سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ملهمة الحراك السياسي في مصر تأسست على مائدة إفطار رمضاني والإعلام جعلها ظاهرة . "كفاية" جمعت أفرقاء السياسة ... ورهاناتها تتجاوز مناهضة التمديد والتوريث
تعقد الحركة المصرية من أجل التغيير"كفاية"التي تناهض التمديد للرئيس حسني مبارك والتوريث لنجله جمال، مؤتمراً للحوار الديموقراطي في السابع من تموز يوليو الجاري، ودعت"كفاية"500 شخص من مختلف التيارات السياسية المصرية للمشاركة في"المؤتمر الديموقراطي المصري الأول"الذي"يناقش أجندة الحركة وأولويات مطالبات التغيير خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى تحديد الآليات المطلوبة لتحقيق هذه الأجندة والإجابة عن الأسئلة حول مستقبل الحركة وبرامجها"، كما يقول العضو البارز في"كفاية"وأحد مؤسسيها أبو العلا ماضي ل"الحياة"، ويسعى المؤتمر إلى"صوغ عقد اجتماعي جديد بمشاركة ألوان الطيف السياسي كافة"، بحسب منسق الحركة جورج إسحاق، ووجهت"كفاية"الدعوة إلى غالبية الأحزاب عدا"الحزب الوطني الديموقراطي"الحاكم، كما تتغيب عن فعالياته جماعة"الإخوان المسلمين"، هنا نلقي الضوء على الحركة التي ألهمت شعاراتها انفجار الحراك السياسي الذي تشهده مصر أخيراً. لم يكن أياً ممن جمعتهم مائدة الإفطار الرمضاني في منزل الناشط السياسي الإسلامي المصري أبو العلا ماضي في شتاء العام 2003 يتوقع أن يؤسس حديثهم العابر عن أحوال بلادهم واجتماعهم التقليدي لأبرز حركة سياسية معارضة في عهد الرئيس حسني مبارك. فالإفطار الذي دعا ماضي إليه 22 من المشتغلين بالسياسة والهم العام، جميعهم من جيل الوسط في العمل العام المصري باستثناء الدكتور عبد الوهاب المسيري"انتهى إلى الاتفاق على صوغ بيان يرفض الدعاوى الخارجية للإصلاح التي ترددت آنذاك، ويجدد حركة الضغط الداخلي، إضافة إلى المطالبة بالإصلاح وفقا لأجندة وطنية"، بحسب ماضي. أسند المجتمعون مهمة إعداد البيان وصوغه وجمع التوقيعات عليه إلى ستة منهم، هم الدكتور محمد السعيد إدريس الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في جريدة الأهرام وجورج إسحاق الناشط السياسي والحقوقي أمين الإعلام في المدارس الكاثوليكية في مصر والنقابي أحمد بهاء شعبان وأمين اسكندر الناطق باسم حزب الكرامة العربية اليساري - تحت التأسيس والدكتور السيد عبد الستار وأبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط ذي التوجه الإسلامي. بيد أن المخاض لم يكن سهلاً. يقول ماضي ل"الحياة":"استغرق إعداد البيان سبعة أشهر للوصول إلى صيغة توافقية ترضي ثلاثمئة شخص وقعوا عليه ينتمون إلى مختلف الاتجاهات السياسية بين إسلاميين وليبراليين ويساريين. ويضيف:"كان كل منهم يقترح تعديلات على البيان تتسق مع أجندته، فنضيف منها ما يحظى بتوافق عام ونرده إلى الموقعين للتعقيب، وهكذا حتى وصلنا إلى الصيغة النهائية للبيان. خرج بيان الحركة الأول الذي كان مقرراً أن يكتفي الموقعون بإصداره في الثامن من آب أغسطس عام 2004، تتصدره مطالبة بحشد الجهود"حفاظاً على الوجود العربي لمواجهة المشروع الأميركي الصهيوني ... والمخاطر والتحديات الهائلة التي تحيط بأمتنا، والمتمثلة في الغزو والاحتلال الأميركي للعراق، والاغتصاب والعدوان الصهيوني المستمرين على الشعب الفلسطيني، ومشاريع إعادة رسم خريطة وطننا العربي، ولم يتجاوز هذا الشق من البيان سقف خطاب المعارضة المصرية المعتاد، بل إنه يتماس مع خطاب الحكم في بعض جوانبه. على أن المفاجأة التي حواها البيان، كانت امتداد المطالبات بالإصلاح إلى موقع رئيس الدولة الذي طالبته الحركة"بإنهاء احتكار السلطة وفتح الباب لتداولها لتتجدد الدماء وينكسر الجمود السياسي والمؤسسي، والبدء فوراً بإجراء إصلاح دستوري يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه من الشعب مباشرة لمدة لا تزيد على دورتين فقط، ويحد من الصلاحيات المطلقة الممنوحة لرئيس الدولة. أغرى الزخم الإعلامي في تلقف البيان الموقعين بتطوير تحركهم، فدعا صائغوه إلى اجتماع حضره 500 شخص في أيلول سبتمبر 2004 في"جمعية أبناء الصعيد"في حي الظاهر القاهري لتأسيس حركة ضغط تتمحور حول المطالب التي تضمنها البيان سموها"الحركة المصرية من أجل التغيير"أو..."كفاية. "تعمدنا أن نعقد اجتماعنا في الوقت نفسه الذي عقد فيه الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم مؤتمره السنوي، كي نؤكد عدم تفرد جهة وحيدة بمقدرات الوطن وشؤونه"، يقول منسق الحركة جورج إسحاق - ويضيف:"أجمع الكل على عدم الاكتفاء بالبيان وضرورة تشكيل حركة للضغط في اتجاه تحقيق الإصلاحات وإطلاق الحريات. لكن لماذا"كفاية"في هذا التوقيت تحديداً، وكيف اجتمع الفرقاء السياسيون الذين أسسوها؟، يجيب ماضي:"عندما تعالت المطالبات الأميركية بالإصلاح أثارت قلقا عاما لدى المنشغلين بالهم العام على اختلاف مشاربهم من فكرة التدخل الخارجي، شعرنا أن أصحاب الشأن يتحدث غيرهم بصوتهم. ويعتقد ماضي أن الفرقاء السياسيين تحلقوا حول مطالب الحركة"لأننا جميعاً من جيل الوسط الذي تخلص من عقد عجائز السياسة، وجمعتنا حوارات هادئة ومشروعات مشتركة سبقت تأسيس الحركة مثل الميثاق الوطني للحريات النقابية في العام 1994 ومشروع الدستور في العام 2000 - وعلى رغم أن الأخير لم ينجح، فإن هذه المحاولات ساهمت في إذابة الجليد بين مختلف التيارات. وفي السياق نفسه، يقول إسحاق:"كنا مقبلين على عام انتخابات برلمانية واستحقاق رئاسي، كان لا بد من توافق على الحد الأدنى بيننا بعيدا عن التخوين واتهامات العمالة، لضمان انتخابات نزيهة حرة وللعبور من هذه المرحلة الحرجة. إلى هنا، كان من الممكن أن تنتهي"كفاية"كتحركات سياسية كثيرة في مصر لا تخرج عن اجتماعات الغرف المغلقة والقاعات، لكن رغبة مؤسسيها في تجاوز هذه الحدود التي ظلوا يتحركون في إطارها طيلة تعاطيهم السياسة أفرزت أولى تظاهرات الحركة في كانون الثاني ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالي في وسط القاهرة - وشاهد المصريون للمرة الأولى ملصقات"كفاية"التي يميزها اللونان الأصفر والأحمر وشعاراتها التي لم يعتادوا سماعها من قبل"لا للتمديد للرئيس مبارك.. لا للتوريث لنجله جمال. ومرة أخرى، يلعب الإعلام دوراً في مسيرة الحركة، إذ"لم يتخيل أحدنا أن تظاهرتنا الأولى ستلقى هذا التفاعل وتحدث ذلك الصدى"، يؤكد إسحاق وماضي، ويضيف الأخير:"كنا نستأنف نشاطنا السياسي فقط ونحاول أن يكون لنا دور ما، لكن الزخم الإعلامي في استقبال أنشطة الحركة أحدث تأثيراً تجاوز طموحاتنا وتوقعاتنا. تعاطى الأمن مع تظاهرتي"كفاية"الأولى والثانية التي التأمت أمام جامعة القاهرة في شباط فبراير الماضي بهدوء أثار إشاعات أطلقها بعضهم، مفادها أن الحركة خرجت من عباءة الحزب الحاكم لتنفيس الضغوط الداخلية وتخفيف الضغوط الخارجية وصبغ خطوات إصلاحية تتخذها الحكومة لاحقاً بشرعية الاستجابة لمطالب الجماهير، لكن منع التظاهرة الثالثة للحركة في آذار مارس أسكت هذه التكهنات التي تنفيها قيادات"كفاية"وترفضها بشدة. "حركتنا صدمت الجميع ولاقت تعاطفاً كبيراً جعلها بمثابة المفاجأة لكل التيارات بما فيها الحكم"، يشدد ماضي، لكنه يعترف أن التعديل الدستوري الذي أقر أخيراً لتغيير طريق انتخاب رئيس الجمهورية"لم يكن نتاجاً خالصاً لضغوط الحركة، ولعبت الضغوط الخارجية دوراً كبيراً فيه. هذا التعديل الدستوري كان منحنى فارقاً لنشاط الحركة التي صعدت من احتجاجاتها ونظمت تظاهرات رمزية خارج العاصمة في 14 مدينة في توسيع نادر لنشاط سياسي في مصر التي اعتاد المشتغلون بالسياسة فيها اتخاذ القاهرة فضاء وحيداً لتحركاتهم، واستمرت احتجاجات"كفاية"حتى يوم الاستفتاء على التعديل الدستوري في آيار مايو الماضي، حين اعتدى متظاهرون من الحزب الحاكم على متظاهري الحركة الذين تجمعوا أمام نقابة الصحافيين وضريح الزعيم الوطني سعد زغلول احتجاجا على تفريغ التعديل الدستوري من مضمونه عبر وضع شروط قاسية للترشح للمقعد الرئاسي. حددت"كفاية"لائحة بأسماء المسؤولين عن اعتداءات يوم الاستفتاء تضمنت 21 مسؤولاً، بينهم وزير الداخلية حبيب العادلي الذي طالبت بإقالته، وهددت باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاتهم، لكن التعديل أثار لدى طرحه تساؤلات حول مستقبل"كفاية"بعد الشروع في تحقيق واحد من أبرز مطالبها... تداول المقعد الرئاسي، "تداول منصب الرئاسة هو أحد مطالب كثيرة للحركة، منها تقليص صلاحيات الرئيس وتحديد مدة ولايته وانتخاب نائبه وإطلاق الحريات، وغيرها كثير، لن تنتهي الحركة سوى بعد تحقق هذه المطالب، وأعتقد أن هذا سيستغرق وقتاً كبيراً، مستقبل الحركة ليس رهن انتفاء مخاوف التمديد والتوريث"، يقول إسحاق، في حين يؤكد ماضي أن"بقاء الحركة ومستقبلها مرتبطان بتحقق مطالبها، فهي ليست حزباً سياسياً، هي فقط حركة ضغط ومطالبة بالحريات. ألهمت"كفاية"عشرات الحركات السياسية الجديدة المطالبة بالتغيير، فتأسست حركات مثل"التجمع الوطني من أجل التحول الديموقراطي"وحركات"أطباء من أجل التغيير"و"صحافيون من أجل التغيير"و"محامون من أجل التغيير"و"أدباء من أجل التغيير"... وأخيراً"التحالف الوطني من أجل الإصلاح"الذي تقوده جماعة"الإخوان المسلمين". ولا يخشى قادة"كفاية"أن يؤدي تزايد الحركات المطالبة بالتغيير إلى تفتيت جهود الضغط،"فنحن متمسكون بالحوار مع أي حركة جديدة تناضل من أجل الإصلاح، ونصر على التواصل معها، لأن هذه الحركات في النهاية تعد إضافة إلى جهود التغيير المخلصة في مصر"، يقول إسحاق. وعلى رغم بساطة لافتة مناهضة التمديد والتوريث التي تجمع أعضاء"كفاية"ومناصريها، فإن مسؤولي الحركة يبدون في حال لبس إزاء هويتها ومستقبلها، وإذ يشدد إسحاق على أن الحركة ستدعم لائحة من المرشحين في الانتخابات البرلمانية المقبلة من داخلها وخارجها، يؤكد ماضي أن هذه القضية مجرد كلام لم يتخذ فيه قرار بعد، كما أن مواقف أعضائها تتباين إزاء قضايا عدة أبرزها فكرة الضغط الخارجي، ولعل هذا هو ما دفع"كفاية"إلى الدعوة لمؤتمر يناقش مستقبلها ورهاناتها، كي لا يصيبها تكلس تناهضه.