تتواتر القرائن على خروج القيادة الصينية من الإجماع غير المستقر الذي أثبته دينغ هسياو بينغ منذ بداية عهده، في 1978، الى حين انطفائه في 1995. فالقيادي الثوري العجوز أنشأ كتلة، لحمتها مناهضة الماوية، جمعت قدامى جهاز التخطيط الصناعي المتمسكين بالتحالف السوفياتي، الى العسكريين المحترفين المنبهرين بالتكنولوجيا العسكرية وقد صارت بمتناولهم، والتكنوقراطيين المتنورين المتحالفين مع شتات الرأسماليين في المهاجر الآسيوية والمائلين الى اقتصاد السوق. فهذا التكتل في طريقه الى التلاشي والافول تحت وطأة انجازاته المتعاظمة. ويعود التصدع الى الاختلاف على تأويل الازدهار الصيني. فثمة تأويلان للازدهار: يتوقع التأويل الاول ان تتمكن رأسمالية الدولة الصينية في وقت قريب من قطع روابطها بأقرانها الاوروبي والاميركي والياباني، فتطير بأجنحتها، وتعقد احلافاً على مثالات متجددة. ويذهب التأويل الثاني الى ان نجاح النمو الصيني يثبت صحة سيرورة العولمة، ويفتح قنوات تبادل واسعة وعريضة تمكن الصين من جبه المصاعب المتخلفة عن ازدهارها الناشئ. ... وعلى رغم ضعف تجانس الكتلة المناهضة للماوية التي أنشأها دينغ، لم الكتلة هذه تنفك تعمل على نحو مجزٍ ومجدٍ جراء وطنية جيل 1949 الذي انتصر ودخل بيجينغ في تلك السنة، وإلحاح فكرة اخراج الصين من الهاوية التي رمتها فيها ثورة ماوتسي تونع الثقافية على جناح السرعة. واليوم، على خلاف قياديي الجيل السابق، يتقابل ويتصارع قياديون مساراتهم متقاربة ومتشابهة، جرى انتقاؤهم عن ايدي قياديي جيل سابق، احتكم الى معيار واحد في انتخابهم واصطفائهم، وارتسمت رؤاهم الاساسية في حقبة واحدة، في اواخر الثمانينات، وصدرت عن رفض ديموقراطية الساحة تيان انمين الطالبية ورفض النهوض التخطيطي و"السوفياتي"تحت لواء لي بينغ. ويدعو الى الدهشة والعجب تطور المنافسة بين الرئيس الحالي هو جينتاو، وبين رئيس جهاز الامن، زنغ زينغهونغ، وهو خليفة الرئيس السابق، جيانغ ريمين، الاثير، على ما كان متوقعاً، ولكن مع انقلاب الادوار المتوقعة. فلم يكد هو جينتا ويتربع في كرسي الرئاسة حتى اسرع الى نسيان اعداده الليبرالي في كنف الجامعة وفي صفوف الشبيبة الشيوعية وعهدة استاذه القديم، الديموقراطي هو ياوبانغ. واذا به، وهو من اوصى به منذ وقت طويل دينغ هسياوبينغ الاصلاحي، يبعث أشكال التسلط المتشدد كلها، الحزبية منها وتلك العائدة الى الدولة. فيد الرئيس ظاهرة الأثر في تفاقم السجال مع تايوان، والايحاء بالتظاهرات المقذعة وغير اللائقة المنددة، باليابان، وفي عودة الصين النشطة والمقلقة الى باكستان حيث تحاول بيجينغ كبح التقارب بين اسلام أباد ودلهي. وفي الأثناء، يحاول زنغ، على رغم تحدره من صلب أحد رجال الامن الاثيرين عند ماو، رعاية علاقات طيبة باليابان، ومجزية بالولاياتالمتحدة. فهو خير حليف للاصلاحيين الذين يحوطون رئيس الحكومة وين جياباو، المعروف بميله الى طلاب تيان ان مين ابان حركتهم في 1989. ولا شك في ان اصطدام هاتين النظريتين مقبل لا محالة. وتترتب عليه، من غير شك، نتائج حاسمة. فالمعسكر الاصلاحي ثابت على انفتاحه على تايوان، ورغبته في التعاون مع الهند، وميله الى اليابان الجديد، ومرونته العملية ازاء الولاياتالمتحدة. فاذا اخفق حارس المرمى، وين جياباو، في صد ضربات المتشددين، لربما ارتمت امبراطورية وسط العالم على حين غرة، في المعسكر المناهض للعولمة، مع ما يترتب من عواقب مدمرة على هذا. الكسندر ادلر، لوفيغارو الفرنسية، 13/7/2005