لم تكن الحفلة التي أحيتها "مجموعة الفارابي" التابعة ل"جمعية الفارابي للثقافة الموسيقية" في مسرح"دار الثقافة"في مراكش، في مناسبة اليوم العالمي للموسيقى، حفلة عادية. بل كانت الإطلالة الأولى لأول فرقة موسيقية مختصة في الفن الموسيقي الأصيل في المدينة. قبل خمسة أشهر، تأسست فرقة مراكشية ومثلت المغرب قبل أسابيع في الدورة التاسعة عشرة ل"مهرجان بلفور الدولي للموسيقى الجامعية"في فرنسا. وبقدر ما كانت الفرقة حريصة على الإعلان عن ميلادها مغربياً للمرة الاولى على خشبة مراكشية، كانت حريصة على تقديم تقرير فني عن مشاركتها في فرنسا. وهكذا استمتع الجمهور بعدد من المعزوفات والقطع الموسيقية: ذكرياتي للقصبجي، زمان النهاوند لنصير شمة، لونغا رياض لرياض السنباطي، سماعي حجاز كاركرد لإيلي أشقر، سماعي نهاوند لعطية شرارة، قصة حب من التراث الإسباني، البنت الشلبية من التراث اللبناني، لونغا شهناز لأدهم أفندي وعلي الدرويش، إضافة إلى معزوفتي"نزهة"و"أبواب فاس"للعرّاب سعيد الشرايبي، الرئيس الشرفي لجمعية الفارابي. هذه المعزوفات الموسيقية التي قدمتها المجموعة في مراكش كانت جزءاً من البرنامج الحافل الذي شاركت به في مهرجان بلفور حيث قدمت من خلال أربع حفلات، مقطوعات متميزة من الربرتوار الأندلسي والكلاسيكيات العربية، إضافة إلى إبداعات سعيد الشرايبي ونصير شمة. وخلفت مجموعة الفارابي التي يقودها حالياً الفنان وعازف العود المتميز خالد البدوي أصداء متميزة في المهرجان الذي أجادت فيه تمثيل المغرب، وخصوصاً أنها كانت الفرقة المغربية الوحيدة المشاركة في الحدث الضخم الذي عرف مشاركة ما يناهز 130 مجموعة موسيقية تمثل أربعين بلداً. والطريف أن المجموعة كانت في إحدى حفلاتها تعزف توشية أندلسية للاستهلال حينما انفرجت سماء مدينة"بلفور"الداكنة والملبدة بالغيوم عن شمس صغيرة دافئة استمرت إطلالتها لدقائق، وهو ما دفع بعمدة المدينة جون بيير شوفينمون، وزير الدفاع والداخلية الفرنسي السابق، إلى القول:"شكراً لجمعية الفارابي التي أغدقت على مدينة بلفور من إيقاعات مراكش وشمسها الدافئة. مرحباً بكم في بلفور حيث كنا نتمنى لو احتفظنا بكم بيننا". وحرص محمد الفاتحي عبدالرازق، رئيس جمعية الفارابي، على رد التحية بأحسن منها لعمدة المدينة، وهكذا أهداه وأهدى من خلاله المهرجان تذكاراً خاصاً من مراكش. قبل أربعة وعشرين قرناً قال كونفوشسيوس، أحد حكماء الصين القدامى، انه إذا أردت أن تعرف مستوى رقي مجتمع من المجتمعات فاستمع إلى موسيقاه، والمؤكد أن هوية مراكش المتعددة والمفتوحة على مختلف التيارات تظهر بارزة في الاختيارات الفنية لجمعية الفارابي التي تجيد التنقل وبسلاسة من مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية العالمية إلى الموشحات والغناء العربي الأصيل، مروراً بالموسيقى الأندلسية المغربية. ولأن جمعية الفارابي حريصة على قيم الحوار والانفتاح، فإنها انتقلت بهذه القيم من مستوى الاشتغال الموسيقي إلى المجال الجمعوي، إذ تحرص هذه الجمعية منذ تأسيسها عام 2001 على البحث عن صيغ التفاعل الممكنة بين الموسيقى وبقية الفنون وذلك في أفق تجذير الثقافة الموسيقية في أوساط الشباب ومختلف شرائح المجتمع.