض بالبلد يستلزم تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مناخات الوفاق بين الطوائف والقوى السياسية لمواجهة التحديات والأعباء. استنتج في المقابل أن لحود معني بإدامة الخلافات وأن سورية ترى في بقائها ضماناً لقدرتها على إدارة الوضع، ولإبقاء الحاجة الى الوجود العسكري السوري قائمة. أنا هنا لا ألوم سورية، فهي دولة ولها الحق في أن تنتهج السياسة التي تعتبر أنها تخدم مصالحها. ما هو غير طبيعي هو أن يفكر بعض اللبنانيين بهذه الطريقة. من هنا اعتبر الحريري التمديد للحود مسألة خطيرة لأنها تؤدي الى استمرار نهج يعرقل الوفاق السياسي والنهوض الاقتصادي ويبقي القرار في أيدي من لا يحق لهم اصلاً الإمساك به. هل كان لدى الحريري في السنتين الأخيرتين مشروع لإخراج القوات السورية من لبنان؟ - كان لديه في هذه الفترة مشروع للشراكة مع سورية في لبنان، وشعر بأن الجانب السوري لم يقبل حتى بمبدأ الشراكة. هل تصاعدت لديه النزعة الاستقلالية؟ - هذه النزعة الاستقلالية موجودة في قلب كل لبناني الى أي طائفة انتمى. لكن الحريري كان قارئاً جيداً للوضع السوري، وكذلك لايجابيات الوجود السوري في لبنان ولاستراتيجية سورية في المنطقة. لم يكن يطالب بأكثر من مشاركة حقيقية مع سورية في لبنان. اعتبروا أنه يطالب بما لا يحق له فيه. كانت المشاركة مرفوضة سواء طالب بها الحريري أم غيره. هذا التعالي في التعاطي استفز مشاعر الكرامة الى أقصى حد ولدى أكثر من سياسي. الأمن في لبنان ليس أجهزة أمنية. الأمن في لبنان سياسي أولاً. السياسة هي التي تصنع الأمن. الأجهزة الأمنية إذا لم تنفذ التوافق السياسي تجعل الأمن خطراً على البلد. وظيفة الأجهزة الأمنية المحافظة على القرارات السياسية التي تتخذ بالتوافق. للأسف جميل السيّد وغيره في الأجهزة كل تجربتهم تقوم على عدم المحافظة على التوافق السياسي، وبالتالي الحاجة دائماً الى الأمن لاتخاذ القرارات السياسية. لدينا في لبنان أخطار كبيرة. نحن لسنا دولة عصرية. نحن دولة متخلفة. يضع الرئيس سياسة ويأتي بأجهزة أمنية تنفذها كما يريد ثم يضع سياسة اقتصادية في خدمة السياسة التي رسمها. في الدول الطبيعية تأتي السياسة الاقتصادية أولاً ثم السياسة التي تضمن تنفيذها لتأمين حاجات الناس ومتطلباتهم ثم تأتي الأجهزة الأمنية لتنفذ هذا التوافق. في لبنان المراحل معكوسة وأحياناً يأتي دور الأجهزة الأمنية في المقدمة. وبالعودة الى الموضوع الاساسي اقول إن الاهانات أدت الى استنهاض الضمائر والارادات. بلغ الوضع حداً لم يعد الاحتمال معه ممكناً. رحم الله الرئيس الحريري. كانت لديه نقطة ضعف هي تهذيبه. لم يكن من الذين يردون على اساءة بمثلها. كان يضع مصلحة البلد في المقدمة ويتقبل الاساءات من دون الرد عليها لاعتقاده أن الرد والتصعيد يضران بالبلد. ربما هناك من كان يستنتج أن الحريري يخشى الاجابة أو أن التهمة اصابته أو أحرجته. هذا خطأ. من يعرف رفيق الحريري عن قرب يعرف أنه لم يكن مرتكباً في أي مجال. كل ما سيق لتشويه صورته كان حملة أكاذيب. يمكن القول إن هناك من فوجئ بصعود رفيق الحريري ورسوخ زعامته. كان الحريري زعيماً قادراً على إقناع الناس وليس زعيماً يداعب مشاعر الناس ويستسلم لحماستهم. حاول خصومه تصنيفه كرجل أعمال يمارس السياسة عن هواية. قالوا إنه دفتر شيكات. ثم فوجئوا بالحضور القوي للرجل فتضاعف الحقد عليه. لكنه لم يستطع مد جسور مع بقية الطوائف كتلك التي أقامها نجله النائب سعد اليوم؟ - هذا صحيح. لكن لا يمكن القول مثلاً إن رفيق الحريري لم يتمكن من إقامة مثل هذه الجسور. لم يتمكن غير صحيحة. الصحيح هو أنه لم يسمح له ببناء علاقات قوية مع الطوائف الأخرى. في حكوماته الأخيرة كان يمنع من الاتيان بوزير مسيحي مؤيد له، في حين سمح بذلك للرئيس نبيه بري أو للوزير وليد جنبلاط. كان هناك قرار واضح مفاده: ممنوع على رفيق الحريري أن يكون نقطة توافق بين اللبنانيين. سبب المنع أن الحريري كان الوحيد الذي يستطيع أن يكون نقطة وفاق وتوافق بين اللبنانيين. سعد الحريري انطلق بعد زوال الضغوط ومارس ما كان والده يتمنى أن يمارسه وبدقة. معرفتي بالاثنين تدفعني الى القول إن سعد لا يخطو خطوة إلاّ وفي ذهنه أن يكون رفيق الحريري راضياً عن هذه الخطوة. سعد الحريري يؤمن بصحة نهج والده. حدق في عينيه حين يتحدث تشعر كأن جانباً من نظره يتجه دائماً الى ضريح والده يستلهم منه الخطوات. وهو القادر على معرفة ما إذا كان والده راضياً أم لا. إنه الأقدر في معرفة ما كان والده ليفعل لو كان في ظروفه. سألتك عن الاغتيالات فأعدتني الى التمديد لماذا؟ - لأن التمديد أدى للأسف الى هذا المناخ الذي فتح الباب أمام الاغتيالات. أقول هذا من دون تأكيد، فالأمر متروك للجنة التحقيق الدولية والقضاء، فتوجيه أصابع الاتهام الى هذا الفريق أو ذاك يبقى مجرد اتهام. لكن محاولة اغتيال مروان حمادة واضحة، وكذلك اغتيال رفيق الحريري. لقد نُفذا في المناخ الذي أنجبته مفاعيل التمديد. رأيي الشخصي أن ما جرى رمى الى إزاحة من يعترض أو يعرقل استكمال قرار التمديد. يستحيل على المرء الاعتقاد بوجود مفاعيل ايجابية للتمديد. أما التذرع بسابقة التمديد للرئيس الياس الهراوي والقول إن من مددوا له اعترضوا على التمديد للحود، فهذا كلام باطل. كانت هناك ظروف معينة دفعت الى التمديد للهراوي، أي للنظام غير المعسكر بالكامل ولتفادي وضع القرار بكامله في يد الأجهزة الأمنية. طبعاً كان للأجهزة دور كبير في عهد الهراوي لكن على الأقل من دون موافقة رئيس الجمهورية والسياسيين. أما التمديد لاميل لحود فهو مسألة أخرى. كان لحود قائداً للجيش على مدى تسع سنوات. أين كان الياس الهراوي. لم يكن قادراً على نقل ضابط من الجيش الى الحرس الجمهوري. كان ممنوعاً على الهراوي أن يمون على ضابط لديه. كان لدى الهراوي ضابطان صديقان له هما ميشال حروق وريمون معلوف. تمت ترقية كل الضباط قبل الموعد إلاّ الاثنين. فليجرؤ أحد اليوم على معارضة ترقية ضابط في الحرس الجمهوري يخص لحود. تسع سنوات في قيادة الجيش وتسع سنوات في القصر الجمهوري بعقلية من هذا النوع لا بد أن تترك انعكاسات سيئة جداً على البلد. أنت آت من عالم الأمن ماذا قلت يوم اغتيال سمير قصير كيف فسرت؟ - كتبت مقالاً في"النهار"ووجهت اصبع الاتهام الى الاجهزة السورية. هل انطلقت من دلائل أو معلومات أكيدة أم من تحليل؟ - دعني أوضح وجهة نظري. الشخص الذي يغتال لا يعاقب عادة على ماضيه. يغتال من أجل ما يمكن ان يفعله في المستقبل. بمعنى ان الحريري لم يستهدف بالاغتيال بسبب ماضيه، استهدف بسبب ما يمكن ان يكون عليه في المستقبل. سمير قصير اغتيل أيضاً بسبب المستقبل. أقصد ان الشخص يستهدف لشطب دور يمكن ان يلعبه مستقبلا. في مناخ التمديد والقرار 1559 ربما كان هناك من تخوف من قدرة رفيق الحريري على قيادة 14 آذار مارس أي انتفاضة استقلال. للأسف حدثت ثورة الاستقلال بدمه لا بوجوده. لكن كثيرين قالوا انه لو يتاح للحريري الممدد في الضريح ان يفتح عينيه لثوان لرؤية اللبنانيين موحدين ومجتمعين لعاود النوم قرير العين. ردد الناس: لو تفتح يا رفيق الحريري عينيك لتشاهد ماذا يجري حول ضريحك؟ هذا يعني ان الناس يعرفون ماذا كانت رغبات الحريري وطموحاته وتمنياته. هل كان الحريري يخطط لانتفاضة استقلال؟ - لم يفكر رفيق الحريري في أي لحظة في اخراج الجيش السوري بالطريقة التي خرج فيها بعد الاغتيال. لم يفكر مرة في إخراج سورية من لبنان بطريقة تمس صورة سورية أو هيبتها. لكنه كان يعتقد بضرورة قيام شراكة بين لبنان وسورية وكان يعتبر ان هذه الشراكة غير موجودة وان لبنان يدار بالأوامر والايعازات. كان يريد ان تستخلص سورية العبر من تجربتها الطويلة في لبنان الذي لا يحكم بالاملاء والتخويف وكسر الارادات. كان الحريري يستغرب مثلا الاصرار على ايصال اميل لحود الى الرئاسة على رغم معارضة عدد من حلفاء سورية أو اصدقائها لهذا الأمر. كان يحلم بصيغة تعيد الثقة بين لبنان وسورية وتؤدي تدريجياً الى خروج القوات السورية بالتوافق ومع احترام مصالح البلدين. كان يريد، كأي لبناني، خروج سورية بالتفاهم مع اللبنانيين وبعد ان تطمئن الى ان لبنان لا يمكن ان يكون منطلقاً لأي ضرر يلحق بها وأن لا مصلحة للبنان في لعب دور من هذا النوع. كان رفيق الحريري يؤيد استراتيجية الممانعة التي تمارسها سورية على صعيد المنطقة وكان يعتقد ان لبنان يمكن ان يكون مستقلا وان يحافظ في الوقت نفسه على مصالح سورية. هل تعتقد بوجود خيط يربط بين كل الاغتيالات؟ وهل يمكن مثلا ان يكون اغتيال جورج حاوي خارج السياق الذي سبق؟ - يمكن ان يكون في محل ثان. اذا قلنا ان اغتيال سمير قصير يمكن ان يكون في محل ثان فهذا يعني ان الاغتيال تم استناداً الى ماضي الشخص المستهدف. أنا اعتقد ان الاغتيالات هدفها منع الدور المستقبلي. لم يقتل جورج حاوي حين كان يناضل ضد اسرائيل وحين اطلق المقاومة الوطنية ضدها. سمير قصير رجل يساري وشارك في انتفاضة الاستقلال ولعب دوراً فيها. وهو كاتب مؤثر في الداخل والخارج. الياس عطاالله يساري ولعب دوراً قيادياً في انتفاضة الاستقلال. لا أعرف ان كان عطاالله على اللائحة. جورج حاوي كان يعمل من أجل استقلال لبنان. كيف تفهم محاولة اغتيال الوزير الياس المر؟ - هذه المحاولة تجعلني اعتقد ان عملية اغتيال اخرى قيد التحضير وتستهدف معارضاً كبيراًَ. اسكات الأفواه بمحاولة اغتيال الوزير المر ربما يرمي الى خلط الأوراق في مسلسل الاغتيالات وكي لا توجه اصابع الاتهام لاحقاً الى الجهة نفسها. ثم أنا لا أفهم السياسيين، وبينهم العماد ميشال عون والرئيس اميل لحود، حين يقولون لا يجوز اطلاق الاتهامات والمفروض انتظار التحقيق. القضاة ينتظرون التحقيق. رجال السياسة لا ينتظرون التحقيق. عند رجل السياسة وظيفة توجيه الاتهام هي حماية نفسه. القاضي ممنوع ان يتهم من دون ان تكون لديه أدلة. السياسي اذا لم يتهم فذلك يعني ان القاتل يمكنه الاستمرار في عمله. انتظر اللبنانيون التحقيق في اغتيال كمال جنبلاط والآخرين. القول ان الاتهام غير جائز يمكن ان يفسر اننا سنقتلكم واحداً تلو الآخر وممنوع ان تتهموا أحداً. الاتهام هو دفاع عن حالة معينة ودفاع عن النفس. الاتهام هو اتهام سياسي. لم يقل أحد رأيت فلاناً يقتل فلاناً. هذا الكلام من صلاحية القاضي. الاتهام ليس حقيقة، انه رأي سياسي أو تقدير وقد يحمل طابعاً تحذيرياً لوقف المسلسل. لنفترض انني مدير استخبارات وعلمت ان ثمة من ينوي اغتيالك ولا قدرة لي على حمايتك. أقل ما يمكن ان أفعله هو ان اعلن المعلومة واقول: لدي معلومات انهم ينوون اغتيال فلان. عندها يتوقفون عن اغتياله. رجل السياسة يضطر، كما رجل الأمن، الى قول أشياء قد لا تتصف بالدقة اللازمة. الدقة مطلوبة من القضاء. توجيه اصابع الاتهام ولو تحليلياً يساهم احياناً في حماية شخص أو حماية المعارضة. هل تعتقد ان الحديث الرائج عن وجود لائحة اغتيالات صحيح؟ - طبعاً هناك لائحة اغتيالات. كمدير سابق للاستخبارات اسألك الى أي حد يمكن ان يكون لبنان تحول مجدداً الى ساحة مفتوحة لحروب اجهزة الاستخبارات الخارجية؟ الا يمكن ان تتدخل اجهزة جديدة وتنفذ اغتيالاً لصب الزيت على النار؟ - بلا شك. هذا الأمر وارد. اذا لم يكن هناك توافق سياسي بين اللبنانيين وتوافق سياسي مع سورية سيكون الاستقرار صعباً أو متعذراً. على لبنان ان يُطمئن سورية ان لبنان المستقل لا يقبل ان يكون مصدراً لإقلاق سورية أو الاضرار بمصالحها. وان لبنان حريص على المصالح السورية في لبنان حتى أكثر من سورية لأن مصلحته الفعلية تقتضي ذلك. يجب ان يجتمع اللبنانينون تحت مظلة وفاق عام وان يقنعوا سورية ويطمئنوها ثم تكلف الاجهزة الأمنية بالسهر على الاستقرار في لبنان واستقرار العلاقة بين البلدين. كيف ترى وضع الاجهزة الأمنية حالياً بعد إزالة العصب الذي كان يتولى التنسيق مع سورية أو يستمد فعاليته وهيبته من دعم المرجعية السورية؟ - اخطأت المعارضة حين راحت تكيل الاتهامات للأجهزة الأمنية من دون التنبه لوقع الاتهامات. يمكنها اتهام الاجهزة في تصرفاتها لكن توجيه اصابع الاتهام في كل مسألة الى الأجهزة الأمنية ووزير الداخلية أمر لا يحدث في العالم. أصيبت بريطانيا قبل أيام بمصيبة بفعل التفجيرات. لم يسارع السياسيون الى اتهام الأجهزة حتى بالتقصير. طبعاً المشهد مختلف. تلك الأجهزة تنفذ سياسة في بلد مستقر يريد صون الأمن والاستقرار على ارضه. الاجهزة الأمنية تتهم عادة حين تعمل على التفرقة. واذا كانت الاغتيالات تصب في التفرقة فعندها تظهر الاتهامات. أقول ان الاجهزة يجب ان تعمل في ظل التوافق لا ان تعتقد ان توافق السياسيين يحجم دورها. بمعنى آخر اذا اعتبرت الاجهزة ان اتفاق السياسيين يحرمها من القدرة على التأثير في القرار او الاتيان بوزير أو مدير فإن هذا النهج لا يوصل الى الاستقرار. ذات يوم سألني الرئيس أمين الجميل عما يمكن عمله في الجيش فقلت الحل يبدأ باستقدام خبراء في علم النفس لأننا، ضباط الجيش، ومن حيث لا ندري نعتبر اننا سنصبح بلا دور اذا حصل استقرار في لبنان. وهذا يعني اننا في دواخلنا، ومن دون ان نقصد، نفضل عدم الاستقرار لأنه يخلق لنا دوراً وموقعاً اجتماعياً ويدفع السياسيين الى بناء علاقات معنا. لا أعمم هذا الكلام لكنني أقول في ضوء تجربتي في الجيش ان مثل هذا الشعور موجود لدى العسكريين وربما من دون تقصد. انها الرغبة في الدور. يجب افهام ضباط الجيش والأمن ان الاستقرار وان نال من حجم أدوارهم السياسية او من بريق مواقعهم لكنه يعتبر في النهاية نجاحاً لمؤسستهم وللبلد. ثم ان الطائفية في لبنان لا تحتاج الى مجلدات لإثبات انها مضرة. لكن هل لدينا الوعي الكافي حالياً للتقدم نحو إلغائها. تصور ان رفيق الحريري، رحمه الله، الرجل الذي أجله واحترمه واعتبره صاحب قرارات كبيرة، تصور انه لم يوافق على الزواج المدني الاختياري. وقد انتقدته يومها لأنني رأيت في هذه الخطوة لا الحل بل اعلان اراده من جانب الطوائف انها ترغب فعلا في الاندماج. طبعا الزواج المدني الاختياري حاصل. اللبنانيون يذهبون الى قبرص ثم يعودون الى لبنان ويسجلون زواجهم المدني. السؤال هل نستطيع السير نحو العلمنة مع احترام كل خصوصيات الطوائف والمعتقدات؟ للأسف لا نرى نضجاً في هذا الاتجاه بل نرى ابتعاداً عنه وتزايد السلوك الطائفي. غداً حلقة ثالثة وأخيرة