منذ فترة يتوقف المراقبون الأقتصاديون عند ظاهرة أدخلت تبدلاً نوعياً في احدى قواعد الأستهلاك في المراكز التجارية الكبرى والمقاهي والمطاعم والفنادق، اذ لم يعد المنتج الجيد فقط هو السبب الذي قد يدفع المستهلك الى ارتياد مكان ما أكثر من غيره. فمنذ شهور أصبح رواد المقاهي والمراكز التجارية في العالم العربي يحملون الحقائب التي تحوي كومبيوتراتهم النقالة ويتوجهون في خلال ساعات العمل لاحتساء القهوة أو حتى تناول الطعام وعقد اجتماعاتهم خارج المكتب. والسبب الذي أدخل هذا التغيير هو نوعية الخدمات التي يقدمها المقهى أو المطعم أو المركز التجاري، والتي تجعل الجمع بين الاسترخاء والعمل والتسوق أحياناً، أمراً ممكناً وممتعاً. الپ"واي فاي"Wi Fi اسم جديد دخل الى حياة الناس وعدل فيها مع انه لا يزال في بداياته، إذ فتح مجالات جديدة لاستعمال التكنولوجيا، وأرسى خطوة جبارة على طريق الحركية والأستقلالية mobility and independence. فمنذ شهور نمت هذه الخدمة في شكل سريع، اذ انتشرت الإعلانات التي تتحدث عن خدمة"واي فاي"في المراكز السياحية والتجارية. ويزداد عدد الپ"هوت سبوتس"، اي المراكز التي تقدم هذه الخدمة، أسبوعياً في شكل يفوق الوصف، ما يحدث تغييراً في حياة الناس في شكل تلقائي. فالجلوس في المقهى أصبح أفرادياً أحياناً كثيرة، خصوصاً بالنسبة الى الذين يقصدون المكان من أجل متابعة العمل. ويقول القيمون على هذه الپ"هوت سبوتس"والمقاهي أن أدخال هذه الخدمة الى محلاتهم يصنف في الخانة التسويقية أولاً وأخيراً. وهي ترفع عدد الرواد في شكل ملحوظ. فمنذ أدخال هذه الخدمة، لاحظ أحد العاملين في احد مقاهي"ستارباكس"في لبنان أن عدد الرواد ارتفع بين سبعة وعشرة زبائن جدد يومياً. وهذه نسبة ترتفع في شكل سريع وتؤدي أيضاً الى ارتفاع مبيعات الكومبيوترات النقالة في ظل برامج التقسيط التي تقدمها المصارف والشركات. تعريف النظام كيف يعمل نظام الواي فاي او الWireless Fidelity؟ يقول خوسيه سلامة مدير التسويق في شركة"آي دي أم" IDM اللبنانية أن العملية بسيطة جداً، فالمبدأ هو نفسه الذي أعتمد في نظام الهاتف النقال والإنترنت، لكن البروتوكول مختلف وقدرة نقل المعلومات وصور الفيديو اكبر بكثير وهي تصل الى 56K. وهذا النظام لم يكن لينتشر بهذه الصورة لولا التطور الذي أدخلته شركة"انتل"لصناعة الرقائق عبر انزالها نظام"سنترينو"الذي يحوي جهازاً لاقطاً وبطارية تخدم لوقت أطول، ما منح المستخدمين حركية أعلى ولمدة أطول. ويمنح هذا النظام سرعة كبيرة في تحميل المعلومات والصور تفوق بكثير السرعة العادية المعروفة للإنترنت. وتعمل شركات الإنترنت ISP على رفع عدد مستخدمي الپ"واي فاي"من خلال زيادة عدد المراكز التي توفر هذه الخدمة في شكل سريع. وفي أحصاء مبدأي يقول سلامة إن عدد مستخدمي هذا النظام يبلغ نحو 3000 في لبنان في الوقت الراهن، لكن الرقم مرشح للارتفاع في شكل سريع ليصل الى ستة آلاف في الأشهر المقبلة، خصوصاً مع زيادة عدد الپ"هوت سبوتس"الأسبوعي. وما سيزيد الاقبال على هذه الخدمة انها ليست محصورة بأي بلد محدد بل تتضمن نظام رومينغ"الجوال"أيضاً الذي يضم نحو 2500"هوت سبوت"في الخارج. مضر؟ وفي أطار الحديث عن الموجات وأضرارها، هناك من يعتبر أن الوجود في محيط مملوء بموجات الپ"واي فاي"مؤذ للصحة ويمكن أن يؤدي الى أمراض سرطانية. وفي هذا الأطار يقول تقني الإرسال والموجات فرنسوا شهوان أنه لم يثبت حتى الآن أن هذا النوع من الموجات يمكن أن يؤدي الى أمراض خطيرة مثل السرطان. خصوصاً أن طاقة هذه الموجات تتحرك في شكل لوغاريثمي Logarithmic وليس مستقيماً Linear، وهذا يعني ان قوة هذه الموجات تتضاءل بسرعة كبيرة كلما ابتعدت عن مصدر الإرسال. فالهاتف الخلوي لديه طاقة ارسال وتلقي كبيرة وفي حال وضع المتحدث الجهاز على أذنه لوقت طويل فهو يصدر حرارة لكن ما ان يبعده لمسافة بسيطة تتراجع التأثيرات بنسبة كبيرة وسريعة. وفي كل الأحوال يغرق الأنسان في محيط هائل من الموجات التي لا يراها وبالتالي إن أي تأثيرات لا يمكن أن تقتصر على الپ"واي فاي"، لأن الأقمار الاصطناعية والأشعاعات وشبكات الاتصالات تبث موجات هائلة تمطر الناس بموجاتها منذ انطلقت الثورة التكنولوجية. لاسلكية الأنترنت ما هو مستقبل ظاهرة الپ"واي فاي"التي لا تزال في خطواتها الأولى في العالم العربي والى أين يمكن أن تؤدي؟ لا شك في ان ما نشهده الآن على مستوى لاسلكية الإنترنت يشكل الخطوة الأولى نحو تدويل هذه العملية في المستقبل. ففي نهاية المطاف سيتحول الولوج الى شبكة الإنترنت، الى النظام اللاسلكي الشامل عاجلاً أم آجلاً امتداداً بين الدول عبر أنظمة الپ"رومينغ"، تماماً مثلما حصل ويحصل على مستوى الاتصالات الهاتفية التي تستعمل الأقمار الأصطناعية على نطاق واسع. وهي عبرت اخيراً نحو الجيل الثالث الذي يتطلب سرعة كبيرة في نقل المعلومات وصور الفيديو. وستنتقل ظاهرة الپ"واي فاي"الى الشركات موجودة الآن في شكل محدود في الغرب والمنازل أيضاً تمهيداً لاستكمال نظام فك ارتباط حياة الأنسان بالأسلاك.