أيام قليلة وينفض"مهرجان"الانتخابات الرئاسية الأولى في مصر، وبغض النظر عن نتائجها شبه المعروفة سلفاً، فإن ثمة تساؤلاً يزداد توهجاً كلما دنت لحظة الاقتراع، وهو ذلك المتعلق بمصير الحركة المصرية من أجل التغيير"كفاية". ذلك أن استشراف مستقبل الحركة، يصب بشكل أو بآخر في التعرف على مستقبل الحراك السياسي في مصر بوجه عام. فالحركة التي نجحت في إطلاق الشرارة الأولى لرفع سقف المطالب السياسية في مواجهة النظام المصري، وهو ما استفاد منه لاحقاً مختلف القوى المعارضة، إنما تعبر عن ظاهرة مجتمعية آخذة في النشوء والتبلور، أكثر منها حركة سياسية ذات إطار مؤسسي، وهو ما قد يساعدها في تنظيم حركتها و"تأطير"مطالبها ضمن برنامج للإصلاح الشامل. ومنبع الربط بين الأمرين مصير كفاية ومستقبل الحراك السياسي، عاملان: الأول أنه لم يكن للحياة السياسية في مصر أن تنتعش وتشهد هذا المناخ التنافسي، في ظل أجواء سياسية أكثر جِدة وسخونة لولا الدور المؤثر الذي قامت به كفاية طيلة الشهور القليلة الماضية، وذلك دون إغفال المؤثرات الأخرى بالطبع. ثانيهما: أن الحركة، رغم ضآلة حجمها، تعبر بشكل أو بآخر عن"تحول"نسبي في المزاج السياسي"الشعبي"، ما قد يشي بإنهاء حال"الكهولة"السياسية التي أصابت الشارع المصري لفترات طويلة. وهما عاملان من شأنهما ترك بصمة واضحة على مستقبل الحياة السياسية في مصر بوجه عام، إذا ما تم استثمار نتائجهما بشكل جيد. وقد ساهم في نجاح"كفاية"كونها تتمتع بمرونة فكرية وأيديولوجية وسياسية عالية، مكنتها من الصمود لأكثر من عام في وجه التحرشات والضغوطات التي مورست على أعضائها. فالحركة لم تقف عند"حدود"أيديولوجية بعينها، بحكم اتساع مطالبها لتغطي كافة التيارات السياسية من ماركسيين وليبراليين وإسلاميين وقوميين، وبوصفها تعبر عن مطالب قطاع عريض من الشعب المصري، المتلهف الحقيقي للتغيير. كذلك لم"ترتبط"الحركة بفئات اجتماعية دون غيرها، بل على العكس من ذلك، هي حركة مفتوحة لجميع الطبقات والأعمار، ولا تفرض شروطاً لعضويتها كالولاء السياسي والأيديولوجي أو الاشتراطات المالية، ولكن الشرط"المنطقي"الوحيد أن تكون راغباً في التغيير ومدافعاً عنه. ويمكن اختصار ما سبق في القول بأن"كفاية"تمثل حركة"جنينية"، على حد وصف منسقها العام جورج إسحق، تحمل في ثناياها كثيرا من صفات وملامح المرحلة الحالية التي تعيشها مصر، وتدق الأجراس بضرورة التغيير الفعلي. وهي في ذلك لم تحمل معولاً للهدم، ولم تغرق في وهم أن يحل التغيير بين ليلة وضحاها، لكنها أدركت أن الطريق لاستعادة الحقوق والحريات طويلة وشاقة، بيد أن المهم أن نبدأ. وإذا كانت"مطاطية"الحركة وليونتها، قد أفادتاها كثيراً في تفادي مضايقات الحكومة وتحرشات نفر من أعضاء الحزب الحاكم، إلا أن استحقاقات البقاء واستمرارية الضغط لا تقف عند مجرد القيام بالتظاهرات وعقد المؤتمرات"الفجائية"للتعليق على حادثة ما، أو اتخاذ موقف من قضية بعينها. مصير"كفاية"بات علي المحك، بفعل عوامل عديدة، أولها: حال الارتخاء والهدوء التي تبدو على نشاط الحركة، والتي من المتوقع أن تطول بعد حسم الجولة الرئاسية، إن لم يكن لفتور"عزيمة"القائمين عليها بعد فشل مطلب. ثانيها: عدم وجود"ضمانات"حقيقية تنبئ باستمرار حال الانفتاح الحكومي على قوى المعارضة، وتساهلها في التعاطي مع أنشطتها دون تعسف، ذلك أن المخاوف من حدوث"رِدة"سياسية عن الخطوات الإصلاحية التي اتخذت مؤخراً، تبدو قائمة ومتجددة في ظل غياب أي نوع من التوازن بين السلطات يضمن"التزام"الرئيس الجديد بها. ثالثها: حال التشرذم التي تطغى على مواقف القوى السياسية المؤثرة، والتي انجلت إبان الاستعداد لانتخابات الرئاسة، وإذا كانت"كفاية"لا ترتبط بشكل مباشر بأي من هذه القوى، إلا أن منطق المصالح"الفئوية"في التعاطي مع النظام يقلل إلي حد كبير من وهج أي مطالب لا تنسجم مع أجندته الإصلاحية. ومن غير المستبعد أن يزيد حجم الصفقات السياسية خلال الفترة المقبلة علي خلفية الاستعداد للمعركة السياسية"الأهم"في الانتخابات التشريعية بعد أقل من شهرين، وهو ما يحد بالطبع من قدرة كفاية في الضغط على النظام. رابعها: خفوت الضغط الخارجي في ما يخص مسألة الإصلاح والالتزام ب"الضمانات"الديموقراطية، وهو عامل قد لا تستند إليه كفاية بشكل مباشر، بيد أنها تستفيد حتماً من إفرازاته والمناخ الذي يتيح لها مزيداً من الحركة والنشاط. قد لا تبدو ملامح"الأزمة"واضحة لدى حركة كفاية الآن، بيد أنها ستغدو ملحة بنهاية العام الجاري، خصوصاً إذا ما انحسرت"الفورة"الآنية في المناخ السياسي، وهو ما يشكل تحدياً حقيقياً للحركة لن تفلت منه إلا من خلال وضع"بديل"مناسب يمكنها من تطوير أدواتها والبقاء تحت الأضواء. وفي ضوء ما هو منظور يمكن القول بأن ثمة طريقين على الحركة أن تسلك إحداهما كي"تحفظ"وجودها في الشارع المصري، و"تحافظ"على ما حققته طيلة الفترة الماضية. الأولى: أن يندمج أعضاؤها والمتعاطفون معها في أحزاب سياسية قائمة أو ناشئة، على أن يمارسوا دورهم الحركي بنفس القوة التي كانوا عليها في كفاية، وهو ما قد يعيد الحياة من جديد للحياة الحزبية في مصر، ويضمن انتعاشها. والثانية: أن تتحول الحركة إلى منظمة أهلية، تمارس دوراً مجتمعياً أكثر وعياً وعمقاً، تمهيداً لخلق جيل جديد من المصريين يدرك حجم التحديات التي يواجهها مجتمعه ويعمل على التعاطي معها بجدية أكثر مما عليها الحال الآن.